الدراما السورية لا تزال أفضل من الدراما التركية

تكثيف الإنتاج والتقليل من الدبلجة يعيدان المسلسلات السورية إلى الريادة.
الجمعة 2024/07/19
السوريون المساهمون الأوائل في تضرر الدراما في بلدهم

لا تزال الدراما السورية تئن وتتوجع في محاولة استعادة ألقها، فهي رغم عودتها بقوة منذ الموسمين الرمضانيين الماضيين إلا أنها عادت لتواجه إنتاجا تركيّا كبيرا، تمكن من جذب الجمهور العربي وصرف انتباهه عن أعمال سورية وعربية أيضا، كما غير اهتماماته وذوقه، فهل تكون العودة إلى الصدارة ممكنة في ظل التحديات التي تواجهها؟

مهما قيل عن الحضور اللافت الذي شهدته الدراما السورية في الموسم الرمضاني الفائت والذي عده الكثيرون مؤشرا إيجابيا على دخول الدراما السورية في ما يسمى طور التعافي والخروج من الأزمة، فإن هذا لا يعني أنها استعادت أمجادها وألقها الفنيين، فهناك عوائق مازالت تقف في طريق العودة وربما تهدد بقاءها واستمرارها وتحديدا الدراما التركية المنافسة، تلك الدراما التي صنعت بأياد سورية وتشهد رواجا كبيرا في العالم العربي على حساب الدراما السورية.

هنا تبدو المفارقة الغريبة، ففي حين تبدو الدراما السورية تعاني فإن السوريون أنفسهم المسؤولون عن هذه الحالة من المعاناة من خلال إدخالهم الدراما التركية إلى المنطقة العربية عبر دبلجتها بلهجتهم وكأن الصراع سوري – سوري.

هذا الأمر يجعلنا ملزمين بإعادة النظر في هذه الدراما الوافدة الدخيلة وإعطاء الصورة الحقيقة للدراما السورية. إننا عندما ندافع عن الدراما السورية فإنما ندافع عن هويتنا ووجودنا وقيمنا في حين أن الدراما التركية حالة طارئة فيها ما يمس بنا وبقيمنا وبعاداتنا وتقاليدنا التي ترفض الكثير مما تراه في هذه المسلسلات من علاقات غير شرعية تؤدي إلى أبناء غير شرعيين ومن رومانسيات تتعدى مفهوم الحب النقي إلى الدخول في دائرة الإباحية.

فكيف لنا أن نبيح لأنفسنا وأهلنا الجلوس أمام شاشات التلفزيون ومشاهدة الأحضان والعناق والقبلات تدور أمام أولادنا دون اقتطاع أو وضع تحذير أو إشارة تحدد عمر المشاهد.

وكان المسلسل التركي الشهير “طائر الرفراف” قد أثار جدلًا كبيرًا بين الجمهور خاصة بعد المقاطع الرومانسية التي جمعت بين البطلين فريد وسيران، والتي وصفها الجمهور بأنها جريئة جدًا واعتبر إظهار تفاصيل العلاقة بين فريد وسيران غير ضرورية خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي عايشتها تركيا إبان الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير الماضي، في حين تبقى الدراما السورية بشكل عام خالية من هذه المشاهد، وتستطيع خلال مشاهدتها أن تجلس مع أولادك أو يجلسون دونك بأريحية تامة وأنت مطمئن على ألا يتعرضوا لرؤية مثل هذه المشاهد التي تعتبر في أعرافنا من العيوب التي لا يجوز إظهارها أو البوح بها.

كما تعتبر المسلسلات السورية أكثر إقناعا لاسيما فيما يتعلق بالمسلسلات التاريخية، فعلى الرغم من ضخامة إنتاج المسلسلات التاريخية التركية تظل المسلسلات التاريخية السورية أعلى كعبا في هذا المجال، خذ مثلا مسلسل “صلاح الدين” الذي يعتبر قاسما مشتركا بين العرب والأتراك، إلا أن نسخته السورية كانت تحفة فنية لاقت رواجا وسط المشاهدين العرب الذين لم يجدوا في سواها منافسا يستحق المشاهدة لأنهم رأوا في صلاح الدين بنسخته السورية بطلا عربيا بصفات الفارس العربي، رأوا فيه صورة قريبة منهم تشبههم.

◙ مسلسل "صلاح الدين" يعتبر قاسما مشتركا بين العرب والأتراك، إلا أن نسخته السورية كانت تحفة فنية لاقت رواجا
◙ مسلسل "صلاح الدين" يعتبر قاسما مشتركا بين العرب والأتراك، إلا أن نسخته السورية كانت تحفة فنية لاقت رواجا

وصلاح الدين الأيوبي رغم انتمائه إلى أصل غير عربي إلا أنه ظل في نظر العرب عربيا حارسا للعروبة ومدافعا عنها في وجه الدخلاء، فما إن يذكر إسم صلاح الدين حتى تعود بنا الذاكرة إلى الفنان السوري جمال سليمان الذي أدى دوره بحرفية تامة، لقد رسم هذا الفنان بسمرته صلاح الدين في المخيلة العربية التي لم تعد تقبل بغيره بطلا، لقد مثل صلاح الدين قيم العروبة التي نفتخر بها ونعايشها وهذا هو سبب الإقبال على مشاهدته إلى اليوم وترك ما سواه من أعمال تحاول مجاراته أو تحقيق السبق عليه.

حتى في النسخة العالمية من فيلم “مملكة السماء” جعلوا الفنان السوري غسان مسعود يؤدي دور صلاح الدين، وهذا ما يدل على أن العالم لم ير في صلاح الدين إلا نموذجا عن العرب بقيمهم وأخلاقهم، في حين بدت شخصية صلاح الدين بنسخته التركية باهتة لم تجد صدى لدى الجمهور العربي.

كما يرى كثيرون أن الدراما السورية تتفوق على الدراما التركية لكونها دراما مختزلة ذات تكثيف عال من الأحداث والإثارة، إذ تجري أحداثها بسرعة بعيدا عن الملل الذي يصاحب المسلسل التركي بأحداثه البطيئة التي قد تمتد لمئات الحلقات، فليس مهما كم شاهدت من العمل إذ يكفي أن تعود بعد شهر وأنت على يقين من قدرتك على إكمال العمل التركي على عكس العمل السوري الذي هو محكوم بسلسلة من الأحداث المتسارعة التي لا ينبغي عليك التفريط في أي جزء منها وإلا ضعت في دوامة من التكهنات والاستنتاجات اللامنطقية.

هنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ما الذي يجده المشاهد في المسلسلات التركية ولا يجده في نظيرتها السورية؟

هناك من يرى أن المسلسلات التركية أفضل بكثير من المسلسلات السورية من حيث جودة التمثيل، وهنا أقول لمن يتبنى هذا القول “من فمك أدينك”، أليست الدبلجة بلهجة سورية، وفي هذا دليل على تفوق السوريين وتمكنهم من الأداء التمثيلي البارع، فلم يعد متقبلا لدى متابعي المسلسلات المدبلجة متابعتها بلهجات أخرى إلا اللهجة السورية. حاولت جهات إنتاجية الدبلجة بلهجات أخرى إلا أنها منيت بفشل ذريع.

كما اعتمدت منصة نتفليكس اللهجة السورية بشكل رسمي كلهجة أساسية للدبلجة العربية في مسلسلاتها الأصلية، في أكتوبر 2021، بل إن مسلسل "لعبة حب" العربي بأداء ممثلين سوريين لهو خير دليل على ما قلناه سابقا، ولنفترض أنك تشاهده لأول مرة ولنفترض عدم معرفتك بأي واحد من الممثلين، فأنت حتما ستعتقد أنه مسلسل تركي ممثلوه أتراك بلهجة سورية، بل لو أخذت رأي الجمهور العربي في النسختين العربية والتركية للعمل ذاته، فغالبا سوف تلقى ترحيبا وإشادة بالعمل السوري وبكفاءة ممثليه.

◙ السوريون يتحملون مسؤولية معاناة الدراما السورية لأنهم أدخلوا الدراما التركية إلى المنطقة العربية عبر دبلجتها

وهناك من يرى أن شغف جمهورنا العربي بالدراما التركية ربما يعود إلى تركيزها على الرومانسية التي تلامس القلوب من خلال ثنائياتها التي طغت على عشاق العرب؛ عنترة وعبلة وقيس وليلى وحتى تيمور وشفيقة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، المسلسل التركي الشهير “نور ومهند” في رأي الكثيرين استطاع أن ينمي لدى الرجال تمسكهم بزوجاتهم وإشباعهم عاطفيا، بل إن هناك من يدعي أن مجتمعاتنا تعيش حالة من الفراغ العاطفي، فمن شدة تعطش المرأة إلى مشاعر الحب والرومانسية في حياتها أصبحت تقتنع فقط بمشاهدتها والإحساس بها عبر هذه المسلسلات فتعيش في الخيال والأحلام مخدرة لعلها تشبع ولو جزءا بسيطا من رغبتها تلك.

ولكن هذا الأمر له في حد ذاته ما ينسفه من أساسه ألا وهو كثرة المسلسلات السورية التي اعتنت بهذا الجانب الرومانسي أي العشق والهوى، فإن بحثت فسوف تجد الكثير من المسلسلات السورية بنكهة رومانسية مثل “قناديل العشاق” و”خاتون 2” و”حكم الهوى” و”لست جارية”، والقائمة تطول ولسنا هنا بصدد ذكر الأفلام العربية أيضا وما تمثله من غنى في هذا المجال.

وهنا لا بد من القول إن مردّ هذا الإقبال الجماهيري على المسلسلات التركية هو شركات الإنتاج العربية التي أحسنت الترويج لهذه المسلسلات من خلال قنوات عملاقة في مقدمتها شبكة قنوات "أم بي سي"، وهذا ما منحها حضورا قويا ودائما على حساب الكثير من الأعمال السورية التي لم تعد تلقى من يشد على يدها ويساهم في رواجها.فالمنتج للعمل التركي المدبلج يرى فيه منتجا رابحا غير مكلف في حين أن المسلسل السوري يتطلب منه نجوما كبارا ومبالغ ضخمة لنجوم العمل، كما أن عقبة التسويق هي في نظره وحدها قد تشكل سببا في عدم الرغبة في خوض هذه المغامرة وسط الكم الهائل من الأعمال العربية المميزة التي تشكل منافسا قويا للعمل السوري.

وهنا تبدو الفرصة مواتية لضرورة تكثيف الأعمال الدرامية السورية من خلال تكاتف عربي لعودة سوريا إلى الساحة العربية وعودة شركات الإنتاج إليها من جديد، لتغدو المنافسة عادلة. كما يتوجب علينا وضع معايير صارمة وتفعيل جهات رقابية على اختيار المسلسلات التركية، وقبل كل هذا علينا أولا أن نراجع أسلوب حياتنا في هذا المجتمع ونغير نظرتنا للمرأة ونولي رغباتها أهمية.

15