الدستور الجديد لتونس يؤسس لدولة مدنية خالية من أي مسحة دينية

دستور الجمهورية الجديدة يقطع الطريق على الإسلاميين.
السبت 2022/06/11
لا خوف على الدين

اعتبر محللون وسياسيون تونسيون أن التوجه نحو إلغاء أي إشارة للمرجعية الإسلامية في الدستور الذي يجري العمل على صياغته خطوة في الاتجاه الصحيح، فتونس دولة مدنية، ولا يجوز أن يتضمن دستورها أي شكل من أشكال التمييز.

تونس - أثارت تصريحات الرئيس المنسق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد، بشأن عدم ذكر مرجعية الإسلام في مشروع صياغة الدستور الجديد، جدلا واسعا في الأوساط السياسية التونسية.

وطرح التوجه الجديد طبيعة الهياكل التي ستتكفل بالإشراف على ممارسة "الطقوس الدينية"، وفيما كانت الدولة ستترك رعاية الدين للجمعيات الإسلامية، أم للمتبرعين الخارجيين كما هو الشأن في فرنسا.

وقال رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة" في تونس العميد بلعيد إنه "سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكرا للإسلام دينا للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة".

سلسبيل القليبي: الدولة هي الوحيدة القادرة على مسؤولية ضمان حرية المعتقد

وأضاف بلعيد، في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية، أنّ "ثمانين في المئة من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية، وهذا ما سنفعله تحديدا، وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول"، مشددا، في رده على سؤال هل يعني ذلك أنّ الدستور الجديد لن يتضمن ذكرا للإسلام؟ بالقول "لن يكون هناك".

وأردف بلعيد "إذا تم توظيف الدين من أجل التطرف السياسي فسنمنع ذلك"، لافتا "لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة، أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا".

وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامّة لدستور العام 2014 أن "تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها".

ويرى خبراء القانون الدستوري أنه لا يوجد تعارض بين فكرة الفصل بين الدين والسياسة، مع ضرورة ضمان الدولة لحرية المعتقد والضمير، فضلا عن مراقبتها للممارسات الدينية حتى لا تنحرف نحو التطرف وبث الفتنة باسم الدين.

وأفادت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي أن "فصل الدين عن السياسة الآن هي مجرّد فكرة تم طرحها في الفضاء العام من قبل بلعيد، والمنشود هو فصل الدين عن السياسة، وتحديدا فصل الدين عن القانون (الوضعي)، وهي فكرة لا تتعارض مع فكرة أن الدولة يمكن أن يكون لها دور في إدارة الشأن الديني في إطار حماية حرية المعتقد والضمير، ومسؤولية ضمان ممارسة الشعائر الدينية".

وأضافت في تصريحات لـ"العرب"، "من الضروري أن تكون للدولة آليات لذلك، حتى لا تتحول العملية إلى منابر من دعاة الفتنة والقتل والإرهاب وتوظيف الدين، حيث أن الدولة هي الوحيدة القادرة على مسؤولية ضمان حرية المعتقد".

وتابعت القليبي "الدولة لا دين لها، وهي مؤسسة لضمان الحقوق والحريات، ويمكن إعادة الفصل السادس من الدستور ويصبح الدولة ضامنة لحرية المعتقد والضمير"، قائلة "من 1959 إلى حدّ الآن، لا يوجد نصّ قانوني أو دستوري يقول إن تونس دولة إسلامية، بل دينها الإسلام".

محمد ذويب: الدولة مطالبة بتحييد المساجد ودور العبادة عن العمل السياسي

وثمّن مراقبون الخطوة الجديدة في صياغة الدستور المنتظر، لكونها ستجنب البلاد نقاشات عقيمة وصراعات هوية كتلك التي رافقت دستور العام 2014، وهو ما سيقطع الطريق أمام تجار الدين لاستغلال الثغرات الدينية في علاقة بالسلطة، مع توصيات بضرورة تنظيم الدولة للحياة الدينية.

وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب "صحيح أن الدولة ذات معنوية ولا دين ولا لغة لها وصحيح أنه ليس من الضروري التنصيص في الفصل الأول من الدستور على دين الدولة أو لغتها طالما أن التونسيين منهم مسلمون ومسيحيون ويهود ولا دينيون، ولكن عدم تضمن الإسلام كدين للدولة في الدستور سيستغله تجار الدين المتربصون بالرئيس لإعادة تقسيم المجتمع وإطلاق النار على الرئيس والدستور الجديد بغاية مزيد تشويهه وحتى اتهامه بالكفر وإعادتنا إلى صراع الهوية الذي تجاوزناه منذ 2014".

وأضاف في تصريح لـ"العرب"، "لتجنب كل هذا اللغط الذي لا طائل منه على رئيس الجمهورية تفادي هذه النقطة لترك الصراع في تونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقطع الطريق على تجار الدين الذين يريدون إعادة تقسيم المجتمع التونسي الذي لايزال جزء كبير منه تستهويه هذه الصراعات الهووية التي تجد رواجا كبيرا في البلاد".

وأكد ذويب أنه "على الدولة أن تنظم الحياة الدينية كما بقية مجالات الحياة وعليها لكي لا يتم توظيف الدين واختراق المجتمع وضمان تماسك النسيج المجتمعي".

ورأت شخصيات سياسية أن الدولة ستبقى راعية للدين حتى في ظل الفصل بين الدين والسياسة، واصفة الخطوة بـ"الإيجابية"، لأنها ستقطع مع كل أشكال التمييز.

وأكّد ناجي جلول رئيس حزب الائتلاف التونسي  أن "عدم التنصيص على ديانة الدولة يعتبر خطوة إيجابية، لكن خوفي الكبير أن يكون هناك تدخل أجنبي في صياغة الدستور وفقا لخلفيات دينية وسياسية".

ناجي جلول: الخطوة ستقطع الطريق أمام كل مظاهر التمييز

وقال في تصريحات لـ"العرب"، "لا دين للدولة، ولكنها تظلّ راعية للدين بقطع النظر إن كانت لائكية أو علمانية، ومن الضروري أن يتم إلغاء النصوص التمييزية في الدستور".

ولفت جلوّل إلى أن "هذه الخطوة ستقطع الطريق أمام كل مظاهر التمييز، وستكرّس احترام مبدأ المواطنة وتصبح الدولة مدنية". وفي سبتمبر الماضي علّق الرئيس سعيّد العمل بأجزاء كبيرة من دستور 2014، وكلّف الشهر الماضي لجنة بإعداد تعديلات في مشروع مسودة على أن ينظر فيها الرئيس.

وانتقد سعيّد في وقت سابق البند الأول من دستور 2014، الذي ينصّ على أنّ "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها" بسبب التنصيص على أنّ الإسلام دين الدولة التونسية، مهاجما بشدة كل من يستشهد بهذا الفصل.

وقال سعيّد، في تصريحات سابقة على صفحة الرئاسة، إنّ "الإسلام هو دين الأمة وليس دين الدولة، ونحن لا نصلي أو نصوم بناء على الفصل الأول من الدستور، وإنما بأمر من الله"، مضيفا أنّ "الدولة ذاتٌ معنوية مثل الشركات، فما معنى أن يكون لها دين"، مشيرا إلى أنّ "العلاقة مع الله وليست مع من يدعي أنه الجهة الوحيدة المخولة لعبادة الله".

4