الحكومة المصرية تواجه معادلة صعبة: استرضاء الفقراء بالتوازي مع خفض فاتورة الدعم

المصريون على بُعد خطوة من زيادة أسعار الكهرباء ومياه الشرب.
الخميس 2024/08/08
الغلاء يكبل المصريين

تواجه الحكومة المصرية معادلة صعبة في توفير الحماية الاجتماعية للفقراء الذين يمثلون نحو ستين في المئة من الشعب المصري، في مقابل التخفيف من فاتورة الدعم التي تشكل معضلة حقيقية أمام دوران العجلة الاقتصادية.

القاهرة - جددت الحكومة المصرية التأكيد على خصوصية علاقتها بالفقراء، من خلال توسيع إجراءات الحماية الاجتماعية ومحاولة ترضية شريحة كبيرة من متحصلات خفض الدعم لأغراض سياسية، من أجل ضمان عدم تذمرها من زيادة الأسعار.

وقررت وزارة التضامن الاجتماعي إضافة عدد من الأسر للمستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة” الذي تستفيد منه قرابة خمسة ملايين أسرة، تمثل حوالي عشرين مليون مواطن، مدرجون تحت خط الفقر؛ بحيث يحصلون على مساعدات مالية تعينهم على مجابهة الصعوبات المعيشية، بعد إجراءات جديدة ضاعفت الأعباء على المصريين، وهي إشارة تعني أن الحكومة لن تتخلى عن الشريحة التي تئن من وطأة الغلاء.

ورفعت الحكومة أسعار مشتقات البترول، وبعدها تذاكر القطارات ومترو الأنفاق، وهي على بُعد خطوة من تحريك أسعار الكهرباء ومياه الشرب، في سياق خطتها لخفض فاتورة الدعم، ووسط أزمة اقتصادية طاحنة تعاني منها البلاد، فلا تريد الحكومة أن تتأثر علاقتها بالبسطاء أو استمالتهم من أي جهة معارضة تدفعهم إلى الاحتجاج.

ويسعى النظام المصري لزيادة قاعدة المستفيدين من المساعدات الحكومية النقدية، عقب تخفيف فاتورة الدعم عن بعض السلع، بما لا يُحمّل الموازنة العامة للدولة أعباء مالية مضاعفة، لأنه سيتم تحصيلها من عوائد تحريك الأسعار باليد اليمنى، ثم تمنح البسطاء جزءا منها باليسرى، ما يسترضي الفقراء في وقت سياسي حرج.

إكرام بدرالدين: تأمين حياة البسطاء خطوة لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار
إكرام بدرالدين: تأمين حياة البسطاء خطوة لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار

وتعهدت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي بعدم رفض أي حالة لأسرة فقيرة تنطبق عليها شروط صرف المساعدات النقدية من الحكومة، مع إطلاق برامج حماية جديدة لمساعدة محدودي الدخل، ما يؤكد تمسك الحكومة بتحسين العلاقة مع الشريحة الأكبر في المجتمع، وهي شريحة الفقراء الذين يُشكلون نحو 60 في المئة من السكان.

وتخطط الحكومة لإضافة شريحة جديدة إلى مظلة الحماية الاجتماعية، تمثل قاعدة جماهيرية واسعة، ويندرج تحتها أصحاب العمالة غير المنتظمة ممن لا يمتلكون فرصة عمل ثابتة أو يمتهنون حرفا موسمية، وتقرر إدراجهم في منظومة تأمينية شاملة، مع زيادة قيمة الدعم المالي ليكون مناسبا لمعدلات التضخم في البلاد.

وترى دوائر سياسية في القاهرة أن الحكومة تخشى المغامرة بالمزيد من تحريك أسعار السلع والخدمات والانسحاب من الدعم دون أن تبادر بإجراءات استباقية تؤمن صمت الفقراء، باعتبارهم الأكثر قدرة على إثارة منغصات سياسية وأمنية إذا فقدوا الأمل في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية.

ويمثل محدودو الدخل في مصر بالنسبة إلى النظام الحاكم كتلة شعبية كبيرة قادرة على تثبيت الأمن والاستقرار، ويمكن للدولة مجابهة التحديات الداخلية والخارجية طالما بقيت علاقتها مع تلك الفئة مستقرة، ما يفسر الإصرار المتواصل على الإعلان كل فترة عن مساعدات مالية تخص محدودي الدخل، كلما أثير الحديث عن غلاء مرتقب.

وتُدرك دوائر قريبة من الحكومة أن الانسحاب كليا من دعم الخدمات والسلع الأساسية ضرورة بناء على توصيات صندوق النقد الدولي وبرنامج الإصلاح الاقتصادي، ويصعب تمرير خطوة واحدة بلا تضحية بتوفير مخصصات مالية للفقراء في إطار برنامج عام للحماية الاجتماعية، لأن عكس ذلك يفضي إلى قلق بين شريحة من المواطنين ليست لديها ما تخسره إذا فقدت الأمل في الحكومة ودعمها.

ويتعارض التوسع في منح إعانات نقدية لمحدودي أو معدومي الدخل ضمنيا مع توجهات الدولة ومحاولة تطويق الأزمة الاقتصادية التي تكافح للخروج منها، لكنها تخشى من تداعيات عدم وضع هؤلاء في الحسبان الاجتماعي، فكل انتقادات المعارضة التي توجه إلى سياسات الحكومة مع رفع أسعار السلع والخدمات والميل أكثر نحو خفض الدعم تعتمد على خطاب يدغدغ المشاعر بذريعة الدفاع عن الفقراء.

وزارة التضامن الاجتماعي قررت إضافة عدد من الأسر للمستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة”

وأكد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين أن تأمين حياة البسطاء خطوة لا غنى عنها لتثبيت الاستقرار، وأي إجراء آخر يجعل الحكومة تخسر التقدم الذي تحقق في هذا الملف منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطة قبل حوالي عشرة أعوام، حيث يتمسك بخصوصية العلاقة مع الفقراء والدفاع عنهم.

وأضاف بدرالدين لـ“العرب” أن توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية وسط التقلبات الاقتصادية ضمانة سياسية مهمة، لأن هذه الخطوة كفيلة بقطع الطريق على التيارات المناوئة للدولة التي اعتادت المتاجرة بهموم البسطاء، واتهام السلطة بأنها تتآمر على الفقراء، وكل إجراء استباقي يؤمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة سوف يعزز صلابة الدولة وأجهزتها في مواجهة المخاطر غير الشعبية.

واستطاع الرئيس السيسي تكوين قاعدة جماهيرية عند الكتلة الصلبة التي يمثلها الفقراء، ويُكلف الحكومة دائما بحمايتهم من دوامة الغلاء، ولا يرغب في خسارتهم، كما لا يُمانع في منحهم جزءا من المتوفرات المالية التي تجمع من تحريك الأسعار.

ويظل التحدي الحقيقي أمام النظام المصري أنه ورث تركة ثقيلة من حكومات سابقة عوّلت على توفير كل شيء مجانا لمحدودي الدخل لتحصين نفسها من غضبهم، ما يفرض على الحكومة التحرك في مسار التحرر من هذا القيد بحسابات دقيقة، إذا أرادت تنفيذ رؤيتها بطريقة تُجنبها الدخول في مواجهة مع قاعدة شعبية كبيرة.

وأوضح إكرام بدرالدين أن الاستمرار في صرف المساعدات للبسطاء وسط أوضاع اقتصادية صعبة يحمل رسائل سياسية عديدة، أبرزها أن الدولة لن تتخلى عن محدودي الدخل، وأن الوضع الاقتصادي مطمئن وليس قاتما، كما تروج له جماعة الإخوان، وأي تخطيط مرتقب لملف الدعم لن يكون على حساب الفقراء وسيظلون في حماية.

وهناك شريحة من محدودي الدخل لا تطمئن لأي قرار حكومي بزيادة المساعدات، لأن هذا الإجراء غالبا ما يكون مقدمة لقرارات اقتصادية أكثر قسوة، حيث اعتادت الدولة توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وقت التخطيط لإجراءات اقتصادية قاسية، ومهما كان حجم المساعدات المادية لن يحميهم من تبعات الغلاء المرتقب.

ويستبعد متابعون أن تنجح الحكومة في ضمان صمت تلك الفئة ولو زادت قيمة المساعدات، مع تراجع منسوب الثقة بين الطرفين ورؤية بعض المواطنين أن ما تقدمه الحكومة من برامج حماية اجتماعية سوف يصطحب معه متاعب اقتصادية أيضا، وهي معادلة تحتاج إلى تصويبها لعدم خسارة أهم قاعدة شعبية للنظام المصري.

2