الدولة التونسية تستعيد دورها الاجتماعي المفقود

الصناديق الاجتماعية تقدم لمنخرطيها قروضا لاقتناء مسكن وسيارة.
الجمعة 2024/02/02
مساع للحفاظ على التوازنات بين الفئات الاجتماعية

تنامى منسوب الوعي لدى السلطة بصعوبة الأوضاع المعيشية للتونسيين في السنوات الأخيرة، وهو ما يفرض عليها استعادة سياستها الاجتماعية المفقودة منذ عقود عبر إقرار حزمة من الخدمات الاجتماعية وفي مقدمتها تيسير الإجراءات الإدارية في تقديم قروض مع تقليص نسبة الفائدة، ما يساهم في إيجاد بدائل للمواطنين لشراء مسكن أو سيارة.

تونس - شرعت وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس في إسناد قروض للمنخرطين في الصناديق الاجتماعية (صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق التضامن الاجتماعي)، بنسبة فائدة ضعيفة، في خطوة تؤكد على عودة الدور الاجتماعي للدولة في حماية الطبقات الهشّة والمتوسطة.

ويرى مراقبون أن هذا الإجراء الاجتماعي يظهر قيمة مفهوم “الدولة الديمقراطية الاجتماعية”، التي يراهن على تكريسها الرئيس قيس سعيد بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، في إطار الحفاظ على التوازنات الاجتماعية.

 وخصصت الوزارة 3 أنواع من القروض، وتتمثل المبالغ التي سيتم إقراضها في قرض شخصي بقيمة 25 ألف دينار (8.02 ألف دولار)، كما سيتم إسناد قرض خاص باقتناء سيارة وسيكون في حدود 50 ألف دينار(16.03 ألف دولار)، إلى جانب قرض اقتناء منزل بقيمة 100 ألف دينار (32.07 ألف دولار).

نبيل الرابحي: الدولة الديمقراطية الاجتماعية بدأت تتجسد فعليا
نبيل الرابحي: الدولة الديمقراطية الاجتماعية بدأت تتجسد فعليا

ويأتي ذلك بعد سنوات عرفت فيها مختلف الفئات الاجتماعية صعوبات معيشية كبيرة، في ظل ارتفاع مستويات التضخم، وهو ما ثمّنه المواطنون لتخفيف الضغوط عنهم، بعد إجراءات بيروقراطية معقدة ومنظومة بنكية تقدم شروطا “مجحفة” وأسعار فائدة مرتفعة وصلت إلى 13 في المئة للحصول على تمويل.

وأعلن مالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية أن “الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية شرع الخميس في قبول مطالب الاقتراض من منظوريه في نطاق النظام الجديد للقروض المعلن عنه في الآونة الأخيرة”.

 وأكّد في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “مطالب الاقتراض ستودع في المراكز الجهوية للصندوق التي تقوم بتجميع المطالب وإحالتها إلى الإدارة المركزية للصندوق التي تتولى دراسة المطالب وإسناد الموافقة الأولية في أجل أسبوع واحد من تاريخ إيداع مطلب الاقتراض في المكتب الجهوي للصندوق”.

 وأكد وزير الشؤون الاجتماعية بخصوص نسبة الفائدة التي ستوظف على قروض السكن أنه “سيتم ضبطها بمقتضى أمر سيصدر خلال الأيام القادمة وذلك نظرا لخصوصية هذا الصنف من القروض الذي يستخلص على مدة طويلة”،  لافتا إلى أن “المنخرط بإمكانه اختيار مدة سداد قرض السكن التي ستتراوح بين 10 و20 عاما”.

ويشترط بموجب الإجراءات الجديدة أن يكون للمنتفع من القرض الشخصي أقدمية سنتين عوض عن شرط الأقدمية بـ3 سنوات، ولا تتجاوز نسبة الفائدة القارة على القرض الشخصي 8.25 في المئة، وهي نسبة “تحفيزية”.

مراد علالة: هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من نسق الاستهلاك
مراد علالة: هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من نسق الاستهلاك

بدوره، أفاد الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، توفيق كاترو أن “الوزارة قررت الترفيع في مبلغ القرض المخصص لاقتناء سيارة من 10 إلى 50 ألف دينار (من 3.21 إلى 16.03 ألف دولار)، بشرط اقتناء السيارة من وكيل معتمد أو ألا يتجاوز عمر البطاقة الرمادية لسيارة قديمة سنتين”، مشيرا إلى أن “مدة سداد قرض شراء السيارة لا تتجاوز 5 سنوات بنسبة فائدة مقبولة قدرت بـ10 في المئة”.

وأعلن كاترو أنه “سيتم اتخاذ جملة من الإجراءات قبل الترفيع في حجم القروض المخصصة للسكن”، مضيفا أن “صندوق التقاعد سيسند قروضا في مرحلة أولية بنفس القيمة السابقة أي في حدود 15 ألف دينار بنسبة فائدة حدّدت بـ6.75 في المئة قبل الزيادة في حجم هذه الاعتمادات لتصل إلى 100 ألف دينار على أجل سداد يمتد لـ20 سنة”.

وتشمل الإجراءات والشروط الخاصة بإسناد القروض للمضمونين الاجتماعيين في مرحلة أولى في فبراير الجاري منخرطي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، الذين يبلغ عددهم 400 ألف متقاعد و700 ألف ناشط، على أن تسحب لاحقا على منخرطي صندوق الضمان الاجتماعي.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “الرئيس سعيد من دعاة الدولة الديمقراطية الاجتماعية، وإسناد القروض في صلب هذا التوجه، خصوصا وأن البنوك الخاصة أصبحت تقدم شروطا مجحفة ونسب فائدة عالية بعد 2011 وتسعى لتحقيق الربح”.

وأضاف لـ”العرب” أن “وزارة الشؤون الاجتماعية تعمل على إعادة البريق للطبقة المتوسطة وتشجيع الاستهلاك الذي يؤدي إلى خلق فرص عمل، لأن التنمية الاقتصادية مرتبطة أساسا بالتشجيع على الاستهلاك”.

بموجب الإجراءات الجديدة يشترط أن يكون للمنتفع من القرض الشخصي أقدمية سنتين عوض عن شرط ثلاث سنوات

وأردف الرابحي “تونس بعد الاستقلال كانت دولة اجتماعية، لكن الخور ظهر بعد 2011 والأزمة مركبة منذ السبعينات إلى الآن”، لافتا إلى أن “الدولة الديمقراطية الاجتماعية بدأت تتجسد فعليا وليس مجرد شعارات”.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن هذه المبادرة من شأنها أن تعيد الأمل من جديد للشباب وتحفزهم على التخطيط لمستقبلهم وتعزز ثقتهم في الدولة، بعد أن كادوا يفقدون الثقة في السلطة بسبب غلاء الأسعار في البلاد والذي طال المواد الغذائية الأساسية وقطاعات العقارات والسيارات وغيرها من الأدوات التي يمكن أن تساهم في الدفع بالشباب بعيدا عن العزوف عن تكوين أسر.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أنه “يوجد وعي من السلطة بأن عموم الناس في حاجة إلى الأموال في ظل الوضع المعيشي الصعب وتلكّؤ البنوك في إسناد القروض بضمانات كثيرة”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “هذه الخطوة من شأنها أن تمكن المواطنين من استرجاع نسق الاستهلاك، لأنه في السنوات الماضية فرطنا في الكثير من مكاسب الدولة الوطنية وتلك الآليات كانت تساعد المواطن على الارتقاء بمستوى عيشه”.

وأشار علالة إلى أن “هذا الإجراء من شأنه أن ينعش الحركة الاقتصادية والتجارية والدورة الحيوية اليومية للطبقات الاجتماعية”.

حسين الديماسي: الصناديق في حالة مالية صعبة، فكيف لها أن تسند قروضا
حسين الديماسي: الصناديق في حالة مالية صعبة، فكيف لها أن تسند قروضا

في المقابل، يرى خبراء في الاقتصاد والمالية أنه من الصعب تنفيذ هذه الخطة الاجتماعية بتقديم قروض في وقت تعاني فيه الصناديق الاجتماعية من صعوبات مالية منذ سنوات.

وتساءل وزير المالية السابق حسين الديماسي “الصناديق في حالة مالية صعبة وشبه إفلاس، فكيف لها أن تسند قروضا؟”.

وأضاف لـ”العرب” أن “هذه المؤسسات كانت تلعب هذا الدور في السابق، لكن الوضعية الآن تغيرت وهي تعاني من عجز”.

وعانت الصناديق الاجتماعية في تونس لعدة عقود من أزمات مالية أثرت في أداء صندوق التأمين على المرض وإجراءات استرجاع مصاريف العلاج.

لكن السلطات لجأت إلى زيادة سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة بالنسبة إلى منخرطي صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية (موظفو الوزارات) في انتظار تعميم القرار على أعضاء صندوق الضمان الاجتماعي (الشركات الحكومية والقطاع الخاص).

4