الخطاب المزدوج للنهضة: مناورة في البيانات وتهدئة في التصريحات

حركة النهضة تعتمد أسلوب اللعب على المفاهيم بين التصعيد من جهة والتهدئة مع الخصوم من جهة أخرى في مسعى إلى إعادة التموقع في المشهد وتوزيع الأوراق.
الثلاثاء 2021/09/14
حيل سياسية لتخطي العقبات

تونس- تواصل حركة النهضة، واجهة الإسلاميين في تونس، مناوراتها السياسية المعبرة عن رفضها لإجراءات الرئيس قيس سعيّد التي اتخذها في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، فبينما تتّبع الحركة سياسة الرفض والتصعيد في بياناتها، تعتمد القيادات أسلوب التهدئة في تصريحاتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وعبّر رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمّد راشد الغنوشي عن أمله في أن يعيد رئيس الجمهورية  قيس سعيّد النظر في الإجراءات الاستثنائية، وذلك احتراما لمقتضيات الدستور الذي أكّد الرئيس التزامه به.

وأشار الغنوشي في تصريح صحافي إلى أنّ “قنوات الاتصال مع سعيّد مقطوعة رغم محاولات عديدة ومتواصلة في هذا الاتجاه”، معتبرا أنّ “الحوار يبقى السبيل الوحيد للتوصّل إلى تسويات توافقية”.

وانتقد الغنوشي عددا من الإجراءات التي اتخذها قيس سعيّد في إطار مكافحة الفساد على غرار “تحجير السفر وفرض الإقامة الجبرية على عدد من النواب والمسؤولين السابقين”، مشيرا إلى أنّ “تلك الإجراءات تمثّل انتهاكا للحريات والحقوق التي يؤكد عليها الدستور وكل المواثيق الدولية”، معتبرا أن “أفضل السبل للتعاطي مع موضوع الفساد هو أن يُعهد به إلى القضاء التونسي بعيدا عن المؤثرات والموجهات السياسية وفي إطار الفصل بين السلط”.

المنذر ثابت: النهضة تخاتل وتنتهج منهجا تجريبيا في سياسة المواقف

وبخصوص إمكانية تعليق الرئيس سعيّد العمل بالدستور قال الغنوشي ”لا نعتقد أن رئيس الجمهورية سيلغي دستورًا بلغ به تلك المكانة وأقسم على احترامه، ونأمل ألاّ تتدحرج الأمور نحو التصعيد، عموما، نحن نعوّل كثيرا على ميل التونسي إلى الحلول الوسطى والمعتدلة، فمن الخصائص الأساسية للشخصية التونسية أنها تجنح إلى الوسطية وتكبح الانزلاق كلّما شارفت الأمور على الانهيار”.

ويرى مراقبون أن الحركة تعتمد أسلوب المخاتلة واللعب على المفاهيم بين التصعيد من جهة والتهدئة مع الخصوم من جهة أخرى، في مسعى إلى إعادة التموقع في المشهد وإعادة توزيع الأوراق.

 وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “النهضة تخاتل، وتنتهج منهجا تجريبيا في سياسة المواقف خطوة بخطوة، ووفق المعطيات الخارجية والداخلية العامة”، وأضاف “كل ما يطرأ على الرئيس سعيّد من ضغوطات تقرأه النهضة”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “أحداث الخامس والعشرين من يوليو لم تكن مستهدفة للنهضة خصوصا، والغنوشي يريد إعادة التموقع في المشهد، وأمله في ذلك الضغط الخارجي”.

وتابع ثابت “تصريحات الغنوشي من أجل إنقاذ موقفه داخل الحركة والساحة السياسية، وعملية النقد والتقييم كلفت الرجل مسؤولية في علاقة بما آلت إليه الأوضاع، ومن المؤكّد أننا سنجد الغنوشي مهادنا هذه الأيام داخليا وخارجيا”.

وتعتبر شخصيات سياسة أن ازدواجية الخطاب هو الأسلوب الذي تتصف به كل الحركات السياسية الإسلامية، والنهضة الآن تعتمد هذا الأسلوب معوّلة على مساعدات خارجية لتدارك الخسائر الأخيرة.

وقال عمار عمروسية السياسي والقيادي في حزب العمال التونسي إن “النهضة رفضت إجراءات الرئيس في البداية واعتبرتها انقلابا، ثم عدّلت موقفها واعتبرتها تصحيح مسار بشروط”.

وأفاد في تصريح لـ”العرب” أنه من الطبيعي جدا أنها تشترك مع سعيّد في الحكم، والصراع كان محتدما بين الطرفين، وهي تناور وتعوّل كثيرا على الموقفين الدولي والإقليمي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه”.

وأضاف عمروسية “النهضة وكل الحركات الإخوانية منذ التأسيس تمتلك ازدواجية الخطاب، ولكن الحركة تراجعت سياسيا منذ سنة 2014، كما هو الشأن الآن لباقي الحركات الإسلامية في المنطقة العربية”. واستطرد “انتهى دور الإسلام السياسي وهناك ترتيبات سياسية جديدة”.

وانقلبت النهضة على اعترافها وإقرارها بقرارات الرئيس قيس سعيّد وسط تجاذبات داخلية كبيرة بين أجنحتها، ونشرت في صفحتها الرسمية على فيسبوك تدوينة اعتبرت فيها أن قرارات الرئيس جزء من الإصلاح، وأنه يمكن أن تكون مرحلة من مراحل الانتقال الديمقراطي قبل أن يتم حذف التدوينة.

عمار عمروسية: النهضة وكل الحركات الإخوانية تمتلك خطابا مزدوجا

ونقل القيادي البارز في الحركة محمد سامي الطريقي في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك عن الغنوشي قوله، إنه “علينا أن نحوّل إجراءات الخامس والعشرين من يوليو إلى فرصة للإصلاح ويجب أن تكون مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي”، قبل أن يتراجع بدوره.

ولا تُخفي الحركة رغبتها في حدوث نوع من الضغط الخارجي الذي يوقف الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو والتي تنص على تجميد أعمال البرلمان واختصاصاته وإقالة حكومة هشام المشيشي ورفع الحصانة عن نواب البرلمان. وساهمت الإجراءات في تحجيم نفوذ الحركة.

واعترفت قيادات بارزة في الحركة بفشل الحزب في إدارة شؤون البلاد التونسية على امتداد عشر سنوات في السلطة، حيث ارتكبت الحركة الإسلامية جملة من الأخطاء نفّرت التونسيين في المشهد السياسي، وعمّقت هوة الاختلاف بين الشعب والمنظومة التي كانت تقودها.

وأقر النائب المجمد عن الحركة نورالدين البحري بأن “حركة النهضة أخطأت في إدارة شؤون البلاد بعد ثورة يناير 2011”.

 وأضاف في تدوينة له على تويتر أنه “يتفهم موقف كل من يرى أن حجم مسؤولية الحركة عمّا حصل طوال عشرة أعوام لا يقاس بحجم حضورها في الحكومة، حتى وإن كانت داعمة للضرورة لحكومات لا سلطان لها عليها بل يقاس بحجم ثقة التونسيين فيها وبحجم أملهم في أن تقود البلاد لتحقيق أهداف ثورتهم على أنقاض نظام تابع ومستبد وفاسد”.

ويعتبر المراقبون أن النهضة لا تزال تتأرجح بين الإسلامية والمدنية وهذا ما يضعف مكانتها في المشهد. وسبق أن اعتبر زبير الشهودي المدير السابق لمكتب رئيس الحزب راشد الغنوشي أن النهضة طبّعت مع النظام وميكانيزمات الدولة وأصبحت غير قادرة على إيجاد الحلول المتعلقة أساساً بالبعدين الاجتماعي والاقتصادي.

وعلى الرغم من أن الحركة حاولت منذ 2011 تقديم نفسها على أنها تمارس أداء سياسيا مترفعا عن المصالح الحزبية، فإنها لم تنجح في اقتراح حلول للوضع الاقتصادي ولسياسات الحكومة التي خيبت آمال التونسيين.

4