الرئيس التونسي يفتح ملف الفساد في قطاع الرياضة

قيس سعيّد يدعو إلى ضرورة وضع حدّ لشبكات السمسرة والفساد.
الاثنين 2025/01/13
المنزه، منارة رياضية تنتظر الصيانة

تونس - دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ضرورة التصدي لممارسات الفساد في القطاع الرياضي، من خلال وضع حدّ لشبكات السمسرة والفساد في القطاع، في خطوة تمهد حسب المراقبين إلى فتح ملف الفساد في المجال الرياضي. ويرى متابعون للشأن الرياضي في تونس أن قطاع الرياضة لم يكن بمعزل شأنه شأن بقية القطاعات الحيوية في البلاد عن استشراء ممارسات الفساد داخل هياكله، وسط تأكيد على أن الفساد بات يخرب القطاع.

وتصاعدت الدعوات في الأوساط الشعبية والرياضية خلال الفترة الأخيرة، المنادية بضرورة تدخل الدولة لإصلاح القطاع الذي شهد تراجعا واضحا بعد 2011، وأصبح مجالا مناسبا لاستشراء ممارسات الفساد المالي والإداري، كما شملت تلك الدعوات أيضا المطالبة بتفعيل قانون الهياكل الرياضية.  وشدد الرئيس سعيّد، مساء السبت، في لقائه بوزير الشباب والرياضة الصادق المورالي، على “ضرورة وضع حدّ لشبكات السمسرة والفساد التي نخرت هذا القطاع.”

وأكّد قيس سعيد حسب بلاغ نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة، على أنّ "تونس لديها من الكفاءات ومن الرياضيين القادرين على رفع الراية الوطنية عالية تحت كلّ سماء. والجسم السليم هو في العقل الوطني السليم، وهذا العقل المفعم بروح الوطنية هو الكفيل وحده بتحقيق كلّ الأرقام القياسية في كلّ المجالات دون إهدار للمال العام".

مكرم اللقام: الرئيس سعيد سيقف بالمرصاد للمتمعشين
مكرم اللقام: الرئيس سعيد سيقف بالمرصاد للمتمعشين

ويقول مراقبون، إن مظاهر الفساد المالي والإداري في قطاع الرياضة عديدة، أبرزها ترسانة القوانين والتشريعات المتقادمة، حيث تشكو الرياضة التونسية من تقييد سببه منظومة قانونية تم سنّها قبل 2011، ساهمت في إضعاف القطاع في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد.

ولفت هؤلاء إلى وجود عشرات الملفات التي تتضمن تجاوزات خطيرة، من بينها ملفات تتعلّق بالتلاعب بنتائج مناظرات الالتحاق بشعب الرياضة على المستوى الجامعي والتلاعب في أشغال إنجاز مدارج الملاعب وشبهات فساد في تعشيب ملاعب، بالإضافة إلى شبهات استغلال الصفة وتحقيق المنفعة لعدد من المسؤولين الرياضيين فضلا عن شبهات غسل الأموال التي تلاحق بعض المسيرين الرياضيين.

وقال الحكم الدولي السابق، مكرم اللقام، "كنّا نعرف حال الرياضة في تونس، وهناك نجاحات مسمومة ومرفوقة بالفساد، وبعد 2011 أصبح القطاع الرياضي مسيّس، لكن اليوم الرئيس قيس سعيد آمن بالرياضة والشباب وفتح الملف بدءا بالملعب الأولمبي بسوسة (شرق) وشبهات الفساد التي رافقته، مرورا بإعادة تأهيل المسبح الأولمبي بالبلفدير وصولا إلى الإذن بإعادة بناء الملعب الأولمبي بالمنزه (قرب العاصمة تونس).”

وأكد لـ”العرب”، “القوانين الرياضية خلقت على المقاس من أجل ممارسة الفساد، والمسؤولين اعتمدوا الرياضة كوسيلة للوصول إلى الكراسي، في وقت يمنع فيه الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم)، الجمع بين الوظائف السياسية والرياضية.” وتابع مكرم اللقام “الرئيس سعيد سيقف بالمرصاد للمتمعشين من الرياضة.”

ويستخدم الكثير من المسيرين الرياضة كذريعة للإفلات من العقاب والتهرب الجبائي وبات التوظيف السياسي للرياضات المختلفة أكثر وضوحا بعد 2011، كما صار الفساد الرياضي مسنودا سياسيًا. وفتحت أساليب التمويل في القطاع وخاصة كرة القدم باعتبارها اللعبة الأكثر شعبية في العالم، الباب لفساد كبير أدّى إلى تبييض أموال طائلة وعقّد من عملية مراقبتها ومتابعتها.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “ملف الرياضة يتبع المسار العام، والفساد في الرياضة كان خارج الأنظار وهو مجال للاستثمار والمعاملات المالية الهامة ومستهدف من لوبيات الفساد.” وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أنه “وجب جعل القطاع مراقبا، وهذا لا يمكن أن يتم في إطار الهواية أو شبه الهواية، وبعد 25 يوليو 2021، طرح الملف بقوة من أجل عقلنة التصرف في المجال الرياضي،” قائلا “تونس تملك ملعبا واحدا مؤهلا، وهو ملعب حمادي العقربي برادس، وهذا أمر مخجل.”

المنذر ثابت: تغيير منوال التصرف وتكريس الشفافية كمعيار مركزي
المنذر ثابت: تغيير منوال التصرف وتكريس الشفافية كمعيار مركزي

وطالب ثابت بضرورة ” تغيير منوال التصرف لمنع الفساد وتكريس الشفافية كمعيار مركزي.” ويتم تمويل الجمعيات الرياضية في تونس بموارد خاصة منها الإشهار والاتجار باللاعبين كما يمكن التبرع للجمعيات الرياضية من المؤسسات العمومية كنوع من الإشهار الاقتصادي والمؤسسات الخاصة كنوع من المساهمة المرخصة في تنشيط الرياضة والثقافة، كما اتخذت بعض الجمعيات تقاليد انتخاب هيئات التسيير، وهو ما ساهم في ظهور رجال أعمال تحوم من حول بعضهم شبهات فساد ولديهم قضايا مرفوعة لدى المحاكم.

ويعتبر ملف صيانة الملاعب الرياضية في تونس من أكبر الملفات المعقّدة وبات يمثل تحدّيا كبيرا وأولوية من الأولويات الملحّة بعد حدة انعكاساته على الأندية والشارع الرياضي، فضلا على تراجع المستوى الفني للدوري التونسي وعجزه عن تقديم صورة واضحة على واقع كرة القدم محليا.

وسبق أن أصدرت وزارة الشباب والرياضة في يونيو الماضي بيانا أشارت فيه إلى أن أشغال إعادة تهيئة الملعب الأولمبي بالمنزه ستنطلق في 10 يونيو (الماضي) وتتواصل على امتداد عامين ونصف وبتكلفة تقدر 100 مليون دينار مرصودة من ميزانية الدولة التونسية.

وستشمل الأشغال إعادة تهيئة المدرجات وتدعيم هياكلها وإصلاح التغطية القائمة وإحداث منطقة جديدة خاصة بالصحافيين فوق حجرات الملابس وإحداث منطقة لإجراء حوارات مع اللاعبين فضلا عن تهيئة حجرات الملابس وتجديد شامل للمنصة الشرفية وإحداث قاعة لكبار الشخصيات وتجديد شامل لجميع الشبكة الكهربائية والإنارة.

ويضيف الملاحظون، أن مظاهر الفساد في الرياضة تشمل أيضا الرهان الرياضي، والتحكيم وبيع المقابلات والسمسرة في اللاعبين الشبان والاتجار فيهم، والتهرب الجبائي لمسؤولي الجمعيات، والتهرب من الاقتطاعات الاجتماعية. وتعتبر بعض الجماهير الرياضية أن منسوب الشغف بكرة القدم تراجع في تونس، بعد أن كانت اللعبة تستقطب الشباب ومتنفسا لهم في كامل أنحاء البلاد، وسط دعوات البعض منها إلى إيقاف النشاط الرياضي والتركيز على إصلاح المنظومة برمتها.

4