السيسي يُصعّد الشباب كقياديين حكوميين لتثبيت أركان مصر الجديدة

القاهرة - أظهرت لقاءات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع الشباب المتقدمين للوظائف المدنية حرص النظام على ترميم العلاقة مع الفئات الشبابية وتصعيدها إلى المراكز القيادية، بما يمنح الحيوية لمؤسسات الدولة في عصر الجمهورية الجديدة.
وتعرضت الحكومة لانتقادات حادة لكونها تروج للجمهورية الجديدة من دون التفكير في تغيير علاقتها مع الشباب أو التعويل عليهم مع اعتراف الرئيس السيسي بأن الدولة تعاني من الشيخوخة، رغم أن 60 في المئة من سكانها شباب.
وشهد الرئيس المصري بعض الاختبارات لشباب متقدمين لوظائف مدنية، على عكس المتعارف عليه، حيث كانت لقاءاته مرتبطة بفعاليات عسكرية، مثل تخريج طلاب كليات الجيش والشرطة، لكنه صار يعامل وظائف المدنيين بأسلوب السلك العسكري.
وحضر مع مسؤولين عسكريين كبار قبل أيام، على رأسهم وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول محمد زكي، اختبارات المتقدمين للالتحاق بوظائف وزارة التعليم التي تُعقد بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية لأول مرة في تاريخها.
وتقرر في أكتوبر الماضي بدء إجراءات تعيين مديري مدارس شباب تتراوح أعمارهم بين 35 و45 عاما، يتمتع كل منهم بشخصية قيادية ولديه رؤية للتطوير، بما يتناسب مع أفكار ورؤى وخطط الجمهورية الجديدة.
وسبقت الخطوةَ الاستعانةُ بعناصر شابة في قطاعات حيوية بوزارة النقل، وشارك السيسي في اختبارات هذه العناصر، مؤكدا أنه سيتم انتقاء عناصر تعي جيدا ما تواجهه مصر من تحديات تتطلب إعداد أجيال وكوادر على مستوى عال من الكفاءة.
وأكد مصدر حكومي مطلع لـ”العرب” أن “الرئيس السيسي يرغب في انتقاء عناصر شابة للوظائف القيادية قريبة من أسلوب إدارته للدولة، وتدرك التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري، ولو كانت في وظائف مدنية، لأنه يريد دولة عصرية”.
وقال المصدر القريب من دوائر صنع القرار السياسي إن “السيسي لا يرغب في سيطرة الوساطات والعلاقات على عمليات توظيف الشباب، لذلك يتدخل في اختيارهم بنفسه لتغيير النظرة السائدة بأن الوظائف الحكومية صُنعت لأهل الثقة لا الكفاءات”.
ولفت المصدر ذاته إلى أنه صار من شروط التوظيف في الحكومة حصول الشباب المنطبقة عليهم الشروط على دورة في علوم الإدارة الإستراتيجية والأمن القومي، مبررا ذلك بأن “السيسي يبحث عن شباب لديهم وعي وفهم لما تحتاجه الجمهورية الجديدة، ويريد فئات شبابية بعقليات منفتحة”.
وتلقفت أصوات معارضة حضور قياديين عسكريين لاختبارات الوظائف المدنية بالترويج لفكرة تخطيط السيسي لعسكرة الجهاز الإداري للدولة وزرع شباب بعقليات أمنية بزي مدني في المؤسسات الحيوية، من أجل اللعب على توتر العلاقة بين الفئات الشبابية والحكومة.
وتعتقد دوائر سياسية أن عودة الاهتمام بالشباب وتمكينهم من وظائف قيادية محاولة جادة من النظام المصري لإعادة تشكيل علاقته مع هذه الفئة باعتبارها نواة أساسية للقضاء على المشكلات المتراكمة التي تواجهه أمام وصول الجهاز الإداري للدولة إلى مرحلة غير مسبوقة من الترهل.
وترى هذه الدوائر أن مساعي تمكين الشباب وتوعيتهم بمخاطر وتحديات الأمن القومي تعكس مدى اقتناع النظام المصري بفكرة عدم جدوى استمرار خلافه مع الفئات الشبابية أو معاندتها، طالما أنها تستطيع مواجهة التحديات.
وبات واضحا أن الرئيس المصري يسعى إلى أن يكون الشباب هم الحزب السياسي والظهير الشعبي، لأن هناك شعورا متصاعدا لدى بعض دوائر الحكم بأن النجاح في إزالة جفاء العلاقة بين الشباب والحكومة يمثل التحدي الأكبر حاليا.
وقال سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة إن “الحكومة اقتنعت بأن أية محاولة لبناء جمهورية جديدة دون الاعتماد على الشباب ستعاني من الطعن في مصداقيتها ونزاهتها وتهاوي صورتها في نظر الشارع، لأنه لا يمكن بناء دولة معاصرة وكفاءاتها الشابة بعيدة كليا عن المشهد”.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “إقناع الشارع بوجود نوايا للتغيير السياسي والاجتماعي ينطلق من تمكين الشباب والإيمان بقدراتهم وتصعيد أصحاب الكفاءة لتولي مناصب قيادية، لكن يجب أن يتسع ذلك ليشمل قيادة مؤسسات كبرى، وليس مجرد وظيفة خدمية تبدو هامشية”.
ويؤاخذ معارضون الحكومةَ على تمكين الشباب بعيدا عن الملفات السياسية والاقتصادية واختزال الأمر في نواح وظيفية، لأن الاستمرار على نفس المنوال لا يرضي طموحات هذه الشريحة العريضة، بل يغذي إحساس الفئات الشبابية بأنها ليست جديرة بثقة السلطة.
ما يلفت الانتباه أن مختلف الوظائف الحكومية التي استعانت فيها الحكومة بالشباب لم تتطلب الالتحاق أولا بالبرنامج الرئاسي لتمكين الشباب
وما يلفت الانتباه أن مختلف الوظائف الحكومية التي استعانت فيها الحكومة بالشباب لم تتطلب الالتحاق أولا بالبرنامج الرئاسي لتمكين الشباب، وفتحت الوزارات المختلفة الأبواب لكل الفئات ومن مختلف الشرائح المجتمعية للتقديم فيها، بعيدا عن اختزال الأمر في شريحة مقربة من السلطة.
ويدرك النظام المصري سلبية التعاطي مع الوظائف القيادية في الحكومة من بين الشباب بطريقة المؤتمرات الشبابية التي كان حضورها حكرا على عناصر متناغمة سياسيا مع السلطة، ما صعب مهمة التقارب من الشباب عموما، وجاءت ثمار غالبية هذه الفعاليات منزوعة الدسم السياسي.
وتؤكد تحركات السيسي الأخيرة تجاه الشباب إيمانه بأن تمكينهم في مراكز قيادية يضمن وجود حالة من الرضاء على أداء الحكومة، لأن القيادي الشاب يبدو قريبا من فكر وطموح ورأي وحلم النظام ويعمل على خدمته بطريقة تدعم صورته السياسية.
ولا ينفصل هذا التوجه عن وجود اقتناع لدى دوائر صنع القرار السياسي بأنه يصعب تجاهل طموحات وتطلعات الشباب، وهم أيقونة الغضب في المجتمع، والدفة التي يمكن أن تغير الأوضاع السياسية سريعا، سلبا أو إيجابا، لذلك لا بديل عن الاحتواء والتجييش خلف النظام الحاكم.
وذكر سعيد صادق لـ”العرب” أن “مشكلة الحكومة المصرية أنها لا تزال تختزل تمكين الشباب في وظائف حكومية بمنطق الكوتة، وهذه نظرة أفقها ضيق والمفترض التماهي معهم فكريا ووجدانيا وسياسيا بأن يكون لهم صوت وكلمة عليا، وأن يكونوا مستقلين بقراراتهم بعيدا عن الوصاية والتوجيه، بحيث يصبحون قادة المستقبل”.