السلطات التونسية تصطدم بصعوبات تغيير واقع الأحياء الشعبية

لا تزال الأحياء الشعبية والتقليدية في تونس في حاجة إلى التغيير والإصلاح، حيث تشكو من نقائص عديدة من حيث الخدمات الأساسية في ظلّ قصور البرامج التنموية والبطء في تنفيذها، ما ساهم في تفاقم المشاكل اليومية بتلك الأحياء وفي مقدمتها معضلة البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية.
تونس - تصطدم السلطات التونسية بصعوبة تغيير واقع الأحياء الشعبية التي تعاني من الفقر والتهميش، وسط إجماع الخبراء والمراقبين على أن إصلاح تلك الأحياء يحتاج إلى معالجة الاقتصاد والنظر في مخططات التنمية.
ولا تزال الأحياء الشعبية تغرق في مشاكل الفقر و”الإقصاء”، حيث ترتفع فيها نسب البطالة والظواهر الاجتماعية الخطيرة على غرار العنف وتعاطي المخدرات وغيرها.
وفاقمت ظاهرة النزوح من الأرياف نحو المدن مشكلة تركّز السكان بتلك الأحياء بحثا عن العمل والاستقرار، وهو ما عمّق صعوبات السلطات في إيجاد حلول لتجاوز النقائص المعيشية والاجتماعية بها.
ويقول خبراء الاقتصاد إن النزوح يعد من أهم المشاكل التي تفاقم إصلاح واقع تلك الأحياء، وسط دعوات لمراجعة الدولة لسياساتها في الأرياف والمراهنة على الزراعة لتثبيت السكان في مناطقهم الأصلية.

حسين الديماسي: تغيير واقع هذه الأحياء هو قضية إستراتيجية على المدى الطويل
وأفاد وزير المالية الأسبق حسين الديماسي أن “هناك مشكلة التضخّم السريع للسكّان في الأحياء الشعبية، وظاهرة الفقر لا تزال مرتفعة، ورغم أن الحكومات السابقة قامت بمجهود لمحاربة الفقر في المدن إلا أن تياّر النزوح من الأرياف نحو المدن أكبر من ذلك المجهود”.
وأضاف لـ”العرب” أنه “من الضروري تغيير سياسة الدولة في الريف التونسي، والتقليص من طفرة النزوح وبالتالي تقليص نسبة الفقر، فضلا عن تغيير طريقة الأنشطة الاقتصادية (الزراعة وإعادة خلق الثروة)، في ظلّ تشتّت ملكية الأراضي الزراعية”.
وتابع الديماسي “لا توجد عزلة بين ما يحدث في الريف وما يحدث في المدينة، وتغيير واقع هذه الأحياء بمثابة قضية إستراتيجية تتطلب نظرة استشرافية على المدى الطويل”.
ويقترح مراقبون سياسيون ضرورة بعث أقطاب صناعية وورشات تكوين مهني وتقني وسط تلك الأحياء لامتصاص نزيف البطالة والحدّ من منسوب الفقر، فضلا عن إنشاء مشاريع صغرى بتدخل من الدولة في مستوى التسهيلات الإدارية والتمويلات المالية.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إنه “من الضروري تصنيف الأحياء الشعبية، حيث هناك المتوسّطة والمخطط لها والمهيأة وأيضا العشوائية”، لافتا إلى أن “الأحياء العشوائية هي نتاج لبناء فوضوي وعشوائي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الصنف الأول من الأحياء المهيأة عمرانيا يضم الطبقة الوسطى وأسفلها، ويجب بعث أقطاب وتجمعات صناعية لقيام مراكز تكوين مهني، كما أن الدولة مطالبة بتيسير الإجراءات لبعث المشاريع الصغرى وتأسيس مراكز للتكوين المهني وفق التخصصات الجهوية، فضلا عن المراهنة على أنه من حق كلّ أسرة بعث مشروع بإجراءات بسيطة ومحدودة مع إعفاء جبائي لمدة 10 سنوات، ومنح قروض دون فائدة”.
ظاهرة النزوح من الأرياف نحو المدن فاقمت مشكلة تركز السكان بالأحياء الشعبية بحثا عن العمل والاستقرار
وأردف ثابت “الشعار هو تحويل الأحياء إلى ورشات تكوين وإنتاج، لكن لا توجد رؤية وبرنامج بالنظر إلى الاستحقاقات الاجتماعية، وفي ظلّ اتساع رقعة الفقر أصبحت عملية الانتشال الاجتماعي ضرورية وتحتاج إلى هياكل وإرادة”، مؤكّدا “لا بدّ أن يكون كل مسؤول أو وزير مكلّفا بإنجاز برامج وفق أهداف معينة، ويفترض أن تكون هناك خطة كاتب دولة للمناطق الريفية”.
واستطرد “العامل الديموغرافي خطير جدا على الأمن القومي، وضروري تثبيت السكان في مناطقهم”.
وسبق أن حذّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من تعمق الشعور باللامساواة عند الشباب، وذكر في دراسة حديثة أن 60 في المئة من الشباب الذين استطلعت آراؤهم يشعرون بالتهميش والظلم، وأرجعوا ذلك إلى أن النخب السياسية لم تنجح في مواجهة الفساد وكرست سياسة الإفلات من العقاب وعدم المساواة أمام القانون وتجاوزت مسار العدالة الانتقالية.
وأشارت المتخصصة في علم النفس ريم بن إسماعيل خلال ندوة صحافية إلى أن دراسة ميدانية قام بها المنتدى مع مجموعة من المنظمات الوطنية وشملت 800 شاب من أحياء مختلفة من العاصمة (الكبّارية، سيدي حسين، المروج والمنزه)، أظهرت أن 74 في المئة من الشباب يعتقدون أنهم مغيبون من الدولة و”صوتهم غير مسموع”، و80 في المئة منهم يرون أن الدولة تهتم بالأغنياء أكثر من الفقراء وأن القانون لا يطبق على المواطنين بنفس الكيفية.
واعتبر الخبير الاقتصادي الصادق جبنون أن “الأحياء الشعبية في تونس هي نتاج لخطط تنموية عرفتها تونس منذ الستينات (تحديدا من 1960)، ولم تراع ضرورة التوازي بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية للبلاد”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الحكومات المتعاقبة واصلت في نفس السياق، وهذا ما يسمى بمركزية التنمية وجعل الأحياء تتراكم وتنمو خصوصا في العاصمة تونس التي تشهد كثافة سكانية كبيرة”.

المنذر ثابت: الدولة مطالبة بتيسير الإجراءات لبعث المشاريع وتأسيس مراكز للتكوين المهني
وأردف جبنون “نقص التنمية يؤدي إلى بروز ظواهر اجتماعية ، منها الفقر والهشاشة الاجتماعية، والتغيير يتطلّب تمويلات بنحو 3 أو 4 أضعاف الميزانية العادية لإعادة هيكلة المدن، فضلا عن الترفيع في نسبة الاستثمار وإحداث فرص الشغل”.
وأشار إلى “ضرورة إيجاد إطار بيئي واجتماعي واقتصادي يمكّن هذه الفئة من ركوب المصعد الاجتماعي”.
وكثيرا ما تكشف الاحتجاجات الاجتماعية لعدد من الأحياء الشعبية خصوصا في ضواحي تونس العاصمة عن فشل النموذج التنموي في البلاد وعجز الحكومات المتعاقبة في إرساء سياسات اقتصادية فعّالة.
وتجاهلت السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة إقحام الأحياء الشعبية في مقارباتها التنموية بتأمين مقومات العيش الكريم وتوفير فرص العمل، فضلا عن محاربة الفقر والتشجيع على الاستثمار والإنتاج.
وتنفرد تلك الأحياء بنمط عيش خاص، وهي غير مهيكلة بالنظر إلى نمط البناء وغير قانونية أحيانا، فضلا عن حالة الفوضى والبناء العشوائي والفقر والحرمان، حسب خبراء علم الاجتماع.
كما لا تتوفر بالعديد من تلك الأحياء أبسط مقومات العيش الكريم، وكثيرا ما تكون مناهضة للسلطة وصانعي القرار السياسي.