الحكومة تتجنب الخط الأحمر للمصريين برفض تحرير سعر الخبز

صدمة التطورات الإقليمية أوجدت قناعة لدى الحكومة المصرية تفيد بأن غضب الشارع من المساس برغيف الخبز قد يتجاوز حدود مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يقود إلى التوترات حتى وإن كانت الأغلبية ترفض الإعلان عن مواقف رافضة لخيارات الحكومة حفاظا على الاستقرار والأمن.
القاهرة - أظهرت نقاشات حكومية في مصر بشأن التحول من الدعم العيني إلى النقدي على السلع، حجم المخاوف من المساس بالخبز، حيث تقرر استثناء رغيف الخبز المعروف بـ”العيش” من أن يُطبق عليه الدعم النقدي لتستمر الدولة في تقديمه للبسطاء على بطاقات التموين خوفا من تجاوز الخط الأحمر للملايين من المصريين.
وكشفت شعبة المخابز معلومات عن تفاصيل الاجتماع الذي عقدته مع وزير التموين شريف فاروق حول إنتاج الخبز المدعوم، حيث تقرر استمرار صرف الخبز على البطاقات للملايين من المستفيدين لعامين مقبلين، ولو تم تطبيق منظومة الدعم النقدي فإن رغيف العيش لن يمس.
وأكد وزير التموين أن الحكومة عازمة على توفير الخبز المدعم بجودة عالية وبسعر عادل، وهناك متابعة دورية على المخابز لضمان الالتزام بالمعايير، وأن جودة الرغيف على رأس أولوياته لتحقيق رضا المواطن وتعزيز ثقته بمنظومة الدعم.
وخططت الحكومة المصرية ليكون التحول من الدعم العيني إلى النقدي شاملا لكل السلع دون استثناء، بما فيها رغيف الخبز، لكن يبدو أنها لم تطمئن للنتائج الشعبية لتحرير سعر الخبز مع تطبيق الدعم النقدي.
وأمام التطورات الإقليمية وصلت الحكومة المصرية إلى قناعة بأن غضب الشارع من المساس برغيف الخبز قد يتجاوز حدود مواقع التواصل الاجتماعي، مهما كانت الأغلبية ترفض الإعلان عن مواقف رافضة حفاظا على الاستقرار الأمني.
وحمل الإعلان عن استمرار صرف الخبز المدعوم تحديا من جانب الحكومة لتوصية سابقة كشف عنها صندوق النقد الدولي تتعلق برفع الدعم عن العيش والوقود، كأهم سلعتين حافظت السلطة على استمرار دعمهما.
وتظهر الخطوة تمسك الحكومة بالتعاطي مع الخبز بخصوصية، لأنه ملاذ أخير للملايين من الفقراء الذين يلجأون إليه لسد جوعهم، علاوة على أن التكلفة السياسية والاجتماعية للمساس به يجب أن تسبق أيّ كلفة اقتصادية، وتراعي سابقة تاريخية أشعل فيها ارتفاع ثمن الخبز انتفاضة شعبية في سبعينات القرن الماضي.
واضطر وقتها الرئيس الراحل أنور السادات إلى التراجع عن القرار، رغم أن الزيادة كانت طفيفة، لكن الناس لم يتقبلوها، ومن وقتها ظلت انتفاضة الخبز عالقة في أذهان أنظمة سياسية متعاقبة ما دفعها أن تعدل خططها إذا تعلق الأمر بالعيش.
وقد يتقبل المصريون قيام الحكومة بتخفيض الدعم عن أيّ سلعة أخرى مقابل أن تترك لهم الخبز بسعر زهيد يتناسب مع الضغوط المعيشية، لأن تحرير سعره مقابل الحصول على دعم نقدي يحمّل الفقراء متاعب تفوق قدراتهم المالية.
وترى دوائر سياسية أن الخوف من تأزم الأوضاع الداخلية، والتوترات على مستوى الإقليم عموما، يشكلان عنصر ردع للتفكير في تحرير سعر الخبز ضمن منظومة الدعم النقدي، لأن الخطوة قد تفجر غضبا عند فئة من ضحايا الإصلاح الاقتصادي.
واعتاد العديد من المصريين على الاتكال والحصول على سلع أساسية بسعر مدعم، بينما الظروف الاقتصادية لا تسمح بذلك، لكن الظرف السياسي أيضا لا يسمح بالاقتراب من خبز الفقراء.
وتدافع الحكومة عن المضي في دراسة تطبيق الدعم النقدي بدلا من العيني، لأن الأخير يساء استغلاله ويذهب جزء منه إلى فئة لا تستحق، وتُدرك أيضا خطوة إدراج الخبز ضمن المنظومة الجديدة لأن أسعاره سوف ترتفع إلى مستويات قياسية، ما يجعل أسرا كثيرة عاجزة عن الشراء، ما يشكل عبئا سياسيا على الحكومة.
وتدعم أصوات اقتصادية استبدال الدعم العيني بالنقدي لأنه أكثر كفاءة في التطبيق، لكن هناك إشكالية ترتبط بافتقاد الشروط الأساسية لتحقيق تلك الكفاءة، حيث لا توجد آليات صارمة لضبط السوق وعدم السيطرة على الأسعار، وإذا حدث ذلك في سلعة إستراتيجية مثل الخبز سوف تكون العواقب وخيمة.
وبعث وزير التموين الأسبق جودة عبدالخالق رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي عبر مقال صحفي جاء فيه “إن التسرع في التحول إلى الدعم النقدي قبل تحديد معايير الاستحقاق، وبناء قاعدة بيانات للمستحقين، ووجود آلية لضبط الأسواق والسيطرة على انفلات الأسعار، قد يؤدى إلى مخاطر اجتماعية يحسن تجنبها“.
وقال عبدالخالق في تصريح لـ”العرب” إن سعر رغيف الخبز إذا تم تحريره سيكون صعبا على البسطاء الحصول عليه، ومن الحكمة تجنب المساس بالعيش لأن الظروف الاقتصادية تستدعي ذلك، والمتطلبات الأساسية للكثير من المواطنين مرتبطة باستمرار الدعم.
وأضاف أن التكلفة الحقيقية لسعر رغيف الخبز تصل ستة أضعاف ثمنه الحالي، وفي حال تم تطبيق الدعم النقدي على العيش يصعب الحديث هنا أن الدعم وصل إلى مستحقيه، وبالتالي لا بد من الاستمرار بضوابط تحدد البسطاء المستحقين، لأنه يصعب إنكار وجود خروقات في منظومة الدعم العيني.
ويعيش قرابة نصف المصريين (نحو 55 مليون نسمة) تحت خط الفقر وأصبحت أقصى طموحاتهم توفير الحد الأدنى من متطلباتهم الأساسية، وتحتاج الحكومة إلى أن تستمر علاقتها بالبسطاء متوازنة بعيدا عن استمالتهم من أي فصيل أو تيار مناوئ للدولة لأنهم الأكثر قدرة على إثارة منغصات سياسية وأمنية أو تثبيت الاستقرار.
وتقدم الحكومة الخبز المدعم لحوالي 70 مليون شخص، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة رفعت قيمة دعم العيش والسلع التموينية في موازنتها للسنة المالية الحالية بحوالي 5 في المئة إلى 134.2 مليار جنيه (الدولار يساوي 51 جنيها)، حيث تصرف شهريا 150 رغيفا مدعما للفرد الواحد كل شهر.
ويعاني مصريون من الطبقة المتوسطة، لا تدرجهم الحكومة ضمن المستفيدين من الخبز المدعم، صعوبات كبيرة في شراء العيش، بعد أن ارتفع سعر الرغيف الذي يزن 90 غراما إلى ثلاثة جنيهات، وإذا تكرر ذلك مع الفقراء حال انتقال الخبز إلى منظومة الدعم النقدي، وتحرير السعر، ستكون الأزمة أعمق.
وليس من السهل على الحكومة مواجهة غضب الشريحتين (البسيطة والمتوسطة) إذا حررت سعر الخبز تماما، ولو دفعت مقابل ذلك ترضيات في صورة مساعدات شهرية، أمام الاعتياد على أن ما تقدمه الحكومة باليد اليمنى سوف تأخذه باليُسرى، وهي إشكالية دفعت النظام لبقاء الخبز دون تغيير لتجنب خسارة أهم قواعده الشعبية.