الحكومة تزيد هواجس المصريين تجاه الخصخصة بدلا من تبديدها

القاهرة- ضاعفت الحكومة المصرية من هواجس المواطنين بشأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، ولم تضع حدا لتساؤلات مطروحة في الشارع حول عزمها التوسع في خصخصة بعض القطاعات الخدمية، مثل التعليم والصحة، في ظل تلميحات حول زيادة مشاركة المستثمرين في المدارس والمستشفيات العامة.
وحملت تصريحات مسؤولين كبار رغبة الحكومة نفض يديها من بعض القطاعات الخدمية والانسحاب تدريجيا منها، ما يمهد لزيادة الأعباء المالية الواقعة على كاهل شريحة من المواطنين وتحملهم المزيد من التكلفة بدلا من الحكومة.
وعرض وزير الصحة خالد عبدالغفار الخميس على رئيس الحكومة مصطفى مدبولي عددا من المقترحات للنهوض بالقطاع الطبي في مصر، في مقدمتها “تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الرعاية الصحية وسد الفجوة في تقديم الخدمة الطبية”.
واستدعى مصريون تصريحات سابقة حول طرح خمسة من أكبر المستشفيات العامة في البلاد أمام القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها أو الحصول عليها بحق الانتفاع، ما يعني التخارج من قطاعات خدمية حيوية والإخفاق في تطويرها.
◙ الحكومة، وهي تسعى للانسحاب التدريجي من قطاعي الصحة والتعليم، تتجاهل الدخول في حوار مع الشارع بشأن الدوافع
وأعلنت وزارة الصحة أن المستشفيات الخمسة المطروحة أمام القطاع الخاص ستكون مرحلة أولى، تتبعها أخرى تابعة للمؤسسة العلاجية المملوكة للحكومة، مبررة الاستثمار بحاجة الدولة لدعم القطاع الخاص في المجال الصحي.
وتم الاتفاق على تقديم خدمات طبية متميزة بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وكلف رئيس الحكومة بسرعة عقد اجتماع بين مجموعة وزراء لمناقشة الحزم التحفيزية للمستثمرين والعمل على إطلاقها، بما يسهم في زيادة دور القطاع الخاص.
على جانب آخر، أعلنت وزارة التربية والتعليم وجود تكليف حكومي لها بأن تكون مساهمات القطاع الخاص سنويا في بناء المدارس توازي 10 في المئة من العدد الإجمالي، على أن تكون هذه المدارس الاستثمارية موجهة إلى الطبقة المتوسطة التي كانت تبني لها الحكومة مدارس بمصروفات زهيدة.
وترى دوائر سياسية أن الحكومة وهي تسعى للانسحاب التدريجي من قطاعي الصحة والتعليم، تتجاهل التفاصيل الخاصة بالخطط المستهدفة وعدم الدخول في حوار مع الشارع بشأن الدوافع والمزايا التي ستعود على المواطنين، والأعباء المالية عليهم.
وتضع الطريقة التي تتحرك بها الحكومة نحو الانسحاب من بعض القطاعات الخدمية علامات استفهام حول مصير مؤسسات كبير
ة وتثير شبهات، فتكرار توجيه صدمات للمواطنين بشأن انسحاب الحكومة قد يضرب صمام الأمان للنظام والمواطنين.
وتبنى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خطة لتطوير التعليم والصحة منذ سنوات، واعتبر الملفين ضمن أولوياته، ما يثير شكوكا حول إخفاق الحكومة في تنفيذها، واستسهال الحكومة إسنادها إلى القطاع الخاص.
وتحول ملف التعليم إلى منغص سياسي جراء كثرة أزماته وتسببه في توجيه اللوم للنظام الحاكم باعتباره المسؤول عن إطلاق مشروع النهضة التعليمية، حتى اصطدمت رغبته بتحديات بالغة بعد أن عوّل الرئيس السيسي على تخريج جيل جديد من الشباب يناسب طموحات الجمهورية الجديدة.
ويمثل التعليم والصحة عند شريحة كبيرة من المصريين خطا أحمر لا يجوز للحكومة المغالاة فيهما بسبب الخصخصة، أو التخلي عن مسؤوليتها، وضرورة مراجعة أولويات الإنفاق وعدم تحميل المواطن البسيط أعباء مالية ضخمة.
وطرح طارق شوقي وزير التعليم السابق إعادة النظر في مجانية التعليم بدعوى أنها غير موجودة عمليا، في حين تخصص الدولة أرقاما مالية ضخمة لدعم التعليم لا تجني ثمارا منها، مقابل إنفاق بعض الأسر مليارات الجنيهات على الدروس الخصوصية.
وقال طلعت خليل مقرر لجنة الموازنة والدين العام في الحوار الوطني وأمين عام حزب المحافظين إن أي تحرك نحو التوسع في خصخصة قطاعات خدمية حيوية، مثل التعليم والصحة لا يتوافق مع احتياجات الأمن القومي، وعلى الحكومة أن تدرك خطورة التداعيات السلبية الناجمة عن التغوّل في الخصخصة.
وأضاف لـ”العرب” أن الشارع أصبح أكثر وعيا لبالونات الاختبار التي تطلقها الحكومة أو دوائر مقربة منها، ولا يعني الإخفاق في ملف أن يتم تسليع الخدمة المقدمة للمواطنين، “وعلى كل عاقل في الدولة أن يدرك أن التعليم والصحة بالنسبة إلى المصريين مثل رغيف الخبز، كلاهما كرة لهب السماح بالاقتراب من ثوابتها قد يؤدي إلى الاشتعال”.
ويبدو الانسحاب الحكومي من التعليم والصحة في مصر حذرا لأقصى درجة، فلم يتم استدعاء مصطلح الخصخصة بأيّ طريقة كانت، لكن الأمر يوحي بأن الحكومة ترغب في توزيع الأدوار بينها وبين القطاع الخاص لتصبح المسؤولية مشتركة.
وتقوم الخطة المستهدف تطبيقها بقطاع التعليم على أن ترفع الحكومة يديها تدريجيا على المدارس التي تستهدف متوسطي الدخل، وتُسند المهمة للقطاع الخاص بدلا من تقديم الدولة لأموال باهظة لمدارس هذه الفئة، ولا تستطيع جني عوائد، كما أنها لا تجرؤ على المغالاة في المصروفات للمدارس التابعة لها.
وتركز الحكومة على مدارس البسطاء والكادحين فقط، ويتولى القطاع الخاص الشرائح الأخرى، ما يفسر بطء بناء مدارس لمتوسطي الدخل، ومنح أراضٍ لمستثمرين لإنشاء مدارس بطريقتهم ويقومون بتحديد المصروفات تحت رقابتها.
◙ وزارة الصحة أعلنت أن المستشفيات الخمسة المطروحة أمام القطاع الخاص ستكون مرحلة أولى، تتبعها أخرى تابعة للمؤسسة العلاجية المملوكة للحكومة
ويرى مراقبون أن الحكومة ليست بالسذاجة التي تجعلها تغامر بخصخصة التعليم والصحة أو أيّ قطاع خدمي لديه حصانة دستورية، لكنها تميل لتكون راعية لفئات تستحق دعمها، وهي صيغة عملية لوجود شرائح تواكلت على الدعم الرسمي.
ويفسر هؤلاء المراقبون دخول مستثمرين في قطاعات خدمية بأن الحكومة أخفقت في إدارة مرافق هامة، مثل التعليم والصحة، واستدعت القطاع الخاص الذي يمتلك الإدارة الرشيدة والخدمة المتميزة التي تفتقدها الحكومة.
وتتعرض الحكومة لانتقادات بأنها فشلت في إدارة ملف الدعم من منظوره الشامل، وهناك فئات لا تستحق الحصول عليه لا تزال ضمن منظومة الرعاية الاجتماعية، ما تسبب في استسهال البعض الاعتماد عليه، وعدم تحديد الفئات الأولى بالدعم.
ولا يعارض بعض الخبراء التوسع في خصخصة القطاعين الطبي والتعليمي شريطة أن يكون ذلك على مستوى الإدارة ويتم منح المستثمر قيمة الدعم الحكومي، مقابل أن يدير المدرسة كاملة، مع هامش ربح من الحكومة نفسها.
وتعاني الحكومة أحيانا من غياب الحنكة السياسية عند التطرق إلى ملف الخصخصة، فأيّ طرح إيجابي في هذا الشأن يتزامن غالبا مع تذمر في الشارع من ارتفاع معدلات الغلاء وصعوبات المعيشة وتدهور الأحوال الاقتصادية لشريحة من المصريين.