الزواج الفندقي يتوسع في مصر على وقع تعاظم المشكلات الأسرية

بينما يستنكر علماء الدين في مصر لجوء الشبان والفتيات إلى عادات وتقاليد غريبة عن المجتمع، مثل الزواج لفترة محددة، أو الارتباط لهدف معين (الزواج الفندقي) ثم الانفصال في هدوء، يرى مستشارو العلاقات الأسرية أن المؤسسة الدينية اختزلت المفاهيم الحداثية عن الزواج من منظور الحلال والحرام فقط، دون النظر إلى الأبعاد والمبررات التي قادت إلى مثل تلك العلاقات.
القاهرة - حملت تحذيرات أطلقتها دار الإفتاء المصرية مؤخرا بشأن وقائع لما يسمى بـ”الزواج الفندقي” مؤشرا على تسلل بعض العلاقات الجديدة داخل شريحة من الأسر، في ظل تمرد جيل صاعد على زواج تقليدي قد يحمّل طرفيه مسؤولية جسيمة، بالتزامن مع ضغوط معيشية لم يعد الكثير من الشبان والفتيات قادرين على تحملها.
وأكد أمين الفتوى ومدير مركز الإرشاد الزوجي بمؤسسة الفتوى عمرو الورداني أن هذه النوعية من العلاقات (الزواج الفندقي) يمكن تصنيفها على أنها “زواج خدمات”، حيث يبحث كل طرف عن شريك حنون خارج مؤسسة الزواج.
ويعني الزواج الفندقي أن الرجل والمرأة يعيشان معا بدافع العاطفة والراحة، وأن الطرفين -أو أحدهما- يبحثان عن حاجة معنوية أو مادية، وإذا توقفت الحاجة يبحثان عن “فندق آخر” (زواج آخر)، وفق توصيف الورداني، بما يعني أن المعيار الحاكم لهذه النوعية من الزيجات هو الدافع المادي أولا، ما يفرغ العلاقة من مضمونها.
الزواج الفندقي يعني أن الشريكين يعيشان معا طلبا للعطف والراحة، وأنهما -أو أحدهما- يبحثان عن حاجة معنوية أو مادية
ويصنف هذا الزواج على أنه ارتباط غير رسمي أقرب إلى المتعة ليس أكثر، سواء أكان ذلك بطريقة مشروعة ومعلنة أم عرفية، أي أن العلاقة تتخذ طابعا جنسيا من خلال تلاقي الطرفين على فترات إلى حين يقرران الابتعاد والانفصال، إذا خالف أحدهما الشروط المتفق عليها، بحثا عن مصلحة أو مشاعر أخرى بغرض الراحة.
ويميل البعض من الرجال المتزوجين إلى مثل هذه النوعية من العلاقات، لأنها لا ترهقهم بمسؤوليات أو إنجاب أبناء، ويقدمون عليها مع مطلقات أو مراهقات بلا زواج رسمي، هربا من حالة عدم الارتياح العاطفي مع زوجاتهم، وهناك نساء يرفضن أن تكون العلاقة رسمية ومعلنة ويفضلن العلاقة المؤقتة التي توفر المال والعاطفة معا.
ويتفق الطرفان في هذه العلاقة على عدم الإنجاب واتخاذ التدابير اللازمة التي تحول دون حمل المرأة، لأن العلاقة بينهما مؤقتة وقائمة على المصلحة والمتعة لفترة معينة، ضمن ظاهرة منتشرة تتعلق بأن الكثير من الفتيات والشبان يفضلون عدم الزواج الرسمي بسبب الغلاء والظروف المعيشية الصعبة أو رفض تحمل مسؤوليات الأسرة.
وثمة مطلقات يملن إلى زيجات توفر لهن الراحة والمتعة دون تكرار تجربة الزواج الثاني، ويرفضن الاستسلام للرهبنة والارتباط الرسمي في الوقت نفسه، لذلك يفضلن العلاقات المؤقتة، في صورة زيجة فندقية أو عرفية لها سقف زمني، المهم أن تعوضهن عن الحرمان والمتعة المفقودة، بلا أطفال ومسؤوليات.
وتزداد وتيرة العلاقات الزوجية التي تتم بشكل غير رسمي كلما شهدت الأسرة انقسامات حادة، وغاب التفاهم بين طرفيها، لذلك يلجأ الرجل -أو المرأة- إلى البحث عن علاقة هادئة يعيش في ظلها بلا ضغوط قهرية، ولو كان ذلك بشكل مؤقت وقائم على مصلحة متبادلة مع الشريك الآخر، ومن المهم أن يجد لنفسه لحظات من الاستمتاع.
ودأب علماء دين في مصر خلال الآونة الأخيرة على إظهار الاستنكار الواضح للخلل الذي ضرب بعض النواحي في منظومة الزواج، وحذروا من زيادة لجوء شبان وفتيات إلى عادات وتقاليد غريبة عن المجتمع، مثل الزواج لفترة محددة، أو ارتباط الطرفين لهدف معين ثم ينفصلان في هدوء.
يكمن جزء من المشكلة في أن رجال المؤسسة الدينية اختزلوا المفاهيم الحداثية عن الزواج من منظور الحلال والحرام فقط دون النظر إلى الأبعاد والمبررات التي قادت شريحة من الشبان والفتيات، والرجال والنساء المتقدمين في السن، إلى التمرد على عادات المجتمع المرتبطة بالزواج عموما، حيث لا توجد جهة تبحث وراء خلفيات تلك العلاقات.
ويوجد استسهال واضح في تحريم أي علاقة زوجية تتناقض مع الأعراف والتقاليد، مع أن ذلك يكرس رفض الأجيال المعاصرة لكل ما يرتبط بالطقوس الموروثة عن مؤسسة الزواج، والتدقيق في مبررات هذه الأجيال يمكن أن يقود إلى فهم أن الأفكار الجديدة عن الحياة الزوجية هي رسالة تمرد على كل ما يرتبط بالتشدد في المجتمع.
وغاب عن المتشددين ضد أي علاقة زوجية غير تقليدية أن شريحة كبيرة في المجتمع من الرجال والنساء سئمت تصدير نماذج فاشلة عن الزواج، ما جعل هناك تقاليع جديدة وعلاقات دخيلة على الأسرة، تتحملها المؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية، مع أرباب الأسر، فكل هذه الأطراف تتعامل مع العلاقات الزوجية من منظور تقليدي.
وأصبح يمكن بسهولة تقييم علاقة الفتيات تحديدا بالزواج بمجرد التحدث معهن عن الارتباط الرسمي، حيث ينظرن إلى الزواج باعتباره مشروعا فاشلا، في الضغوط والمسؤوليات وارتفاع معدلات الطلاق إلى مستويات قياسية، وهي ثغرة تتسلل منها العلاقات غير التقليدية من زواج فندقي أو زواج بغرض الإنجاب فقط أو الزيجات المرتبطة بالمتعة.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن الزيجات المعاصرة، بغض النظر عن كونها مشروعة أم لا، مرتبطة بالانقسامات الحادة التي ضربت الكثير من الأسر، لغياب التفاهم بين الشريكين وعدم بحث الرجل والمرأة عن آلية لإقامة علاقة هادئة بلا ضغوط قهرية، لكن الخطر يكمن في زيادة انحراف العلاقات وتحولها إلى وسيلة للمتعة.
ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن ما رصدته مؤسسة الفتوى يعني تحوُّل البحث عن الاحتواء العاطفي خارج مؤسسة الزواج إلى ظاهرة أسرية، وهو ما يمثل خطورة على استقرار حياة الأجيال الجديدة لكونها صارت تتعامل مع الزواج بنظرة مختلفة وإذا لم يتحقق الاستمتاع منها تموت العلاقة ويتم البحث عن شريك آخر للهدف ذاته.
وقال الاستشاري الأسري والمختص النفسي محمد هاني إن “تشعب التحديات أمام الأسر أنتج أفكارا دخيلة على مؤسسة الزواج، وأصبحت هناك شريحة من الرجال والنساء تبحث عن علاقة لا تشوبها أي مسؤولية، من إنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم، مقابل الشغف بالاستمتاع المؤقت أو المستدام، وهذا يشكل خطورة على القوام الأسري”.
وأضاف لـ”العرب” أن “العديد من العلاقات الزوجية أصيبت بحالة من الفتور العاطفي، ما انتقل بالتبعية إلى شرائح مختلفة صارت ترفض تلك الضغوط وتبحث عن بديل مرن يوفر لها العاطفة دون أدنى مسؤولية، مع أن ذلك مسيء للمرأة التي من المفترض أن دورها أكبر وأعظم من توفير الراحة وقت الحاجة، ومسيء أيضا للرجل للأسباب نفسها، والعبرة في كيفية التعامل مع خلفيات الظاهرة وعلاجها بحلول عملية”.
وبعيدا عن مبررات وتفسيرات ودوافع كل طرف يظل الزواج الفندقي، وما يشبهه من علاقات دخيلة على المجتمع، من المؤشرات الدالة على عمق أزمة عنوانها اتساع دائرة الكبت والجمود والنفور والكراهية ضد مؤسسة الزواج، مقابل استسهال اللجوء إلى شريك غير رسمي، قد يتحول إلى ظاهرة مجتمعية عندما يتناغم معها الكبار والصغار معا.