الرئيس التونسي حريص على تأمين عودة مدرسية سلسة

كشفت الخطوات الأخيرة المتعلقة بقطاع التعليم، من ضمنها الدعوة إلى تسوية ملف الأساتذة النواب (المؤقتين) ومطالبة وزارة المالية بتوفير موارد مالية إضافية للقطاع، حرصا واضحا من الرئيس التونسي قيس سعيد على تأمين عودة مدرسية سلسة وتفادي انطلاقة متعثرة للدروس بسبب تحركات النقابات على غرار السنوات السابقة.
تونس - دعا الرئيس التونسي قيس سعيد في لقاء جمعه بوزيرة المالية سهام البوغديري نمصية إلى ضرورة توفير موارد مالية إضافية لقطاع التعليم، في مسعى لتجاوز الصعوبات التي تعيق تطوير القطاع، ويعكس حسب المراقبين حرصا من السلطة على تأمين العودة المدرسية في أفضل الظروف.
وتأتي هذه الخطوة قبل أسابيع قليلة من موعد انطلاق الموسم الدراسي الجديد، في محاولة لقطع الطريق أمام نقابات التعليم التي لوّحت بتنفيذ إضرابات، كما تطرح كذلك مدى استعدادات كل الأطراف المتداخلة في العملية التربوية لإنجاح الموسم الذي تتكرر معه كل سنة نفس المشاكل بيداغوجيا ونقابيا، فضلا عن صعوبات توفير وسائل النقل للطلاّب والموظفين.
ويجمع الأكاديميون والمتخصصون في مجال التعليم على أن القطاع مازال يعاني من عدة صعوبات استفحلت بعد 2011، بسبب السياسات غير الناجعة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، حيث لم تتمكن وزارة التربية من توفير موارد مالية إضافية في وقت تخصص فيه 97 في المئة من خزينتها لرواتب المدرسين والموظفين.
ويضيفون أن واقع العديد من المؤسسات التربوية بات في حاجة ملحّة إلى الصيانة وإعادة البناء في الأرياف والمدن على حدّ السواء.
وأكد الرئيس التونسي الجمعة، خلال إشرافه على موكب الاحتفال بيوم العلم، أنه “آن الأوان لإيجاد حلول نهائية لوضعية المعلمين والأساتذة النواب وأصحاب الدكتوراه تقوم على إنصافهم وفق معايير موضوعية تحفظ حقوقهم”.
وأشار في مقطع مصوّر نشرته رئاسة الجمهورية إلى أن “هناك من درّس 3 سنوات ولم يتقاض مليما واحدا لإيمانه بنبل الرسالة”.
وتولى قيس سعيد إثر كلمته تسليم جوائز المتفوقين في قطاعات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتجديد، والجوائز الوطنية للبحث العلمي والتجديد، والجوائز الوطنية للتنشيط الثقافي بمؤسسات التعليم العالي والبحث والخدمات الجامعية، والمتفوقين في شهادات ختم الدروس حسب الوزارات، والمتفوقين بوزارة التكوين المهني والتشغيل.
وفي السياق ذاته تطرق الرئيس قيس سعيد في لقائه بوزيرة المالية مساء الخميس بقصر قرطاج إلى جملة من المواضيع من بينها توفير موارد إضافية لتلبية الحاجيات العاجلة لدعم إمكانيات قطاع التربية ولتوفير كل الظروف الملائمة لتأمين العودة المدرسية.
وليست هذه المرة الأولى التي تدعو فيها السلطات التونسية إلى ضرورة إصلاح القطاع وإيلائه المكانة التي يستحقها، ومثّل الملف محلّ اهتمام متكرر من الرئيس سعيد خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وتتطلب عمليات إصلاح هذا القطاع الحيوي شراكة واسعة بين مختلف المكونات المتداخلة في المجال، على غرار وزارة التربية والخبراء والبرلمان والنقابات، إلى جانب وضع آليات وبرامج مدروسة وواضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التربوية.
وأفادت الباحثة في علم الاجتماع إيمان بن دعدوش بأن هناك “تهاويا للبرنامج التربوي والمؤسساتي، حيث توجد أزمة على المستوى البيداغوجي؛ ذلك أن النظام التعليمي لا يستجيب اليوم لمطالب كل الفاعلين في العملية التربوية، وهناك فجوة بين العرض والطلب، من ناحية العرض الذي يقدمه البرنامج البيداغوجي والمحاور ومسألة التوجيه المدرسي، فضلا عن وجود أزمة أخلاقية بالمدرسة من ضمنها الممارسات العنيفة وانتشار الجريمة، وهذا ما يتطلب وضع إستراتيجية وطنية من الجهات المسؤولة”.
قطاع التعليم مازال يعاني من عدة صعوبات استفحلت بعد 2011، بسبب السياسات غير الناجعة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “مبادرة الرئيس قيس سعيد جيّدة، خصوصا وأن هناك أقل من 5 في المئة من الميزانية تخصص للمدارس، وبالتالي الدعم المالي للمدارس مهم جدا، كما يجب النظر في طرق توزيع هذه الموارد لصالح المدارس الأكثر احتياجا حسب المناطق”، لافتة إلى أن “هناك أحياء شعبية في العاصمة تونس تعاني من نفس مشاكل المدارس في الأرياف من حيث البنية التحتية وشحّ الإمكانيات”.
وتابعت المتخصصة في سوسيولوجيا المدرسة أنه “في السنوات العشر الأخيرة صارت مطالب النقابات فاعلا أساسيا، لكن مسألة الإضرابات أثّرت في القطاع التربوي، وهو ما يتطلب تغيير طرق التعامل بعيدا عن الإضرابات وحجب الأعداد”.
وسبق أن دعت الجامعة العامة للتعليم الثانوي (نقابة التعليم)، وزارة التربية إلى توفير كل الظروف الملائمة لتأمين عودة مدرسية في مناخ اجتماعي سليم.
وقالت الكاتبة العامة المساعدة للجامعة جودة دحمان، على هامش انعقاد الهيئة الإدارية القطاعية للجامعة الاثنين، “إن العودة المدرسية أعمق من أن تكون مباشرة الأساتذة للدروس وعودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة، بل هي استعدادات تامة من سلطة الإشراف من خلال تلافي النقص الفادح في الموارد البشرية وتأهيل المؤسسات التربوية حتى تكون لائقة، وتوفير مناخ اجتماعي سليم”.
وأكدت أنه “بات من الضروري اليوم القضاء على الأجواء المتوترة والمحتقنة خلال العودة المدرسية وذلك بحسن التصرف في التوزيع البيداغوجي والجداول للأساتذة وتلافي النقص الحاصل في الموارد البشرية والذي يقدر بـ7 آلاف أستاذ”، مشدّدة على “ضرورة أن تقوم وزارة التربية بالقضاء على كل الإشكاليات السابقة، منها غياب واضطراب توزيع المياه الصالحة للشرب بالمؤسسات التربوية واهتراء البنية التحتية”.
ليست هذه المرة الأولى التي تدعو فيها السلطات التونسية إلى ضرورة إصلاح القطاع وإيلائه المكانة التي يستحقها
وطالبت من جهة أخرى السلطة بتنفيذ اتفاق مايو 2023 الذي تنص أبرز بنوده على القطع مع التشغيل الهش وتوظيف الأساتذة النواب (المؤقتين) عبر دفعات وإحداث مدرسة عليا خاصة بالتربية وإصدار الأمر المنظم لمنحة العودة المدرسية والذي كان من المفترض صدوره في شهر يوليو الماضي، على حد قولها.
وكانت وزارة التربية قد أصدرت بلاغا في أغسطس الجاري دعت فيه الأساتذة النواب إلى استكمال تحيين معطياتهم الشخصية بهدف تسوية وضعية الأساتذة النواب المدرجين بقاعدة البيانات بالمرحلة الإعدادية والثانوية 2008 – 2024 والتي ستشمل الجميع على دفعات دون استثناء، بمن في ذلك الذين عوضوا أقل من مدة ثلاثة أشهر، في انتظار أمر ترتيبي في الغرض يوضح النسب التي ستعتمد في غضون السنوات القادمة.
وقال فريد الشويخي، المتخصص في علم النفس التربوي، إن “قطاع التعليم في حالة احتضار، ولا بد من رصد ميزانية مناسبة يصادق عليها مجلس النواب وتخصيص أموال كافية لذلك”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “في السنة الماضية هناك 150 ألف تلميذ لم يتمكنوا من العودة إلى مقاعد الدراسة، ووزارة التربية ليست منفصلة عن بقية الوزارات التي تعاني بدورها من عدة مشاكل”.
وتابع الشويخي “هناك أيضا قرابة 4 آلاف إطار تربوي يشتغلون بشكل عرضي وحان الوقت لتسوية وضعيتهم، كما أن عدة مؤسسات تربوية آيلة إلى السقوط، وهذا ما يستدعي إعادة البناء من جديد دون المواصلة في الإصلاح بحلول ترقيعية”.
ويعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة عقب اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع، كما ساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.