الدروس الخصوصية في تونس: هل هي نتاج لضعف المستوى الدراسي؟

زادت الدروس الخصوصية في منسوب الضغط على ميزانيات الأسر التونسية دون فائدة تذكر. ذلك أن النتائج المحققة غير مرضية بالمقارنة مع النفقات المرصودة، وفق ما أشار إليه خبراء التربية وعدد من أولياء أمور الطلاب. وأدى نقص عنصر الكفاءة لدى المدرسين وعدم بذلهم الجهد المطلوب في الفصل الدراسي إلى ضعف المستوى المعرفي لدى الطلاب، ما دفع العائلات إلى الالتجاء إلى الدروس الخصوصية بغاية تحسين مستوى أبنائها.
تونس - طرحت إلزامية تعامل الأسر مع الدروس الخصوصية لتفادي نقائص أبنائهم التلاميذ، تساؤلات في الأوساط التربوية بالبلاد، حول ما إذا كانت نتاجا لضعف المستوى الدراسي للتلاميذ، أم آلية توظّف لتحقيق غايات تجارية بالأساس، فضلا عن تحديد الأطراف المستفيدة منها ومدى تحقيقها لنتائج تعليمية منتظرة.
وتحولت مسألة الدروس الخصوصية خلال السنوات القليلة الماضية إلى مصدر قلق متزايد للعائلات التونسية، وكذلك للسلطات الرسمية التي تسعى إلى تنظيم هذه المسألة.
وفي الوقت الذي تشدّد فيه وزارة التربية على منع إجراء دروس خصوصية خارج الفضاء التربوي، يعمد الكثير من الأساتذة والمعلمين، وحتى من يملكون شهائد جامعية في تخصصات أخرى، إلى ممارسة هذا النشاط في البيوت والفضاءات الخاصة.
وتقر وزارة التربية التونسية بأن هذه المسألة أصبحت ظاهرة ساهمت في تعميق الفوارق بين التلاميذ، وسط ضغط متزايد على ميزانيات الأسر المخصصة لتعليم أبنائها.
وأفاد عبدالله المناعي، مندوب تربية سابق، بأن “الدروس الخصوصية ينظمها المرجع القانوني والبيداغوجي، وتبقى دائما خاضعة للقانون حتى لا تتعرض لحسابات مادية بين التلميذ والأستاذ”.
وقال لـ”العرب”، “لو تؤدي المدرسة العمومية واجباتها، يمكن تحقيق نتائج أفضل، والطرق البيداغوجية المتبعة في التدريس كارثية، ونحن في حاجة إلى تكوين قاعدي للمعلمين والأساتذة، ولم تعد هناك قيمة للمعلومات أمام طرق التدريس البيداغوجية، فأصبحت الدروس الخصوصية ضرورية، وما يقدمه المدرس لا يفي بالحاجة”.
وتابع المناعي “الكثير من الأساتذة وجدوا الدروس الخصوصية فرصة لتحقيق الربح المادي، والولي يريد ملء أوقات فراغ ابنه خوفا من ممارسة سلوكات أخرى”.
وتعتبر تونس واحدة من الدول النامية التي أصبح فيها مستوى التعليم الذي تقدمه مؤسسات القطاع العام مقلقا للغاية، حيث كشف استطلاع للرأي في العام 2021، أعده معهد الشرق الأوسط (مؤسسة مقرها واشنطن مخصصة لدراسة الشرق الأوسط) أن 77 في المئة من الذين تم استطلاع رأيهم في تونس غير راضين عن التعليم في بلادهم.
ويتراوح متوسط الرسوم الدراسية الخاصة لكل مادة من 100 دينار (حوالي 30.7 دولارا) إلى 200 دينار شهريا (61.4 دولارا)، ويشكل ذلك عبئا ثقيلا على العائلات التي لديها العديد من الأطفال.
وصدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ الخامس من أبريل 2019 أمر حكومي يتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية.
وطبقا للأمر الجديد الذي جاء في فصل وحيد متمم لأحكام الأمر الحكومي عدد 1619 لسنة 2015 المؤرخ في الثلاثين من أكتوبر 2015، يتولى المتفقدون الإداريون والماليون بوزارة التربية بناء على أذون، مهام التفقد وإجراء عمليات المراقبة الميدانية وتحرير التقارير المتعلقة بمخالفة أحكام الفصل 7 من الأمر الحكومي عدد 1619 لسنة 2015 المؤرخ في الثلاثين من أكتوبر 2015 من قبل المدرسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العمومية التابعة لوزارة التربية.
ويمنع الفصل 7 من الأمر الحكومي القديم، منعا باتا على المدرسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العمومية التابعة لوزارة التربية تعاطي نشاط القيام بدروس خصوصية خارج فضاء المؤسسات التربوية العمومية.
وقال سليم قاسم، رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم، “هي ظاهرة لا يكاد يخلو منها نظام تعليمي في العالم، ولكن ترتبط في تونس بتحقيق غايتين، حيث توجد دروس خصوصية من أجل التميّز وتحسين نتائج التلاميذ في علاقة بالتخصّص، وهناك غاية علاجية بالبحث عن طرق تحسين نتائج التلميذ حتى نضمن له الارتقاء من سنة إلى أخرى”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب”، على “وجود أساتذة مبدعين ولديهم الخبرة والكفاءة، ويقدمون دروسا خصوصية في ظل رهان منظومة وطنية لرعاية الموهوبين، لكن هناك ضعفا في أداء التلميذ بسبب اختلال منظومة التوجيه، وغياب هيكلة التعليم العمومي خلفت تلاميذ يعانون من تأخر معرفي، وهو ما يستدعي اللجوء إلى الدروس الخصوصية”.
وأشار قاسم إلى “وجود تجاوزات من بعض الأساتذة، وهو ما يفرض على وزارة التربية التدخل والتصدي لتلك الممارسات التي تسيء للتعليم”.
وبات التلميذ الحلقة الأضعف في هذه العملية، بين وليّ يحرص على تعليم يضمن لطفله المستقبل الأمثل، وأستاذ يريد تحسين دخله للمحافظة على مكانته في الطبقة الوسطى، ووزارة لم تعتمد حلّا جذريّا يقطع مع هذه الظاهرة نهائيا.
وفي المقابل، يلجأ البعض من المعلمين والأساتذة إلى تقديم دروس خصوصية مدفوعة الأجر بعد المدرسة، وذلك بسبب رواتبهم المنخفضة نسبيا، مما يشجع أيضا البعض منهم على عدم بذل الجهد المطلوب في الفصل الدراسي في المدرسة العمومية.
وزارة التربية التونسية تقر بأن هذه مسألة الدروس الخصوصية أصبحت ظاهرة ساهمت في تعميق الفوارق بين التلاميذ، وسط ضغط متزايد على ميزانيات الأسر
وأفادت باسمة المنوبي، أستاذة تفكير إسلامي بولاية (محافظة) قابس (جنوب)، بأن “اعتماد نسبة 25 في المئة في معدل الباكالوريا، ساهم في إضعاف مستوى التعليم في تونس، فضلا عن وجود هشاشة في مستوى التقييم، ونقص عنصر الكفاءة، وأصبح همّ العائلات تدريس أبنائها، فوجدت الدروس الخصوصية”، قائلة “العنصر التجاري موجود، وهناك سوق سوداء يتم فيها الترفيع في أسعار الدروس المقدمة”.
وأضافت لـ”العرب”، “هناك أساتذة غير قادرين على إيصال المعلومات للتلاميذ وغير متمكّنين من الطرق البيداغوجية، فضلا عن وجود هجرة جماعية من المدارس العمومية نحو المدارس الخاصة”.
وأشارت باسمة المنوبي إلى أنها “تنفق 400 دينار (127.59 دولارا) شهريا على طفليها لتلقي دروس خصوصية تتعلق بمواد علمية وأخرى أدبية”، معتبرة أن “النتائج المحققة غير مرضية بالمقارنة مع النفقات المرصودة”.
وبحسب أستاذة التفكير الإسلامي، فإن “غياب الدروس الخصوصية يعني بالضرورة نتائج سيئة”، لافتة إلى أن “العملية التربوية ضربت في جوهرها، وهذا ما يستدعي تدخلا عاجلا من وزارة التربية لخوض غمار الإصلاح برؤية وإستراتيجيا واضحتين، علاوة على إعادة مكانة المدرسة العمومية وتحسين الظروف المادية والاقتصادية للمدرسين”.
ويثار الجدل في الكثير من الأحيان حول الدروس الخصوصية بين وزارة التربية ونقابات التعليم الأساسي والثانوي، حيث قال وزير التربية السابق فتحي السلاوتي، في وقت سابق إنّ “الدروس الخصوصية زادت في تعميق الفوارق بين التلاميذ، وهي معاناة كبيرة للعائلات التي يقترض بعضها من البنوك ومن الأقارب أو يضطر إلى بيع ممتلكاته ليسدّد نفقات هذه الدروس”.
وأضاف في تصريح إعلامي “كأنّ الدروس الخصوصية أصبحت غير مكمّلة، بل رئيسية، وهناك للأسف بعض المدرّسين الذين يجبرون التلاميذ على ذلك، ولهذا فالوزارة اعتمدت عقوبة الحرمان من الراتب لثلاثة أشهر، وذاهبة نحو المزيد من تشديد العقوبات”.
وردا على موقف الوزارة، اعتبر كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي تصريح وزير التربية مهينا ولا يليق به، قائلا “هناك قضايا يجب التعاطي معها بالكثير من الحنكة والحكمة، فالدروس الخصوصية ظاهرة نخرت التعليم لفساد التعليم وبالتالي لا يمكن أن تنتهي إلا بإصلاح التعليم”.