الزواج العاطفي في مصر.. حب لسنوات وطلاق بعد شهور من الارتباط

75 في المئة من الزواج المؤسس على علاقة عاطفية ينتهي بالطلاق في المحاكم.
الأربعاء 2022/05/18
التدقيق في سلوكيات كل طرف ضروري لإنجاح العلاقة الزوجية

يذهب خبراء علم الاجتماع ومستشارو العلاقات الأسرية إلى أن الحب وحده ليس كافيا لاستمرار العلاقة الزوجية وبناء أسرة متكاملة، وغالبا ما ينتهي بالانفصال بعد كراهية وأمام أزمات يفشل الطرفان في علاجها سريعا، وما يزيد من تأزيم الأوضاع أن زواج العاطفة يتم عادة رغم موافقة أفراد الأسرتين، ما يجعل الشريكين في مأزق.

القاهرة – لم تفلح العلاقة العاطفية التي جمعت أسماء ومحمد لمدة أربع سنوات في أن تُبقي على علاقتهما بعد الزواج سوى عامين فقط، بعدما وصلت الحياة الزوجية بينهما إلى طريق مسدود وقرر كلاهما اللجوء إلى القضاء لمبارزة الآخر وإرهاقه ماديا ونفسيا، وصارت بينهما حالة من الكراهية والبُغض فشل كل الوسطاء في وقفها.

تتذكر أسماء وقت أن كان محمد بالنسبة إليها الشاب المثالي والزوج الذي لا يمكن أن يعوضه كل الرجال، رغم أنه بالنسبة إلى أسرتها لم يكن العريس الذي يستحقها، فهو بلا طموح ودائم السهر مع أصدقائه في المقاهي ولا يتحمل المسؤولية، وكان لا يزال يحصل على مصروفه اليومي من والده، ويرفض الاجتهاد والعمل بالقطاع الخاص.

واعترفت السيدة المصرية لـ”العرب” بأنها لم تسمع صوت العقل، وكانت أسيرة لقلبها، وبعد شهور قليلة من الزواج ظهرت مشكلات تحدثت عنها أسرتها، فالزوج لا يتحمل المسؤولية ويرفض الإنفاق على البيت ويطالبها بأن تشارك في توفير مبالغ مالية من أسرتها الميسورة ماديا لمساعدته على تدبير احتياجات المنزل.

أزمة الكثير من الذين يتزوجون عن حب أنهم يكونون مدفوعين بالعاطفة دون النظر إلى سلبيات قد تهدم العلاقة الزوجية

وزاد الضغط النفسي عليها عندما بدأ يتحدث لها بأنها باتت عبئا عليه لمجرد أنها تمارس ضغوطا كثيرة لإجباره على القبول بوظيفة جديدة، وبعد شهور قليلة من الزواج أصبح الجفاء عنوان العلاقة، ولا تطيق سماع صوته في المنزل، وتستريح عندما يذهب إلى المقهى ليجالس الأصدقاء أطول فترة ممكنة.

ورغم التضحيات التي قدمتها أسماء من أجله ليكون زوجا لها ووقوفها في وجه أسرتها، إلا أنها سوف تصبح مطلقة بعد أسابيع قليلة، حيث رفعت دعوى طلاق للضرر، فهو لا ينفق عليها ودائم الاعتداء اللفظي ويتعمد النيل من كرامتها، وذهبت للعيش مع أسرتها، وقام هو برفع دعوى لطلبها في بيت الطاعة كنوع من الإذلال لها.

وبغض النظر عن الطرف الذي يسبق الآخر ويحصل على حكم قضائي لصالحه، بالطلاق أو بيت الطاعة، تكفي هذه العلاقة للوقوف على حقيقة أن الزواج الذي يتأسس على علاقة عاطفية مشكوك في صلابته ومن السهل أن ينهار لأسباب واهية، وأمام أزمات فشل الطرفان في علاجها سريعا وغالبا ما ينتهي بالانفصال بعد كراهية.

وغالبا ما تكون طريقة إنهاء العلاقة بين الزوجين اللذين بدءا حياتهما عن حب صادمة للأسرتين، فبعيدا عن حالة أسماء ومحمد، هناك إحصائية صدرت مؤخرا عن نقابة المأذونين في مصر تعكس هذا الواقع، تقول إن 75 في المئة من الزواج الذي يتأسس بناء على علاقة عاطفية ينتهي بالطلاق في المحاكم، بعد صراعات طويلة.

ويعتقد البعض من المتخصصين في العلاقات الأسرية أن مشكلة من يتزوجون عن حب أنهم لا يُعملون عقولهم وأسرى للعاطفة، ولا يفكرون بواقعية تجاه الشريك، ويهتمون فقط باستكمال الحياة مع من اختاره القلب بعيدا عن سلوكياته وشخصيته والتدقيق في تصرفاته وتعامله مع بعض المشكلات لتطبيق ذلك مع الحياة الزوجية.

وأكدت عنان حجازي استشارية في العلاقات الزوجية بالقاهرة أن أزمة الكثير من الذين يتزوجون عن حب أن اهتمامهم ينصب على رؤية الصفات الحسنة في الشريك، ويكونون مدفوعين بالعاطفة دون النظر إلى سلبيات قد تكون سببا رئيسيا في هدم العلاقة الزوجية وكيفية التعامل مع المشكلات التي تطرأ على الحياة الأسرية بينهما.

Thumbnail

وأضافت لـ”العرب” أن هذا لا يعني أن كل الزواج المؤسس عن حب ينتهي بالانفصال، لكن العبرة في التوازن بين العقل والعاطفة، وهذا يرتبط بشخصية الطرفين ووعيهما وتمسكهما بوضع النقاط فوق الحروف من البداية حتى لا تصاب علاقتهما بانتكاسة لأن العديد من هذه الزيجات لا يتحدث فيها الشريكان عن المستقبل، وأهم شيء عندهما الزواج.

فكثير من الشباب والفتيات التي تنشأ بينهم علاقات عاطفية لا يتحدثون قبل الزواج عن التخطيط لأسرة آمنة، ويحدد كلاهما المطلوب من الآخر، خشية أن تنتهي العلاقة قبل إتمام الزيجة، ويتم ترحيل كل ذلك لما بعد توثيق العقد، وهنا تظهر المشكلات المعقدة، مع اختلاف الأولويات والأفكار والطموحات وطريقة مواجهة التحديات.

وثمة معضلة أخرى يصطدم بها العديد من أصحاب العلاقات العاطفية قبل الزواج، مرتبطة بأن فترة الارتباط تستنفد فيها التضحيات والتنازل من كل طرف بغرض الوصول إلى الهدف الأهم وهو الزواج، وتأتي هذه التنازلات في صورة رفض الانصياع لرغبات الأسرة بعدم الزواج من الشخص الآخر، لكنه يتحدى ذلك ويتمسك بموقفه كالتزام عاطفي.

عكس الزواج التقليدي المسمى بـ”زواج الصالونات” والذي يتأسس بناء على توافق بين أسرتي الشاب والفتاة، والتدقيق في سلوكيات كل طرف وإمكانية التدخل لحل الخلافات بين الشريكين، في حين أن الزواج القائم على العاطفة والحب، كثيرا ما يأتي رغما عن الأسرتين، ونادرا ما يكون بينهما توافق فكري وثقافي واجتماعي، وأحيانا يكونان سببا في إنهاء العلاقة سريعا لأنها تمت بغير رضائهما.

17