الذي حضّر عفريت الصين

انكسر السور، وتدفقت الصين في كل مكان. وها هو العجوز جو بايدن يتحول إلى بناء "يرتق" السور.
الأربعاء 2021/09/29
الصين تدفقت في كل مكان

يقول المثل الإنجليزي “انتبه مما تتمناه”. يحذرك من أن بعض الأماني قد تتحول إلى مشكلة لو تحققت. بعضها يصل إلى حد الكارثة. المثل فيه تهذيب مبكر للنفس على المستوى الشخصي، وتربية غير مباشرة على المستوى الاجتماعي. بعض الأماني تتحقق، لكن ليست كلها تقود إلى نتائج محمودة.

لو أن أحدا عاصر السياسات الغربية تجاه الصين، كان سيقدر خطورة تمنيات الغرب للتغيير فيها. الغرب كان يتمنى انفتاح الصين. هذا سوق بمئات الملايين من البشر. والغرب يبحث دائما عن الأسواق. لا يمكن وصف أن الصين كانت تحديا أيديولوجيا. الشيوعية الصينية ليست توسعية مثل الشيوعية السوفييتية. والمرات التي تحركت فيها الصين عسكريا أو تدخلت لدعم طرف أو آخر، كانت دائما لدول على حدودها وبعد إحساسها بخطر داهم.

أحدهم في الغرب شمم الصينيين رائحة الشحم. تذوقوه وانفتحت شهيتهم. تعرفوا على الدولار ومن بعده اليورو. ليس على مستوى الدولة فقط، بل على مستوى الأفراد. استكشفوا عالما من الرفاهية والسلع لم يكن مألوفا لديهم. لبعض الوقت، تدفقت سلع وأفكار سلع إلى الصين. لشعب مثابر مثلهم، كانت مسألة وقت لكي يفهموا لعبة الغرب وماذا يريد ولينسخوا ليس فقط سلعه، بل طريقته الفكرية في التوسع وصناعة الأسواق. ولم يجدوا حرجا في تطويع الأيديولوجيا الشيوعية والحديث عن النموذج الصيني الخاص. بجلسة مؤتمر عام للحزب الشيوعي، صار لدينا شيء يشبه “الاشتراكية الرأسمالية”. لا أعرف كيف، فلست صينيا ولا عندي عقد كارل ماركس.

بعض الأذكياء من رجال المال والصناعة في الغرب فهم الأمر وتعامل معه، وطوعه لصالحه. صار هاتف الآيفون يحمل “صمم في أميركا وصنع في الصين”. أيضا لا أعرف كيف، ولكن بعد كل الملايين من الآيفون وكل آلاف المليارات كقيمة أو ربح لشركة أبل، السؤال نفسه يبدو عبثيا. صمم عند الرأسماليين وصنع عند الاشتراكيين. الرأسماليون يقتسمون الأرباح مع الاشتراكيين. الكل سعيد.

الكل سعيد إلى حين. الآن تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحد صيني خطير. لفهم خطورة هذا التحدي، لا تحتاج أن تذهب بعيدا. جوهرة التاج في الاستراتيجية الأميركية منذ السبعينات هي الخليج. ها هي تتراجع فيه لصالح أن تحشد ضد الصين. لم تنتبه لخطورة تحقيق ما كانت تتمناه، وها هي أمام معضلة استراتيجية.

كان السياسي الغربي ينظر إلى الصين من خلال سورها. يريد هدم هذا السور ليدخل. اكتشف أن هذا السور كان يكف الصينيين عن بقية العالم. انكسر السور، وتدفقت الصين في كل مكان. وها هو العجوز جو بايدن يتحول إلى بناء “يرتق” السور. المثل “انتبه لما تتمناه” يحتاج إلى تعديل من مثل مصري بليغ: “اللي حضّر العفريت، يصرفه”. اصرف الصين يا بايدن.

24