الزواج المؤقت واقع مسكوت عنه في مصر تفضحه المؤسسة الدينية

دار الإفتاء تحذر من تزايد العلاقات الزوجية المؤقتة وضياع حقوق النساء.
السبت 2023/12/16
التوعية بمساوئ الزيجات المؤقتة أمر ضروري

يرى استشاريو العلاقات الزوجية وتقويم السلوك في مصر أن التحذيرات التي أطلقتها المؤسسة الدينية بخصوص الزواج المؤقت غير كافية، داعين إلى إطلاق حملات واسعة لتوعية الأسرة والزوجة بمساوئ الزيجات المؤقتة، وأشاروا إلى أنها تتسبب في ضياع حقوق النساء. ويؤكد استشاريو العلاقات الزوجية أن الزيجات المؤقتة تتضمن، إضافة إلى ذلك، إهانة بالغة وحطّا من قيمة المرأة ومكانتها.

القاهرة - دفع انتشار وقائع زواج “التيك أواي”، أو ما يعرف بالزواج المؤقت في مصر، دار الإفتاء إلى أن تطلق تحذيرات خطيرة للنساء من التعاطي مع هذه النوعية من العلاقات، حيث تضيّع حقوق المرأة وتجعلها سلعة زهيدة، في مؤشر يعكس تزايد معدلات الزيجات المؤقتة في غفلة من المجتمع.

وقالت دار الإفتاء أخيرا إنها “تعاني من كثرة وقائع زواج التيك أواي، مع أنه ليس زواجا بالمعنى الحرفي، وأقرب إلى اتفاق شفهي بين الطرفين، تنشأ بينهما علاقة بورقتين، وأحيانا لا يوجد شهود على ذلك، وهذه كارثة تحمل إهانة بالغة للمرأة وضياعا لكل حقوقها.. وعلى الأسرة أن تتدخل لزيادة وعي النساء”.

ويعني زواج “التيك أواي” أن الرجل والمرأة يتزوجان لمدة زمنية محددة، وبطريقة أقرب إلى إقامة علاقة بغرض المتعة ليس أكثر، على أن يتم تغليفها بغطاء شرعي أقرب إلى الزواج العرفي، وتتخذ العلاقة طابعا جنسيا من خلال تلاقي الطرفين على فترات إلى حين يقرران الابتعاد عن بعضهما البعض بالانفصال.

الرجل يقدم على هذه النوعية من العلاقات لإدراكه أن الارتباط السري يجلب مكاسب، منها عدم التورط في علاقة أبدية

ويميل بعض الرجال المتزوجين إلى مثل هذه العلاقات، ويقدمون عليها مع مطلقات أو فتيات مراهقات دون زواج رسمي، هربا من حالة عدم الارتياح العاطفي مع زوجاتهم، كما أن هناك نساء يرفضن أن تكون العلاقة رسمية ومعلنة ويفضلن العلاقة المؤقتة.

ويتفق الطرفان في هذه العلاقة على عدم الإنجاب بشكل نهائي، واتخاذ التدابير اللازمة التي تحول دون حمل المرأة، لأن العلاقة بينهما مؤقتة وقائمة على المتعة لفترة، لكن تحذيرات دار الإفتاء ارتبطت بإمكانية أن ينتج عنها أطفال.

واعتاد أحمد (ش)، وهو شاب مصري في الأربعينات من عمره، الاعتماد على زواج “التيك أواي” بعيدا عن زوجته التي وصلت علاقته بها إلى حد الجمود العاطفي، ويتزوج في العام الواحد نحو ثلاث مرات، وأغلب اللاتي يتزوج بهن مطلقات، لديهن أطفال أو لم ينجبن، لكنهن أيضا يفضلن هذه النوعية من العلاقة لتجنب الارتباط الرسمي.

وقال لـ”العرب”، مفضلا عدم الكشف عن هويته، إن زواج “التيك أواي” منتشر بين فئات مختلفة في مصر، ويفضل الطرفان الدخول في علاقة غير معلنة، شريطة ألا تكون مخالفة لتعاليم الدين، حيث تتم الاستعانة بشهود وربما لا، أو أن تُكتب ورقة يوقع عليها كل طرف ويسلمها لشريكه كضمانة.

ولفت إلى وجود سماسرة معروف عنهم تسهيل الزيجات المؤقتة، معقبا “مثل هذه العلاقات قد لا يكون لها سقف زمني محدد، لكن الطرفين يقرران الانفصال عندما يصل أحدهما أو كلاهما إلى مرحلة التشبع من الآخر، أو يواجهان مشكلة ليس لها حل، وفي المجمل هذه الزيجات لقضاء وقت سعيد من حين إلى آخر”.

وثمة ظاهرة مرتبطة بأن الكثير من الفتيات والشبان يفضلون عدم الزواج الرسمي، بسبب الغلاء والظروف المعيشية الصعبة أو لرفض شريحة كبيرة من الأجيال الجديدة تحمل المسؤوليات والالتزام بالأسرة، ما يغذي إقامة علاقات مؤقتة بصور متعددة.

وتوجد شريحة من المطلقات ترفض الاستسلام للرهبنة وتمانع تكرار تجربة الزواج الرسمي، لذلك يفضلن العلاقات المؤقتة التي تعوضهن عن الحرمان العاطفي والمتعة المفقودة بطريقة بعيدة عن السلوكيات المحرمة، ويقبلن بزيجات سرية لا تكون فيها إقامة كاملة مع الزوج ولا ينتج عنها أطفال أو مسؤوليات.

ولا تزال مؤسسات دينية في أكثر من بلد عربي مختلفة حول مشروعية الزواج المؤقت، أو المتعة؛ فهناك رجال دين حكموا بأنه شرعي وآخرون حرموه، لكن تظل قناعة أغلب من خاضوا التجربة أنهم لا يرتكبون فعلا محرما، طالما أن الطرفين اتفقا على الزواج بغض النظر عن الصيغة.

علاقات غير متينة

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن الزيجات المؤقتة تزداد وتيرتها كلما شهدت الأسرة انقسامات حادة، وغاب التفاهم بين طرفيها، لذلك يلجأ الرجل أو المرأة إلى البحث عن علاقة هادئة يعيش فيها حياته بلا ضغوط قهرية، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت، المهم يجد لحظات من الاستمتاع.

وإذا كانت المرأة المطلقة أو الأرملة وربما الفتاة الجامعية تبحث عن زيجة خالية من المسؤوليات، يظل الرجل يقدم على هذه النوعية من العلاقات لإدراكه أن الارتباط السري يجلب مكاسب ويجنب خسائر، منها عدم التورط في علاقة أبدية، كما أن تطليق الزوجة الأولى يجبره على خسارة أبنائه وإلزامه بنفقات شهرية باهظة، أما العلاقات المؤقتة فتوفر المتعة والراحة النفسية والحرية الشخصية.

ولدى ولاء حمدي، وهي أم لطفلين، صديقة مطلقة اعتادت الزواج بمثل هذه الطريقة أكثر من مرة، وتزهد في الزواج الرسمي وإنجاب أبناء وتحمّل مشقة الحياة مع رجل قد ينغص عليها حياتها مرة أخرى، وتقبل الزواج المؤقت لتكون بعيدة عن القيود، فكل طرف يُملي شروطه مسبقا ولا أحد يتدخل في شؤون الآخر.

وأوضحت لـ”العرب” أن “أغلب من يقبلون على الزيجات المؤقتة لا يعنيهم الحلال والحرام أو التحذيرات الدينية، وصديقتها التي بررت لها أن ما تفعله لا يخالف الشرع، لديها مقربون تستعين بهم في كل زيجة ليكونوا شهودا عليها، بالتالي لا تعتقد أن العلاقة مع الرجل فعل محرم، ولو بغرض الاستمتاع المؤقت والانفصال باتفاق”.

بعض الرجال المتزوجين يميلون إلى مثل هذه العلاقات، ويقدمون عليها مع مطلقات أو فتيات مراهقات دون زواج رسمي هربا من حالة عدم الارتياح العاطفي مع زوجاتهم

وترى شريحة معتبرة من النساء أن لجوء الزوج إلى الارتباط بغرض المتعة بعيدا عن منغصات الحياة الأسرية يعبر عن أنانية، لأن الرجل يفترض أن الزوجة شريكة أساسية في المشكلات الموجودة في المنزل، ولا يمكن أن تكون المرأة وحدها سببا في الصراعات الدائرة بدليل أنه لم يلجأ إلى خيار الطلاق ويستمر في علاقته مع زوجته.

وأكدت هالة حماد، استشارية العلاقات الزوجية وتقويم السلوك في القاهرة، أن “الزيجات المؤقتة تحمل إهانة بالغة وحطا من قيمة ومكانة المرأة، على الأقل أمام نفسها، لأنها بذلك تقدم نفسها بسهولة لمن يرغب في الاستمتاع بها، وهذا يجعلها في نظر الشريك سيدة غير سوية، وإن قبل بالزواج منها، ويجب أن تتعامل كل امرأة بهذا التفكير بعيدا عن أية مبررات أخرى”.

وقالت لـ”العرب” إن “التحذيرات التي أطلقتها المؤسسة الدينية في مصر غير كافية ويجب إطلاق حملات توعية واسعة للأسرة والزوجة أيضا، لتكون الأخيرة واعية بتصرفات زوجها، مع الكشف علانية عن مثل هذه السلوكيات لتنتبه العائلات إلى التصرفات التي تحدث سرا”، لافتة إلى أن هذه الوقائع تعبر بوضوح عن خلل في أسلوب التربية وجهل بقدسية العلاقة الزوجية، وهي من الظواهر التي تتحمل مسؤوليتها الأسرة أولا.

وتبين هذه الوقائع أن الخلاف بين الزوجين يقود إلى الخيانة بالزواج السري، وتجنب انفصال الشريكين لا يعني تمسك كل واحد منهما بالآخر، فقد يستمران معا كصيغة مقبولة أسريا ثم يتزوج الرجل للترفيه عن نفسه، لكنها كشفت أيضا عن عدم ممانعة بعض النساء في إقامة علاقات لمجرد الاستمتاع تحت مبرر الزواج المؤقت، على الرغم مما ينتج عنه من مخاطر تجلب للمرأة انتكاسات مستقبلية.

15