السلطة الجزائرية تراوغ بشأن موعد الانتخابات

الجزائر - تتفادى السلطة الجزائرية، إلى حد الآن، الإعلان عن تاريخ جديد للانتخابات الرئاسية القادمة في محاولة لتجنب أي فشل جديد يورطها في أزمة سياسية مضاعفة، حيث تركت للطبقة السياسية مسؤولية بلورة تاريخ جديد، لكن إصرار الشارع على رفض أي انتخابات في الظروف السائدة يجعل هذا الاستحقاق في حكم المجهول.
وأبدى المحلل السياسي الجزائري، سفيان صخري، تفاؤله بشأن تحقيق الحراك الشعبي في البلاد لأهدافه السياسية رغم التحديات المطروحة عليه خاصة مع تضاعف الزخم الشعبي والسياسي المنتظر مع بداية الدخول الاجتماعي (العودة المدرسية أو استئناف العمل بعد الإجازات الصيفية) بعد أسابيع قليلة، حيث يسود خطاب على تصعيد العمل الميداني من أجل إرغام السلطة على الاستجابة لمطالب الشعب. وأكد أن اللغط الذي يلف دعوات العصيان المدني ينم عن مخاوف ناجمة عن حداثة التجربة الاحتجاجية في الشارع الجزائري، ومع ذلك يبقى الانخراط العفوي في رفض تنظيم الانتخابات الرئاسية في الظروف الحالية سلاحا مهما في يد الشارع من أجل إحباط كل مبادرات السلطة.
وتصر سلطة الأمر الواقع على ضرورة تنظيم الانتخابات في أقرب الآجال بعد إجراء حوار سياسي. وكان قد تم تشكيل لجنة مستقلة من أجل تمهيدها الطريق لإجراء الحوار الوطني لكنها فقدت مصداقيتها من قبل أن تبدأ عملها وسط انتقادات شديدة وجهت لها بسبب الظروف والملابسات التي أحيطت بميلادها إلى جانب عدم ترجمتها للمطالب الحقيقية للحراك والمرفوعة منذ عدة أشهر.
وكانت الجزائر قد ألغت الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من شهر يوليو الماضي لعدم توفر الشروط الأساسية لإجرائها بالإضافة إلى رفضها من طرف الطبقة السياسية والحراك الشعبي، في خطوة أثبتت فشل السلطة في حل الأزمة السياسية التي تتخبط فيها بالبلاد منذ شهر فبراير الماضي.
وكان قد تم تمديد فترة ولاية الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، التي من المفترض انتهاؤها في التاسع من يوليو الماضي بحسب الدستور، إلى غاية تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، ما عدّ قرارا غير دستوري وتم انتقاده من طرف خبراء القانون باعتبار أن استمرار بن صالح في الرئاسة مرتبط بتحديد تاريخ معيّن للانتخابات وهو ما لا يتوفر في الظرف الراهن.
وذكر الخبير الدستوري، عامر رخيلة، أن “عبدالقادر بن صالح يشغل منصب رئاسة الدولة دون مسوغ دستوري أو قانوني، وأن تواجده الآن في قصر المرادية باطل وكل قرار يتخذه باطل أيضا لأن منصبه مرتبط بتنظيم استحقاق رئاسي في ظرف زمني معين”.
ومنذ تمديد ولاية الرئيس المؤقت خارج الأطر الدستورية بدعوى تلافي الفراغ المؤسساتي في البلاد، لم تحدد السلطة أي تاريخ للانتخابات الرئاسية وتتعمد ترك المجال مفتوحا على أمل توصل الحوار السياسي إلى توافق حول تاريخ معين، ليكون قرارها تحصيلا حاصلا فقط، وهو ما يؤكد خوفها من تكرار فشل الموعد السابق.
ولفت صخري إلى أن انخراط الشارع في الفعل السياسي سيقوده إلى إجهاض أي حوار سياسي أو أي انتخابات، وأن تجند الشارع لإفشال الاستحقاق سيكون الرد المناسب على تجاهل سلطة الأمر الواقع لمطالب الحراك الشعبي، وإصرارها على تنفيذ أجندتها والوفاء لتقليد اختيار المؤسسة العسكرية لرئيس البلاد بعيدا عن احترام إرادة الشعب.
ويرى متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن استمرار الاحتجاجات الأسبوعية بالبلاد وقرب الدخول الاجتماعي، فضلا عن المخارج التي انتهت إليها الأزمة السودانية، تصب كلها في وعاء إجهاض الانتخابات الرئاسية التي تراهن سلطة الأمر الواقع على إجرائها في أقرب الآجال.
ويتوقع ناشطون سياسيون عدم تمكن السلطة من تنظيم الاستحقاق قبل نهاية العام الجاري في ظل الظروف الحالية، لكنهم لم يستبعدوا لجوء المؤسسة العسكرية إلى اللجوء إلى وضعية استثنائية في البلاد من أجل تمرير الموعد بشتى الوسائل ولو كانت تحت الضغط.
وتراهن السلطة على دعم قوى إقليمية ودولية من أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية، وحتى إمكانية غض الطرف الدولي عن نقائص أو انتقادات تشوبها، وكانت باريس قد عبرت في هذا الشأن عن دعمها لأي انتخابات قريبة في الجزائر. إلا أن الهاجس الأكبر للسلطة يبقى مصدره تصاعد ضغط الشارع عليها خلال الأسابيع القادمة.
وشكّل حصر الحوار السياسي في ملف الانتخابات الرئاسية وتراجع السلطة عن تنفيذ إجراءات التهدئة بشكل مفاجئ، أحد الأسباب الرئيسية التي نفرت المعارضة السياسية والمجتمع المدني من الاستجابة للدعوة الموجهة من طرف لجنة كريم يونس.
وفي هذا السياق، نفى رئيس جمعية علماء المسلمين (مقربة من الإسلاميين) عبدالرزاق قسوم أن تكون جمعيته قد لبت دعوة الحوار كما أشيع عنها في عدد من وسائل الإعلام المحلية. كما أعادت منظمة المجاهدين (قدماء المحاربين) التذكير بمواقفها السابقة المؤيدة للحراك الشعبي، وانتقدت في بيان صوتي طريقة تعيين لجنة الحوار والوساطة وتضمينها شخصيات مقربة من السلطة وتغييب الشخصيات الحراكية ذات الوزن الشعبي.
وكشف العضو المستقيل من اللجنة والخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس عن أن التضارب في هرم السلطة بين ليونة الرئاسة المؤقتة وقيادة أركان الجيش ينم عن غياب الانسجام والرؤية لدى أصحاب القرار تجاه حلحلة الأزمة، وهو ما يرشحها للمزيد من التعقيد.
وصرح لالماس، لصحيفة محلية، بأنه “عندما اقترح المنتدى المدني للتغيير اسمي وافقت مبدئيا لأنهم أقنعوني أنها لجنة مستقلة ووضعت شروطا لمشاركتي من خلال مجموعة من تدابير التهدئة”. وأضاف “أكثر ما أحبطني هو خطاب رئيس أركان الجيش والقرار الأخير لبن صالح، لما أخبرنا بوضوح أن الدستور لا يسمح له بتنحية رئيس الوزراء نورالدين بدوي، وهو غير صحيح لأنه منذ يومين استطاع إنهاء مهام وزير العدل”.
ولفت لالماس إلى أنه تعجب حقا من لهجة ومحتوى خطاب قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح معتبرا أنه “كان ضد مبادئي” مؤكدا أنه بعد تدخل قائد الأركان “أدركت أن اللجنة ماتت وهناك مشكلات خطيرة”. وقال “في رأيي الحوار يجب أن يكون أولا بين طرفي السلطة، بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية، هناك خلاف، بل هناك فجوة”.