الدائرة تضيق على الغنوشي داخل البرلمان التونسي

تونس - كشف نواب في البرلمان التونسي عن تقدم كبير بشأن تجميع التوقيعات على العريضة الجديدة لسحب الثقة من راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب، في وقت لا يستبعد محللون التفاف النهضة مجددا على بعض النواب الموقعين.
وأكّد رضا الزغمي النائب عن الكتلة الديمقراطية الاثنين، أنّ كل أعضاء الكتلة وقّعوا على العريضة، مشيرا إلى أنّه تمّ تجميع إلى حدّ الآن 103 توقيعات.
وأضاف الزغمي "فضّل النواب المؤيدون لعريضة سحب الثقة أن يكون تجميع التوقيعات من كلّ كتلة برلمانية على حدة، بهدف أن يكون أولا التزاما أخلاقيا من كلّ كتلة تجاه العريضة، وبهدف التحقّق من التوصل إلى العدد المطلوب لسحب الثقة وهو الأغلبية المطلقة أي موافقة 109 نوّاب قبل إيداعها بمكتب الضبط".
ولفت إلى أنّه طرح اقتراحا للاتفاق بين الكتل البرلمانية على اختيار البديل في رئاسة المجلس، مستدركا بالتشديد على أنّه لم يحصل إجماع حول شخصية بعينها، وعلى أنّه تمّ الاتفاق على إرجاء هذا الأمر إلى ما بعد سحب الثقة.
ويشترط القانون الداخلي للبرلمان التونسي وجود 73 توقيعا لعقد جلسة عامة برلمانية تنظر في عملية سحب الثقة من الغنوشي، الذي يواجه اتهامات بالتخابر مع جهات أجنبية وتوظيف البرلمان لخدمة مصالح حزبية ضيقة.
وقال المحلل السياسي منذر ثابت "أعتقد أنه من الصعب كسب الرهان، خاصة وأن البديل عن الغنوشي لم يتفق عليه، وهذه نقطة قوة النهضة".
وأضاف ثابت في تصريح لـ"العرب" أن "الانسحابات في آخر لحظة واردة"، مستبعدا نجاح عملية سحب الثقة من الغنوشي.
ويشاطره الرأي المحلل السياسي عبدالرحمان الجبنوني قائلا في تصريح لـ"العرب"، "إن عملية سحب الثقة هي عملية سياسية وبالتالي تخضع للحساب السياسي"، مشيرا إلى أن "إمكانية أن تلتف النهضة على جزء من المئة والثلاثة الموقعين لعريضة سحب الثقة واردة".
ويرى البعض أن كتلة حزب قلب تونس (26 مقعدا) قد تشكل عنصر ترجيح ما بين سحب الثقة أو تجديدها، في حال الاتفاق على أن يكون منصب رئيس مجلس النواب لصالحه، لكن ثابت اعتبر مواقف الحزب "لا تزال مساندة للغنوشي، على أساس الحفاظ على استقرار الجبهة الحكومية، في مواجهة الرئيس والداعمين له في البرلمان".
واستبعد الجبنوني أيضا أن يكون لقلب تونس دور في تغيير المعادلة قائلا "من غير المتوقع أن تغير كتلة قلب تونس موقفها، خصوصا في ظل موقف الرئيس قيس سعيد من الحزب".
وأعلن كل من الحزب الدستوري الحر (16 مقعدا) والكتلة الديمقراطية (38 مقعدا)، وحزب تحيا تونس (10 مقاعد) وكتلة الإصلاح (16 مقعدا) مع عدد من النواب المستقلين، نيتهم سحب الثقة من الغنوشي.
وأكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي الأحد، أن هذا الأسبوع سيكون حاسما في مسألة عريضة سحب الثقة من الغنوشي، مشيرة إلى أن التوقيعات شارفت على مئة إمضاء وربما تجاوزتها.
وقالت موسي في اجتماع شعبي في مدينة سوسة (شرق) بحضور المئات من أنصار حزبها، إن هناك ترددا في الكشف عن قائمة الموقعين على العريضة، داعية النواب المستقلين إلى الدفع نحو إجراءات سحب الثقة، حتى يتم إضعاف الغنوشي وحركته وإبعاده من المشهد السياسي.
واعتبرت سامية عبو النائب عن التيار الديمقراطي في تصريح لإذاعة "موازييك أف.أم" المحلية، أن وجود الغنوشي على رأس البرلمان "يمثل خطرا على مجلس نواب الشعب"، متهمة إياه "بخدمة أجندات مشبوهة".
وأضافت أن "الغنوشي ارتكب من الأخطاء والتجاوزات ما يحتم عملية إزاحته وفق التقاليد السلمية"، كما اتهمته "بحماية الخطاب التكفيري صلب المجلس، والتستر على العنف الذي تمارسه كتلة ائتلاف الكرامة (إحدى أذرع حركة النهضة)".
وكان الغنوشي قد أفلت من محاولة أولى لسحب الثقة منه في أواخر شهر يوليو المنقضي، حيث صادق 97 نائبا فقط على إزاحته من 109 أصوات مطلوبة.
وبدأ مسار سحب الثقة الجديد من الغنوشي بمبادرة عملية من الحزب الدستوري الحر، الذي أعلنت رئيسته منذ 26 يناير أي يوم عرض التحوير الحكومي على الثقة أمام البرلمان عن لائحة لسحب الثقة من راشد الغنوشي، ودعت بقية الكتل إلى التوقيع عليها.
ولم تعد مسألة إزاحة راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان سياسية في المطلق، رغم أنها كذلك بالنسبة إلى بعض النواب المعارضين للإسلام السياسي الذي يمثله زعيم حركة النهضة، ولكنها مسألة إدارية وتقنية وحياتية في علاقة بالسير العادي لنشاط المؤسسة التشريعية، التي تحولت جلساتها العامة إلى ميدان للاحتقان والعنف، علاوة على تعثر عمل مكتب المجلس وتسليم كتل ونواب غير منتمين باستحالة العمل معه وتحت قيادته.
وقد اعترف قياديون من حركة النهضة ممن هجروا الحركة في الفترة الأخيرة بهذه الحقيقة، على غرار لطفي زيتون وعبدالفتاح مورو الذي أكد أن راشد الغنوشي غير قادر على ضمان الحوار، وإدارة التوازنات والتوافقات داخل المجلس بين الجميع دون حسابات ضيقة.
ودعا مورو في حوار أجراه مع صحيفة "العرب" الغنوشي إلى اعتزال السياسة، مشددا على فشل النظام السياسي الذي "لم يفرز غير الأزمات".