الحكومة تمهد للتخلص من "ماسبيرو" مراهنة على الإعلام المصري الخاص

بدأت بوادر التخلي عن الإعلام الحكومي في مصر مع عزوف المواطنين عن مشاهدة وسائل الإعلام المحلية بوجه عام، فيما ينصب التركيز على الإعلام الخاص ودعم القنوات التي تملكها الشركة المتحدة التابعة لجهات حكومية.
القاهرة – كشف تركيز الحكومة المصرية اهتمامها بالإعلام الخاص الذي تديره الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لجهات رسمية عن نيتها إنهاء حقبة إعلام الدولة القديم تزامناً مع توجهها نحو تقليص عدد قنوات البث الفضائي الموجهة في المحافظات (الأقاليم) المصرية والاكتفاء بالبث الأرضي.
ووافقت لجنة المقترحات بمجلس النواب الأحد على طلب تقدمت به النائبة شيماء حلاوة بشأن إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المعروف بـ”ماسبيرو” وعددها 6 قنوات، والاكتفاء بالبث الأرضي لتوفير النفقات في ظل انخفاض معدلات مشاهدتها.
وأمام حالة الغضب التي أثارها البرلمان داخل الإعلام الحكومي أوضحت لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب الاثنين أنها ما زالت تناقش مقترحات تخص سياسة تشغيل القنوات للحصول على إنتاجية أفضل، واعتبرت أن “ذلك ليس له علاقة بحقوق العاملين فيها، والتي تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه”.
وحاولت اللجنة تهدئة ثورة العاملين بالمبنى بالتأكيد على أنها سوف تستمع إلى مقترحات التطوير، بما يشير إلى أن هناك إصرارا حكوميا بعدم استمرار الأوضاع كما هي عليه الآن، وضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة يفقد فيها التلفزيون الحكومي جزءاً جديداً من دعائم استمراره.
ويشير انتقال بث القنوات من الفضائي إلى الأرضي إلى أنها لم تعد متاحة سوى لجمهور محدود للغاية لا يكاد يكون موجوداً أصلا ما يحكم على هذه القنوات بالإغلاق لأنها سوف تنتهي إلى القول بأنها تخاطب نفسها وليس أمامها الحافز لإنتاج محتويات جيدة، في حين أن مبلغ مليون و400 ألف دولار الذي توفره القنوات لا يكفي لسداد رواتب العاملين في شهر واحد.
واعتبرت دوائر إعلامية توجه البرلمان خطوة جديدة نحو تخلي الحكومة عن إعلامها الرسمي، وإشارة مباشرة على أن دفة اهتماماتها باتت منصبة على القنوات التي تملكها الشركة المتحدة، وأنها غير راغبة في تخصيص ميزانيات منفصلة للقطاعين مع عزوف المواطنين عن مشاهدة وسائل الإعلام المحلية بوجه عام.
وجاء احتفال الإذاعة المصرية بذكرى تأسيسها نهاية مايو الماضي دون الزخم المصاحب له في كل عام، حيث مرت المناسبة في ذكراها الـسابعة والثمانين مصحوبة برثاء الإعلام الحكومي من قبل بعض الإذاعيين القدامى الذين تعاملوا مع المناسبة باعتبارها ذكرى تأبين وليس احتفاء، واكتفى المجلس الأعلى للإعلام بإصدار بيان مقتضب عدد فيه نجاحات الإذاعة في الماضي.
وتزامن قرار البرلمان مع بدء أعمال هدم كراج “ماسبيرو” الملاصق للمبنى التاريخي ويخدم حوالي 29 ألف موظفا بالمبنى ضمن خطط تطوير شاملة تشهدها المنطقة، في رسالة فهمها أبناء التلفزيون الحكومي على أنها مقدمة للاستغناء عنهم وتشي باتجاه حقيقي نحو غلق عدد من القنوات التي يعملون بها.
وقال وكيل الهيئة الوطنية للإعلام سابقاً جمال الشاعر إن هدم كراج خاص بإحدى البنايات يعني أن هناك “قرار إزالة أو إخلاء بحق المبنى، ما يؤثر على سير العمل في مبنى مكون من 26 طابقاً ويحتوي على ذاكرة الدولة السمعية والبصرية، ويؤكد على أن الحكومة ماضية في توجهها نحو تقليص أدوار ‘ماسبيرو’ وفقاً لخطة محكمة”.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن الإزالة والموافقة على مقترحات إلغاء البث الفضائي للقنوات الإقليمية تسببتا في حالة من الغليان داخل الإعلام الحكومي، لأن إضعافه ليس مبرراً وإن لم يحقق مكاسب فهو لا يمثل عبئا على الحكومة مقارنة بالميزانيات المصروفة على القنوات الخاصة، والإنتاج البرامجي تكلفته لا تمثل نسبة واحد في الألف من برامج الترفيه والتسلية على الفضائيات التابعة للشركة المتحدة.
وبالرغم من نفي الهيئة الوطنية للإعلام، وهي الجهة المنوط بها الإشراف على التلفزيون الحكومي، بيع مبنى “ماسبيرو” العريق ضمن صفقة بيع وتطوير المنطقة المحيطة به، إلا أن ذلك لم يمنع انتشار توقعات داخل المبنى بنقل القنوات الرئيسية إلى مبنى صغير بالعاصمة الإدارية الجديدة وتوجيه باقي القنوات للبث المحلي ثم غلقها.
وأفصح جمال الشاعر عن عدم ترحيب دوائر حكومية بأفكار الهيئة الوطنية للإعلام لإصلاح المبنى، وأن اللجنة الاقتصادية التي تشكلت برئاسة وزير المالية الأسبق أحمد جلال وضمت خبراء اقتصاد مصريين ودوليين لم تجد الآذان الصاغية، وكان الحديث ينصب على تطوير المحتوى دون اصطحابه لخطة اقتصادية مكملة.
وتؤمن قيادات حاولت تطوير “ماسبيرو” بأن هناك فجوة بين العاملين به وصناع القرار لأن هناك جهات روجت بأن إصلاح التلفزيون الرسمي عملية لا أمل منها، والأفضل التخلص منه، وهذه الجهات تضم أصحاب مشاريع أخرى ولديهم رغبات في الاستفادة من صرف الحكومة المزيد من الأموال على القنوات الخاصة وإنتاج أعمال درامية وفنية من خلال شركات بعيدة عن “ماسبيرو”.

وذهب هؤلاء للتأكيد على أن تعامل الحكومة مع الإعلام بمنطق المكسب والخسارة يقود لإنتاج محتويات تجارية تحقق أرباحاً ولا تتماشى مع توجهات الدولة نحو بناء وعي المواطنين، وأن التوازن يكون مطلوباً بين إعلام الخدمة العامة والإعلام التجاري.
ويواجه العاملون في “ماسبيرو” أزمات عديدة جعلت من مهمة التطوير صعبة للغاية، لأن هناك عمالة زائدة تعتمد على أساليب عقيمة في تقديم محتويات إعلامية، وفشلت الإدارات المتعاقبة في تحقيق تقدم يذكر في مسألة تقليص الخسائر، ولم يستعد ثقة الجمهور التي فقدها بتعتيمه على حراك الشارع في وقت سابق.
وتحصل الهيئة الوطنية للإعلام على تمويل حكومي سنوي يبلغ 13 مليون دولار سنوياً، وهو مبلغ لا يكفي لصرف الرواتب وإنتاج البرامج ما سبب عجزاً في موازنة الإعلام الحكومي السنوية، ودائما ما يشكو رئيس الهيئة حسين زين من أن وزارة المالية ترفض سد هذا العجز، وتمنح التلفزيون الرسمي مقابل الخدمات التي يقدمها بما يضاهي المبلغ الذي كانت تقدمه في ثمانينات القرن الماضي.
وحذرت رئيسة لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان درية شرف الدين من انهيار إعلام الدولة خلال عامين إذا لم يتم إنهاء مشاكله التي وصلت لعدم صرف المعاشات، وشددت على ضرورة سداد وزارة المالية مقابل الخدمات الإعلامية للوزارات والهيئات الحكومية.
وأشار رئيس جمعية حماية المشاهدين حسن علي إلى أن الإعلام المصري بشقّيه الحكومي والخاص يسير بإستراتيجية غير واضحة، والخسائر تطالهما، والرهان على الإعلام الخاص فقط لن يأتي بمردود إيجابي لأن الأشخاص الذين يتحكمون في إدارته منذ سنوات ما زال أغلبهم يقبعون في مناصبهم مع تحريك البعض بين إدارة وأخرى.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن أفكار إدارة الإعلام المصري واحدة منذ سنوات وهي تقوم على إنتاج محتويات ضخمة لدى الإعلام الخاص والتخلص من “ماسبيرو” بأقل خسارة ممكنة، ولن تتوقف عمليات الترقيع دون أن تكون هناك خطط تطوير شاملة، وما يساعد على ذلك أن عددا كبيرا من كوادر التلفزيون الحكومي هرب إلى القنوات الخاصة.
ولفت إلى أن أبناء “ماسبيرو” أنفسهم ساهموا في إنجاح خطط الحكومة لأن الكفاءات الموجودة تركت المبنى أو جرى تهميشها مع سيطرة قيادات تسللت إلى قطاعات مختلفة للتلفزيون عبر نوافذ خلفية منذ تسعينات القرن الماضي، ما أدى إلى ظهور ما يمسى بـ”تعبئة الشرائط”، أي ملء ساعات الإرسال بمحتوى رديء والخروج من المنافسة.