الدولار يتحدى المركزي المصري ومفاوضات الأموال الساخنة

القاهرة – واصل سعر صرف الدولار صعوده الحاد في السوق الموازية في مصر، ليعود لتسجيل مستويات قياسية فوق حاجز 11 جنيها لليوم الثالث على التوالي بعد استقراره لفترة وجيزة عقب وصول سلسلة من القروض والمساعدات.
وأوضح متعاملون في صرف العملات في السوق السوداء لـ”العرب” أن سعر الدولار ارتفع إلى نحو بلغت 11.05 جنيها للشراء ونحو 11.15 جنيها للبيع.
وفي المقابل استقرت أسعار الصرف في السوق الرسمية، عند 8.83 جنيهات للشراء و8.88 جنيهات للبيع، لكن البنوك لا تستطيع تلبية احتياجات المستوردين من الدولار، بسبب زيادة الطلب واستمرار النقص في المعروض.
وتلقت القاهرة مؤخرا سلسلة واسعة من المساعدات من الدول الخليجية وقروضًا من الصين والبنك الأفريقي للتنمية، لكن المحللين قالوا إن غياب الانسجام بين السياسات المالية والنقدية يعرقل إيجاد حل للأزمة.
وأشار محللون إلى أن مناورات ضبط الدولار كشفت عن مشكلة أكبر من محاولات كبح جماح السيطرة على أسعاره، حيث أكدت أن الحل الوحيد تعزيز قدرات الاقتصاد وزيادة الإنتاج والبحث عن أسواق تصديرية جديدة للمنتجات المصرية، وأن سياسات ما يوصف بـ“الترقيع” لن تكون مجدية.
وقال طارق عامر محافظ البنك المركزي أمس إنه يستهدف خفض سعر صرف الدولار بالسوق إلى مستويات 4 جنيهات للدولار، ووصفت تلك التصريحات من قبل بعض الخبراء على أنها “عنترية لا تمت للواقع بصلة”.
|
وتقوم القاهرة كل يوم ثلاثاء بطرح عطاء أسبوعي من خلال بيع 120 مليون دولار للبنوك بهدف توفير احتياجات المستوردين.
لكن الممارسات العملية أثبتت فشل تلك العطاءات في السيطرة على سعر الدولار، الذي عاد للارتفاع رغم تراجعه مؤخرا أمام معظم العملات العالمية.
وذهب بعض الخبراء إلى القول إن جميع الحلول للسيطرة على الأسعار من شأنها استنزاف الاحتياطي النقدي والموارد الدولارية، طالما أن المشكلة الاقتصادية لا تزال قائمة. ويصل متوسط قيمة الواردات المصرية شهريا إلى نحو 5 مليارات دولار، بينما يبلغ المعدل الشهري للصادرات نحو 1.4 مليار دولار.
وقال حازم الببلاوي رئيس الوزراء الأسبق في تصريحات خاصة لـ“العرب” إن حل مشكل العملة يتطلب حزمة من الإجراءات الاقتصادية المتكاملة. وأضاف الببلاوي، الذي يشغل حاليا وظيفة المدير التنفيذي لمجموعة الدول العربية في صندوق النقد الدولي، إنه يجب أن تتحرك الحكومة على عدة محاور، تستهدف زيادة الموارد الدولارية دفعة واحدة، وليس حل المشكلة من زاوية واحدة فقط.
وكان رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس قد أكد لـ”العرب” في وقت سابق، أن تحرير سوق العملة هو الحل الأمثل لمشكلة ارتفاع سعر صرف الدولار. ووصف الحلول والإجراءات الحالية للبنك المركزي بأنها عبارة عن مسكّنات لن تفلح في حل المشكلة.
ويزيد سعر صرف الدولار في السوق الموازية حاليا بأكثر من 25 بالمئة عن السوق الرسمية، ما يشجع المضاربة على سعره، في ظل ارتفاع فاتورة الواردات وزيادة حجم السوق غير الرسمية.
وقال عمر مهنا رئيس مجلس الأعمال المصري الأميركي لـ “العرب” إن البنك المركزي لن يستطيع العمل بمفرده للسيطرة على انفلات سعر صرف الدولار. وأكد أن تفاقم الأزمة ناتج عن تراجع إيرادات السياحة والصادرات معا. وأشار إلى أن محافظ البنك المركزي عقد عدة اجتماعات في نيويورك مؤخرًا مع عدد من صناديق التحوط لضخ أموالٍ ساخنة في البورصة المصرية.
|
وأوضح أنه تم منح تلك الصناديق ضمانات بتثبيت سعر صرف الدولار في وقت دخوله للسوق المصرية عند نفس المستويات حال رغبة هذه الصناديق في الخروج من السوق، بمعنى الحفاظ على قيمة العملة.
وأضاف أنه لم يتم الإعلان عن نتيجة تلك المفاوضات، إلا أنها تعد أحد الحلول السريعة لكنها ليست الحل الأمثل. ودعا مهنا إلى ضرورة حل كافة المعوقات التي تواجه الاستثمار، لجذب أموال أجنبية تعزز من الثقة في الاقتصاد وتضخ عملة حرة في شرايينه.
وتستهدف القاهرة جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 15 مليار دولار بحلول عام 2018. وأكد محمد ماهر الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار “برايم” في تصريحات لـ”العرب” أن أزمة الدولار في مصر سببها عدم الثقة بالدرجة الأولى.
وقدر عدد المصريين في الخارج بنحو 10 ملايين مواطن، وأن قيام كل فرد بتحويل 5 آلاف دولار فقط سنويا، يعني وصول 50 مليار دولار إلى البلاد. لكن تحويلاتهم في العام الماضي بلغت نحو 19.33 مليار دولار فقط.
وقال وائل الفار عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة لـ”العرب” إن الغرفة تسعى لخفض الاستيراد، لكن التجار متعاقدون على صفقات كثيرة، قدموا فيها دفعات مقدما في أوقات سابقة، وإذا لم يدفعوا المتبقي فإنهم سيخسرون التعاقدات.
وشدد على أن الحل يكمن في وجود مجموعة وزارية اقتصادية تستطيع إدارة السياستين النقدية والمالية في البلاد.