الرئاسة المصرية تنزع فتيل الأزمة السياسية لقانون قناة السويس

القاهرة - تحركت الرئاسة المصرية لوقف التخبط الحكومي والبرلماني في إدارة مشروع القانون المرتبط بإنشاء صندوق خاص لإدارة أصول قناة السويس بعد تصاعد الغضب الشعبي بشكل كبير، والذي استثمرته أحزاب معارضة للعودة إلى المشهد السياسي، في محاولة لاستقطاب الشارع الناقم على ما اعتبره البعض تفريطا في قناة السويس.
وقال الفريق مهاب مميش، مستشار رئيس الجمهورية للموانئ والرئيس السابق لهيئة قناة السويس، مساء الثلاثاء إن القانون الجديد الخاص بقناة السويس من المستحيل تنفيذه، مبررا ذلك بأنه “يفتح الباب لسابقة لم تحدث منذ سنوات وهي وجود أجانب في إدارة القناة، يغيرون النظام الذي يقوم عليه أهم ممر ملاحي دولي ويحقق عائدات وأرباحا قياسية”.
وفُهمت رسائل مستشار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أنها تمهيد من مؤسسة الرئاسة لرفض المصادقة على القانون الخاص بصندوق قناة السويس، أو على الأقل إعادة النظر فيه، باعتبار أن الظرف السياسي لا يسمح للحكومة بالدخول في مواجهة غير محسوبة مع قوى معارضة والشارع.
وأكد الفريق مميش في تصريحات إعلامية أن المصريين نجحوا في إدارة قناة السويس وزيادة عائداتها دون أي مستثمر أجنبي، وبالتالي لا حاجة إلى تغيير النظام القائم والمحقق لنجاحات كبرى جعلت القناة هي الهيئة البحرية الأنجح في العالم، مشيرا إلى أن “أي تغيير في النظام أو دخول مستثمرين أجانب يسببان حالة من الفزع لدى المواطنين”.
واستبعد مستشار الرئيس المصري وجود نية للتفريط في نقطة ماء واحدة أو تأجير أو بيع قناة السويس أو أيّ من أصولها، معلقا “من المستحيل أن يقبل السيسي بذلك، ولن يسمح بالتدخل الأجنبي في القناة أو التفريط فيها، فهي العمود الفقري والخط الأحمر للدولة، وستظل تعمل من الألف إلى الياء بمصريين، وبإدارة وملكية مصريتيْن”.
وجاء التحرك الرئاسي بعد تخبط برلماني وارتباك حكومي لامتصاص الغضب وإقناع المعارضة والناس بجدوى وأهداف إنشاء صندوق خاص بقناة السويس، وتم تسويق الأمر على أنه بداية للتخلي عن القناة التي تمثل لعموم المصريين أهمية خاصة، لا يمكن لأي نظام سياسي أن يقترب منها.
وضاعف تصعيد قوى المعارضة ضد الحكومة والتلميح باحتمال خصخصة قناة السويس أو بعض شركاتها الغضب الشعبي بعدما عاودت نشاطها خلال اليومين الماضيين، في محاولة لاستنفار الشارع والدعوة إلى تشكيل جبهة شعبية من المثقفين والنخب السياسية والحزبية للتصدي لما يوصف بـ”بيع القناة”.
وأعلنت الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم العديد من أحزاب المعارضة، رفضها القاطع لمشروع إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس، واعتبرته تهديدًا لسيادة مصر على مواردها الإستراتيجية، وتهديدًا لأمنها القومي، مؤكدة أن ما تقوم به الحكومة يشير إلى احتمال خصخصة جزء من قناة السويس، وهي رمز لكفاح الشعب وتضحياته.
وقالت الحركة في بيان لها “سبق وطالبت مؤسسات الدولة، والحكومة، بعدم الاندفاع في اتخاذ قرارات اقتصادية تتعلق بالأصول ذات الطابع الإستراتيجي التي تمس الأمن القومي قبل أن تستمع إلى رأي المعارضة في الحوار الوطني الذي دعت إليه، لأن من شأن هذا الأسلوب إهدار قيمة الحوار وجدواه”.
وتعتقد دوائر سياسية أن موقف أحزاب وقوى المعارضة من الصندوق الخاص بقناة السويس يحمل تهديدا غير مباشر بوجود تداعيات سلبية على الحوار الوطني.
ويشير إلى وجود نوايا للانسحاب من هذا الحوار بهدف الضغط على الحكومة لإلغاء الفكرة، وتبدو المعارضة أمام الشارع ذات نفوذ سياسي وقادرة على تغيير قرارات حكومية بما يتفق مع طموحات الناس.
ورأى طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين، المنتمي إلى الحركة المدنية، أن تراجع الحكومة والبرلمان عن تمرير قانون صندوق قناة السويس “فرض سياسي ووطني، وأن أحزاب المعارضة سوف تكون لها مواقف حاسمة وصارمة، ليس لأهداف سياسية، لكن كممثلة عن الشعب الرافض تماما لهذه الخطوة”.
وقال لـ”العرب” إن “الحركة المدنية ستجتمع اليوم الخميس، وتصدر عنها سلسلة من القرارات”، فيما لم يستبعد مناقشة قرار الانسحاب من الحوار الوطني، مبررا ذلك بأن “الحكومة تتحرك في طريق ينسف الحوار مع المعارضة بقراراتها الخاطئة وسياساتها التي لا تتفق مع الشارع ولا تؤسس لحالة من الاستقرار”.
وتسعى بعض أحزاب المعارضة إلى استغلال أزمة قناة السويس للعودة إلى المشهد السياسي عبر ملف حيوي بشكل يسهل عليها مهمة تجييش الشارع خلفها في ظل شعورها بأنها تورطت في الموافقة على الدخول في حوار مع الحكومة دون أن تحصل على ضمانات كافية بأن الحوار الوطني سيكون واقعيا ونتائجه واضحة.
ووصف حزب التحالف الشعبي الاقتراب من قناة السويس بأنه “جريمة سياسية”، واستخدم لغة كرست مخاوف كثيرين عندما اعتبر أن “خصخصة جزء من القناة يعود بالأذهان إلى ما قام به الخديوي إسماعيل ببيع حصة مصر في أسهم القناة من أجل سداد ديون الدولة”، وهي نبرة اعتبر الفريق المؤيد للحكومة أنها تحمل قدرا من الابتزاز السياسي واستخدام خطاب شعبوي لإحراج النظام المصري.
وأكد طلعت خليل لـ”العرب” أن “الاحتقان في الشارع يفرض على أحزاب المعارضة أن تقف في وجه الحكومة لتصويب مساراتها”، وتساءل “لماذا تمت الدعوة إلى حوار وطني طالما أن شيئا لم يتغير؟ ومن المؤسف أن يدافع رئيس مجلس النواب كجهة رقابية عن مشروع قانون قدمته الحكومة كجهة تنفيذية”.
أحزاب معارضة تسعى إلى استغلال أزمة قناة السويس للعودة إلى المشهد السياسي عبر ملف حيوي بشكل يسهل عليها مهمة تجييش الشارع خلفها
ووافق مجلس النواب بشكل مبدئي على مشروع قانون الحكومة لإنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس الاثنين، تمهيدا تمريره بشكل نهائي قريبا.
ولم يلق حديث رئيس مجلس النواب حنفي جبالي عن عدم وجود نية لبيع القناة أو تأجيرها، صدى إيجابيا لدى المعارضة، جراء غياب الثقة في البرلمان، وهو نفس الموقف من نفي الحكومة أن يكون الصندوق بابا خلفيا لبيع القناة.
ويرى مراقبون أن تدخل مؤسسة الرئاسة يحمل قدرا من الطمأنينة للشارع، باعتبارها الجهة الوحيدة التي لا تزال الأغلبية تثق بها وبحسن تصرفها وقدرتها على تصويب المسارات الخاطئة التي تسلكها الحكومة أو البرلمان.
ويعول الشارع على الرئيس السيسي لنزع فتيل الأزمة، لأنه صاحب فكرة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس، وكان مبرره في أثناء كلمته بالمؤتمر الاقتصادي الذي عُقد مؤخرا أن الهيئة اعتادت أن توجّه دخلها إلى الموازنة العامة للدولة، وبالتالي لا بد من وجود موازنة خاصة للقناة لتنميتها والإنفاق على احتياجاتها، وعدم صرف أيّ من أموال الصندوق قبل العودة إليه شخصيا (أي السيسي).
وبغض النظر عما ستؤول إليه الأزمة، فإنها أظهرت مدى عدم استسلام الشارع أو عدم رفعه الراية البيضاء أمام خطط الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية؛ فقد يصمت عن زيادة الضرائب والغلاء وسوء الأوضاع المعيشية، لكنه لا يسمح بالاقتراب من المؤسسات الوطنية، بالبيع أو التأجير والتصفية، لارتباطها وجدانيا وتاريخيا بالشعب، وتمثل له أحد مصادر القوة، وعلى رأسها قناة السويس كأهم ممر ملاحي دولي.