السينما السعودية صورة صادمة ومدهشة

منذ بداياته على خشبة المسرح مع فرقة آفان في سيهات (شرق السعودية) عام 2000، بدا محمد سلمان مغايراً في كل أعماله الفنية المختلفة، التي تنوّعت بين الموسيقى والتصوير والرسم والتصميم الداخلي والخارجي. وحين بدأ مشواره السينمائي صانعاً للأفلام عام 2010 في أول عمل روائي قصير لفت انتباه المهتمين إلى الفيلم السعودي، الذي لم يكن يذكر على خارطة العالم ساعاتها.
أخرج سلمان أفلاماً عديدة تنوّعت بين الوثائقية والتجريبية المتكئة على الرمز المفتوح، كان أهمها فيلم “السيكل” 2012، و”شارع خلفي” 2013، و”مخيال” 2014، و”قاري” 2015، و”أصفر” 2016، وأخيراً فيلم “ثوب العرس”. هذه الأفلام لم تتوقف عن صناعة الدهشة وحصد الجوائز في مهرجانات محلية وعربية وعالمية، كان آخرها ترشيح فيلمه “ثوب العرس” لجائزة أفضل ممثلة في مهرجان السينما الدولي ببرلين.
التأريخ بالصورة
يعتني محمد سلمان في تجربته السينمائية بالمكان بوصفه بطلاً ضمن منظومته الإخراجية، وتأتي هذه العناية باللحظة المكانية وتفاصيلها الثقافية من مرجعية كونه فوتوغرافياً في الأصل، الأمر الذي يجعله مدركاً لأهمية الصورة في صناعة الأفلام الحقيقية. فهو يرى في المكان تمهيداً بصرياً يختصر أبعاد الشخصية وحدود ثقافتها، ومرجعاً للكشف عما وراءها.
يعتقد سلمان أن ما يوجد داخل الإطار السينمائي بكل تفاصيله يجب أن تكون له علاقة بعالم الفيلم وشخصياته، فلا يوجد شيء متروك للصدفة، لهذه الأسباب يعتمد سلمان على التأكيد على تفاصيل المكان والتعامل معه كشخصية ترتدي ملابس الحكاية، فالمكان لديه يحمل ما تبقى من الهوية والمشاعر.
|
يقول مؤكدا “هذا هو دور السينما في إعادة تشكيل الواقع وبنائه بخيال مستوحى من ‘هوية وثقافة المكان‘، إذ تتحول إلى لغة بصرية تستطيع من خلالها بناء جسور من الحوارات مع شعوب العالم، كما أنها ستكون وثيقة بصرية تفوق الصورة الفوتوغرافية، فهي إطار حي يشغل كل حواسك وإدراكك، وتقترب في خلقها بعلاقات وجدانية من الموسيقى”.
نظراً إلى قلة الرواة والمؤرخين لمنطقة الخليج العربي بالعموم فإن ذاكرةً شعبيةً جماعيةً تكاد تنتهي بسبب رحيل الجيل الذي كان يمتلكها. هذا الأمر شغل العديد من المبدعين والفنانين والكتاب حيال مسؤوليتهم في التعامل مع الذاكرة وكيفية إعادة صناعتها من جديد. ويأسف سلمان -حاله حال الكثير من المبدعين- على ضياع هذه الذاكرة وعدم القدرة على رصدها بشكل حقيقي.
يقول في هذا الشأن “للأسف، محزن جداً ألّا يتم التأريخ لثقافة تعود إلى 5000 سنة قبل الميلاد. كل ما هو موجود حكاية شعبية لا تتجاوز المئة سنة، ما يدفعني إلى العمل ليس المسؤولية فقط إزاء الذاكرة الشعبية وتفاصيلها الثقافية، بل هو قناعتي بأن ذلك هو الخط الصحيح الذي يجب أن يسلكه كل فنان. فصناعة الفيلم عمل فني بالدرجة الأولى، هو تماماً كصناعة لوحة فنية، فكيف ترسم لوحة لا تشبهك؟”.
ويتابع ضيفنا في السياق نفسه “لدينا كنز هائل من الموروث الشعبي، وتعدد ثقافي، يحمل قصصاً لم تروَ بعد. هناك قصص حدثت، وقصص تحدث الآن، وستحدث غداً. هي مسؤولية فعلاً في صناعة ما يؤكد على هويتنا ويجعلنا أكثر معرفة بأنفسنا وبالآخرين. عندما أسافر لعرض أفلامي في المهرجانات خارج المملكة أرى مقدار الدهشة والصدمة في أعين الجمهور وفي أسئلتهم، حين يرون صورة لم يعتادوا على رؤيتها، فهم يعتقدون أن السعودية هي مجرد صحراء، وجمال، وبنايات شاهقة، وسيارات فارهة. لقد شوهت الميديا الغربية صورتنا بشكل مخيف جدا. كذلك السعوديون أنفسهم لا يعرفون بعضهم البعض بشكل حقيقي”.
لا يتفق محمد سلمان مع الرأي الذي يقول بأن السينما لا بد أن تكون قصة قادرة على توليد الحكاية، فهو يرى أن الترميز في السينما ضروري ومهم كما هو في الأدب. والكتاب العبقري -حسب تعبيره- هو من يضع مفاهيم داخل رموز كتاباته وشخصياته.
يقول سلمان “لا يمكن تجريد السينما من الرمز الذي يصنع العلاقة بين الصورة وإدراك المتلقي لفتح باب آخر للتفكير والبحث عن مضمون خلف المعنى الظاهر. وهنا يجب أن ننتبه إلى أن الرمز في الصورة السينمائية هو تلك الدلالات التى تحملها العناصر السينمائية داخل الإطار السينمائي وليس الصورة بحد ذاتها”.
السينما فلسفة
يؤمن ضيفنا بأن “الفيلم ينطلق من وحي التجريب، سواء كان المنتج النهائي يقودك إلى فيلم روائي مختلف وإبداعي ينتهي بصالة السينما، أو يقودك إلى فيلم غارق في التعبير البصري ينتهي بصالونات العروض الفنية والإبداعية. ففي السينما نحتاج إلى الرجوع للوراء وندرس تاريخ السينما التي بدأت وثائقية طلائعية وانطلق الفيلم الحكائي بخط موازٍ مع الفيلم التجريبي بكل أشكاله وأنماطه والذي أسهم في تطور الفيلم الروائي. ثم لم يُعترف بالسينما كفن إلا من خلال الفلسفة وعلم الجمال، ودراسة اللغة السينمائية منذ علاقة دافنشي وابن سينا بالضوء مروراً بالأخوين لومير، جورج ميلية، دالي، إلى بريغمان وتاركوفسيكي، كيروساوا، وعباس كورستامي، والكثير من الأسماء والأفلام التى يجب أن نشاهدها ونبحث فيها عن شعور وجداني، لا عن فهم رياضي ومنطقي. هذه هي السينما؛ ملخص يحوي جميع الفلسفات”.
الفيلم السينمائي عمل فني يقوم به فريق عمل من المبدعين تحت رؤية المخرج الذي يتحمل مسؤولية الصورة النهائية للفيلم
ويخلص محمد إلى القول بأن “الفيلم السينمائي عمل فني يقوم به فريق عمل من المبدعين تحت رؤية المخرج الذي يتحمل مسؤولية الصورة النهائية للفيلم. وبما أن السينما فن فإن الفن العظيم هو من يطرح الأسئلة وتكون الفرجة متعة عقلية حيث يخرج المشاهد وهو محمل بالأسئلة والدهشة، وهذا لا يحدث إلا بسرد إبداعي. فالسينما ليست قصة فقط ومهرجين يتقمصون شخصيات. السينما ليست انفجارات لعبوات ناسفة، وإطلاق نار وضحكا داخل القاعة. عالم الفيلم هو رحلة أشبه بالدخول إلى عالم آخر داخل عقل صانع الفيلم. هي توقف الزمن وتسليم حواسنا للصور المتتالية بسرعة 24 فريم في الثانية. السينما هي فلسفة بواسطة الضوء”.
وفي حديث ختامي عن غياب دور السينما في السعودية يرى ضيفنا أن “دور السينما رغم ارتباطها بصناعة الفيلم إلا أنها بعيدة وغير حقيقية إن لم تكن لدينا صناعة سينما، وأعني بذلك وجود جهات ومؤسسات تعنى بتمويل الإنتاج من مرحلة الكتابة إلى مرحلة العرض. أما إذا كانت دور سينما فقط فهذا يعني أن شركات إنتاج الدراما الضخمة سوف تبتلع السوق، وهذا أمر خطير جداً سيؤثر على نوعية الإنتاج وتنتقل شركات الإنتاج التلفزيونية إلى إنتاج تفاهات تشوّه السينما. وبالرغم من وجود دراما تلفزيونية جيدة تسعى لتحقيق منتج جيد إلا أني لست متفائلاً جداً بذلك إلا في حالة أنها أوكلت لشباب لديهم خبرة في لغة السينما”.