الدراسات العليا.. حظوظ أوفر للحصول على العريس

أحكام اجتماعية تجرّد حاملات الشهادات العليا من التفوق للارتقاء بالذات.
الجمعة 2019/05/03
بانتظار العريس علينا بالدكتوراه

تربط في المجتمعات العربية التقليدية كل الخطى الإيجابية في حياة الفتاة بسعيها للفوز بعريس. فإن قامت بعملية تجميل فلأنها تريد أن تنال إعجاب الرجال، وإن نجحت في تعليمها وسعت للحصول على شهادات الماجستير أو الدكتوراه يزعم بعض المحيطين بها بأن هدفها هو الحصول على مركز اجتماعي رفيع لكي يرغب العزّاب في خطبتها والزواج منها.. جميعها مزاعم ترجّح أن الفتاة العربية لا تقوم بأي إنجاز في حياتها لنفسها بل لجذب الرجال، وهي أفكار منتشرة بشكل لافت في المجتمعات العربية.

لم تعد الفتيات في المجتمعات العربية اليوم يكتفين بالدراسة الجامعية والبحث عن عمل مناسب بل إن الكثيرات منهن يقبلن على الدراسات العليا للحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه. ويرى البعض أن ذلك يرجع إلى تأخر سن زواج الفتاة أو محاولة لنيل مركز مرموق، لكي يرى فيها الرجل الزوجة المطلوبة.

وتقول عايدة فهمي، طالبة جامعية تعد رسالة ماجستير في تجارة الأعمال، “لا أفهم سرّ التعجب أو الهجوم على إقبال الفتيات على مواصلة دراساتهن العليا، واللائي يفترض أن يكن من المتميزات في مسارهن التعليمي ما يجعل تصنيفهن في خانة الباحثات سواء عن العريس مهما كان الثمن”.

وتلاحظ فهمي أن الإقبال على الدراسات العليا لا يخص الفتيات فقط بل هو توجه يقدم عليه الشبان أيضا، وتؤكد أن هذا يدل على أنه بقطع النظر عن الجنس فإن الشباب اليوم يطمحون إلى المزيد من الارتقاء بمستوياتهم التعليمية في محاولة لضمان العمل.

وتضيف فهمي “أدرك أن مواصلة دراستي العليا ستمنحني فرصا أكبر في سوق العمل، وهذا هو حلم حياتي، أو ربما عند التقدم لوظيفة عادية تصبح لدي الأولوية عن أولئك الحاصلين على الشهادة الجامعية الأولى”.

ومن جانبها تفيد إيمان، الطالبة في مجال الحقوق، بأنه “منذ التحاقي بالجامعة كانت لدي رغبة في مواصلة دراستي العليا، لأن مواصلة البحث والدراسة تضيف لقدرات الإنسان وثقافته، كما أنها على صعيد البحث عن عريس ترفع أسهم أي فتاة، ولا أنكر أن هناك فتيات يفكرن في إكمال مسيرتهن الدراسية على أنها وسيلة تبرر لهن الخروج من البيت لكي يفزن بالعريس”.

وتفسر سميرة حمدي، حاصلة على دكتوراه في اللغة الإنكليزية، ذلك قائلة “الرجال الذين يرون نجاحنا خطيئة أو يريدون التهوين مما نحرزه من تقدم في الحصول على أعلى الدرجات العلمية عليهم السعي مثلنا للارتقاء بمستوياتهم التعليمية مثلنا وكذلك تفكيرهم”. وتشير حمدي “أرفض أن أصنف كالفتاة الدمية التي يحركها الرجل كيفما شاء وما دامت العنوسة تطارد شباب اليوم فلمَ لا يتم التركيز على التعلم وتحقيق الطموحات”.

ويرى أستاذ علم الاجتماع هشام حسين، أن التطور الطبيعي للمجتمعات فرض على الناس البحث عن كل ما يسهم في ارتقائهم على جميع الأصعدة، وبلا شك يمثل التعليم هدفا اجتماعيا ملحا فرضته ضرورات هذا التطور والدليل على ذلك أن معظم ميزانية الأسر العربية يخصص أغلبها لتحقيق هذا الهدف بتعليم أبنائها سواء كانوا ذكورا أم إناثا.

ومن الناحية الاجتماعية يفكر الكثير من الناس بأن مجرد التحاق الفتاة العربية بالجامعة لم يعد استثناء اجتماعيا يجعلها محط أنظار من حولها، إذا ما تمت مقارنة ذلك بمواصلتها لدراستها العليا، المجال الذي كان حتى وقت قريب يسيطر على مكوناته الرجل العربي، وبالتالي أصبحت الفتاة تجد في مواصلتها هذا المشوار الصعب أحيانا رفعا لأسهمها وأرصدتها الاجتماعية سواء لدى الجنس الآخر أو لدى أسرتها والمحيطين بها وهو أيضا دليل إضافي على نجاحها وتفوقها.

أمهات يحفزن بناتهن للحصول على شهادات التعليم العالي للتباهي ولزيادة أسهمهن في بورصة الزواج
أمهات يحفزن بناتهن للحصول على شهادات التعليم العالي للتباهي ولزيادة أسهمهن في بورصة الزواج

وتؤكد نتائج بحوث اجتماعية أن حصول الفتاة على درجة علمية أعلى يمثل سببا مهما في جعلها في صدارة جذب اهتمام الشباب الباحث عن الزوجة ذات المواصفات العالية.

وتروي مديحة كمال، ماجستير اقتصاد منزلي، “عقب تخرجي من الجامعة أصبت بإحباط شديد عقب فسخ خطوبتي، وقلت لنفسي بأنني سأحظى بعريس آخر مناسب أختاره بعقلي. وفكرت في مواصلة دراستي العليا تجنبا للإحباط والبقاء مكتوفة اليدين بانتظار العريس، وكانت بالفعل فكرة صائبة وكانت ردا قويا على الوضع النفسي الذي عشته وأيضا على نظرة المجتمع وانتقادات المحيطين، وهو ما كشف لي أهمية المواصلة التعليم العالي”.

ولا تتفق ماجدة صبري (زوجة شابة) مع الآراء السابقة وتعتبر أن غالبية الأمهات يحفزن بناتهن على الحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه أولا من باب التباهي بنجاحهن وأساسا من أجل زيادة أسهمهن في بورصة الفوز بعريس، ومن يقول غير ذلك فهو يكذب على نفسه في نظرها.

ويفسر أستاذ علم النفس طارق علي ظاهرة إقبال الفتيات على مواصلة دراستهن العليا بأن أي إنسان يسعى في لتحديد هدف يحاول السعي إلى تحقيقه بالإضافة إلى وضع أهداف بديلة في حال عدم تحقيق أهدافه الأصلية، وهو ما يتفق مع تشخيص عالم النفس الشهير ماسلو في تصنيفه للأهداف والحاجات الإنسانية من منظور نفسي محدد ومن بينها الحاجة لتحقيق ذاته بالإضافة إلى بعض الحاجات الاجتماعية كتكوين أسرة وإنجاب أبناء.

والرغبة في تحقيق الذات عبر التعليم والفوز بوظيفة جيدة ومرموقة اجتماعيا لا تعد برهانا على أن الفتاة تفعل ذلك من أجل الزواج، بل إن هذه الأهداف تؤكد نفسيتها السوية وسعيها إلى التمتع بحقوقها في التعلم والعمل وبناء حياة مستقلة ومسيرة مهنية محترمة.

ويؤكد طارق علي أنه ليس منطقيا أن يحكم المجتمع على هذا النوع الناجح من النساء بأنهن يستهدفن من وراء الحصول على الدكتوراه مثلا إثارة رغبة الرجال في الزواج بهن، فالمرأة العصرية تحلم وتطمح إلى تحقيق النجاح والمجد خارج إطار الزواج والبيت والأسرة، ولا يرجع ذلك ضرورة إلى ظاهرة العنوسة.

كما أن التحاق الفتاة بالدراسات العليا حق لها ويضمن لها، على الأقل من الناحية النفسية تحقيق حاجات ذاتية منها تحقيق الذات سواء بتحسين مستواها العلمي والوظيفي أو قضاء وقت فراغها، وثانيا جعلها محط أنظار الشباب الباحثين عن زوجات تتوافر فيهن صفات راقية أهمها التعليم والمستوى الاجتماعي.

21