الرئيس التونسي يبعث رسائل طمأنة إلى الجنوب خلال زيارته إلى قبلي

قيس سعيّد: مشروع قانون بصدد الإعداد لإيجاد حلّ نهائي للأراضي الاشتراكية.
الاثنين 2024/03/18
السلطة تهتم بمختلف الفئات

تحاول السلطات التونسية، التي تغيرت ملامحها بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، بعث رسائل طمأنة مفادها أنها تهتم بكل الفئات والمناطق، وهو ما جسدته زيارة قيس سعيد إلى الجنوب التونسي، حيث أكد الرئيس أن المنطقة جزء لا يتجزأ من البلاد ولا بد أن تنال حظها من التنمية.

تونس - عكست زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ولاية (محافظة) قبلي (جنوب)، التفاتة من السلطة إلى ولايات الجنوب التي شهدت تهميشا متواصلا منذ سنوات، وبعث من خلالها برسائل طمأنة إلى سكان تلك المناطق، فضلا عن تعهده بإيجاد حل نهائي للأراضي الاشتراكية.

وتنامى اهتمام السلطة خصوصا بعد إجراءات 25 يوليو 2021 بمناطق الجنوب الذي يزخر بالثروات، وكثيرا ما مثلت تلك المناطق، خزانا انتخابيا وشعبيا مهما خصوصا لخصوم الرئيس التونسي بعد 2011، حيث راهنت الأحزاب التي تمكنت من السلطة في العشرية الماضية، على إقليم الجنوب بتقديم الوعود لكسب أصوات تتعاطف معها، في المقابل، لم تحصل تلك المناطق على حصّتها من التنمية والمشاريع.

وعلى الرغم من أن بعض المراقبين، يقولون إن الرئيس سعيد يتنقل من أقصى شمال البلاد إلى جنوبها في مسعى لترسيخ فكرة أنه رئيس كل التونسيين دون تمييز أو موالاة، يذهب آخرون إلى كون الزيارة الثانية التي أداها سعيد إلى ولاية قبلي الجنوبية في أقل من ستة أشهر، تتنزل في إطار حملة انتخابية رئاسية، كان قد بدأها الرئيس منذ فترة.

وأدى قيس سعيد، السبت، زيارة غير معلنة إلى منطقة النويل من بلدية دوز بولاية قبلّي (جنوب)، أين التقى مجموعة من المواطنين واستمع إلى مشاغلهم ومقترحاتهم وإلى المصاعب التي يواجهونها خاصة بالنسبة إلى بعث المشاريع وإلى عدم استجابة الجهات المعنية إلى مطالبهم.

باسل الترجمان: هناك جدية لإنهاء حالة العزلة وتحسين التنمية في الجنوب
باسل الترجمان: هناك جدية لإنهاء حالة العزلة وتحسين التنمية في الجنوب

وجدّد الرئيس التونسي تأكيده على “ضرورة أن يتحمل كل مسؤول واجباته تجاه المواطن ويقدم له، في كنف الاحترام الكامل للقانون، الخدمات التي يطلبها”، مضيفا أن “كل المواطنين سواسية ولا مجال لتمييز مواطن على آخر”، لافتا أن “الدولة لن تتسامح مع من يتراخى في خدمة المواطنين سواء على المستوى الوطني أو على المستويين الجهوي والمحلي”.

كما تقاسم سعيد الإفطار مع عدد من المواطنين، ببئر بلقاسم من معتمدية دوز، وكانت هذه المناسبة فرصة للتأكيد على أن الصحراء التونسية فيها من الخيرات الكثير وفيها من الكفاءات الكثير ويمكن بإرادة ثابتة وبعزيمة صلبة أن تتحول عديد المناطق فيها إلى مناطق خضراء حتى تزيد تونس كلها من الشمال إلى الجنوب اخضرارا ويلقى كل مواطن في كل شبر فيها حقه كاملا غير منقوص.

وأعلن قيس سعيد، خلال لقائه بمواطنين عن مشروع قانون بصدد الإعداد من أجل إيجاد حل نهائي للأراضي الاشتراكية”، مؤكدا أن “الإشكال يتعلق بالنصوص القديمة التي تنظم الأراضي الاشتراكية والتي تعود إلى الستينات وبقاء العمل بلجان التصرف القديمة”.

وشدّد على “ضرورة تجنب مساوئ الماضي والمشاكل المسجلة في وقت من الأوقات في علاقة بالأراضي الاشتراكية وتوزيعها”، لافتا “أن مسألة العروشية (النزعة القبلية والجهوية) أصبحت من الماضي وانتهت، ولابد من القطع مع كل أشكالها نهائيا، وأن الجميع إخوة بغض النظر عن جهتهم”، مشيرا إلى أن فكرة المجلس الوطني للجهات والأقاليم تنبع من فكرة أن كل مواطن في أي نقطة من أرض تونس وفي كل جهة له الحق في التشريع على المستوى الوطني، لأن الدولة مهمتها تحقيق الاندماج”.

وأوضح في هذا الصدد، أن مطالب الجهات تصل إلى المستوى المركزي وتكون جزءا من التشريع الوطني في ما يتعلق بمسائل جوهرية ومهمة مثل مسألة الأراضي الاشتراكية، حيث تعرض هذه القضايا على المجلس الثاني وتحل المشاكل من قبل النواب الذين يكونون مسؤولين أمام المواطنين.

وتابع سعيد: “حلنا الوحيد هو الفلاحة وتعمير الصحراء وتوفير كل المرافق فيها”، مستحضرا تجربة رجيم معتوق والمحدث التي اعتبرها “إنجازا كبيرا”. وبين أهمية ديوان تنمية الجنوب في النهوض بهذا القطاع من خلال العمل على توفير الآلات الضرورية “لأن الفلاحة لا تتطور إلا بالآلات الحديثة”، وفق تعبيره.

ومازال قيس سعيد يحافظ على نفس المنهج المتوخى في زياراته غير المعلنة، في خطوة يرى متابعون أنها تجسد اهتماما من السلطة بكل المناطق وبمختلف الأوضاع التي يعيشها التونسيون. وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان أن “الرئيس سعيد يكثف من زياراته غير المعلنة في الفترة الأخيرة، وهو يتصرف بكل عفوية، وزيارته إلى قبلي هي استمرار لمنهج يسير فيه الرئيس سعيد واهتمامه بكل التفاصيل والأوضاع التي يعيشها التونسيّون”.

مراد علالة: الرئيس يتحرك في ميدان كان يشمل خصومه السياسيين
مراد علالة: الرئيس يتحرك في ميدان كان يشمل خصومه السياسيين

وأكد لـ“العرب”، “الرئيس يركز اهتمامه على المواطن عموما، والزيارة فيها رسالة لا تقتصر على الجنوب فقط، بل تشمل كل التونسيين”، لافتا أن “هناك لفتة رئاسية لمناطق عانت التهميش لسنوات عديدة، واليوم هناك جدية واضحة من السلطة لإنهاء حالة العزلة وتحسين مستويات التنمية في تلك المناطق”. وتابع الترجمان “تونس تتغير في مستوى إعادة رؤية السلطة للمناطق وإنهاء المنوال الاقتصادي الذي تأسس مع دولة الاستقلال في 1956 وتسبب في خلق تمييز كبير بين الجهات”.

في المقابل، ولئن ثمن مراقبون زيارة سعيد إلى الجنوب التونسي، وتقديمه لرسائل طمأنة لمختلف الفئات والمناطق النائية، إلا أنهم يعتبرون أنها ليست بمعزل عن نشاط الرئيس بخصوص حملته الانتخابية استعدادا للاستحقاق الانتخابي الرئاسي المزمع تنظيمه في الخريف المقبل. ويضيفون أن الرئيس سعيد تعهد بإيجاد حل نهائي للأراضي الاشتراكية، التي من شأنها أن تسهل بعث المشاريع والشركات الأهلية التي يتبانها الرئيس سعيد كآلية للتنمية والتشغيل وإشراك المواطن في النهوض بمنطقته.

وقال الكاتب والمحلل السياسي، مراد علالة، أنه “لا يمكن عزل هذه الزيارة عن التحضير للاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم، ومنذ مدة بدأ الرئيس سعيد حملته الانتخابية بتقديم الوعود وأن القادم سيكون أفضل”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الرئيس يتنقل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ويريد أن يقول أنه رئيس كل التونسيين، مع تقديم رسائل طمأنة للمواطنين”.

ولفت مراد علالة أن الرئيس أيضا يوجّه رسائل إلى خصومه السياسيين بأنه يتحرك في ميدان كان يشملهم (في إشارة إلى حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية)، والتي كانت خزانا انتخابيا لهم في وقت من الأوقات”، مشيرا إلى كونها “فرصة للنظر في قانون جديد للأراضي الاشتراكية، خصوصا للمقدمين على بعث المشاريع والشركات الأهلية”. وقدرت المساحة التي تغطيها الأراضي الاشتراكية حوالي 03 مليون هكتار، وقد سجل هذا الإحصاء بعد حصول الدولة التونسية على الاستقلال التام سنة 1956.

والأراضي الاشتراكية هي عبارة عن عقار مملوك للجماعة، التي تتصرف فيه تحت إشراف ووصاية الدولة، من خلال هيئات منتخبة وأخرى إدارية أنشئت للغرض ذاته، وفق الشروط التي حددها القانون رقم 82 لسنة 1964 المتعلق بضبط النظام الأساسي للأراضي الاشتراكية، وتشمل كافة الأراضي المشتركة التابعة للمجموعة، والتي تستغلها وتتصرف فيها بصورة جماعية أو باقتسام التصرف فيها بشكل عائلي أو فردي. وتباشر الدولة التونسية حق الإشراف على هذه الأعمال قصد حفظ الجماعة من إتلاف أملاكها وتسهيل إحياء الأرض الاشتراكية.

4