الحكومة المصرية تنهي القطيعة مع الإعلام لتهدئة الشارع

التغيير الحاصل في علاقة مسؤولي الحكومة المصرية بالإعلام يهدف إلى التقارب مع الشارع ووقف الاعتماد على المصادر المجهولة في الأخبار المنشورة بالصحف والمواقع، ما تسبب في انتشار الشائعات وتحوُّلِ مراكز الإعلام في الوزارات إلى جهات لنفي الأخبار المغلوطة، الأمر الذي جعل الحكومة في موقف الدفاع.
القاهرة - ثمة تغيرات واضحة في علاقة العديد من مسؤولي الحكومة في مصر بوسائل الإعلام من حيث التواصل المستمر وعقد لقاءات دورية مع الصحافيين المكلفين بتغطية الملفات المتعلقة بأعضاء الحكومة، بل والتشاور معهم حول آليات التعامل في الفترة المقبلة، والتأكيد على أن دور الإعلام أساسي وحيوي في التواصل بين الوزارات والرأي العام.
ولم تكن هذه النبرة موجودة حتى وقت قريب، فقد كانت العلاقة بين المسؤولين والإعلام أقرب إلى القطيعة إلا من بعض الوزراء الذين اختاروا منابر بعينها أطلوا من خلالها على الجمهور، بينما تمسكت الغالبية بالمقاطعة لأسباب مختلفة.
ويصعب فصل ما يحدث الآن عن محاولات الحكومة لتهدئة الشارع الغاضب والمتذمر من الغلاء والقرارات السلبية التي جرى اتخاذها من جانب العديد من الوزراء الذين تم تغييرهم في التعديل الحكومي الأخير، ما فرض على دوائر صناعة القرار السعي نحو التقارب مع الإعلام حاليا لتحسين الصورة الذهنية.
ويمنح التحسن في العلاقة دورا للإعلام ويسهم في تخليصه من علاقة التبعية التي قيدت حركته، وكانت الصحف تظهر بعناوين شبه موحدة عقب تلقي بيانات لنشرها بلا تحريف.
وبدأ معظم الوزراء الجدد في الحكومة مهام عملهم بعقد لقاءات مع صحافيين في جلسات مطولة، والتحدث إليهم في ما يخص طبيعة العمل داخل كل وزارة، وتحديد آليات التواصل وكيفية الحصول على المعلومات، والرد على الأسئلة والاستفسارات التي تصل إليهم من الجمهور. وتعهدوا بأن تكون علاقتهم بالإعلام على أكمل وجه، وكأن هناك تعليمات متشددة تقضي بالتخلي عن الطريقة العقيمة السابقة في التعامل مع الإعلام.
الوزراء الجدد في الحكومة بدأوا مهامهم بعقد لقاءات مطولة مع الصحافيين والتحدث إليهم عن طبيعة العمل داخل كل وزارة
وقال رضا حجازي وزير التربية والتعليم الجديد إن الإعلام سيكون محور اهتمام وزارته في الفترة المقبلة، وسيكون هناك متحدث إعلامي مهمته التواصل على مدار اليوم مع مختلف الصحف والقنوات ومدها بالمعلومات التي تُطلب من الوزارة حول أي قضية أو ملف دون حساسية في التعامل أو إخفاء لمعلومة.
وقام خالد عبدالغفار وزير الصحة بعقد لقاء مطول مع الصحافيين وتحدث إليهم عن أهمية دورهم في توعية الناس ومدهم بالمعلومات المرتبطة بقطاع الصحة وفتح المجال أمامهم للتواصل معه شخصيا بشكل مستمر للرد على أسئلتهم، بحيث يكونون همزة الوصل بين الوزارة والشارع وطالبي الخدمة الطبية.
وشملت قائمة الوزراء الذين انفتحوا على الإعلام وقاموا بالفعل نفسه، وزراء الهجرة والقوى العاملة وقطاع الأعمال والتجارة والصناعة، وجميع هؤلاء أبلغوا الإعلام بأن دوره في الفترة المقبلة يفترض أن يكون أكبر، في ظل الانفتاح على كل المنابر الإعلامية، ولم يطلب أيّ منهم سوى التعامل بمهنية وموضوعية عند طلب المعلومة.
والتقى مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بمحرري الصحف ومندوبي القنوات الفضائية قبل أيام، وعقد جلسة مطولة تحدث فيها عن إجراءات الحكومة تجاه محدودي الدخل ودعا الصحافيين إلى التواصل بشكل مستمر مع المركز الإعلامي للمجلس للحصول على المعلومات والتكاتف مع الحكومة في مواجهة تحدياتها.
وتؤكد هذه السياسة أن هناك توجها عاما لتقريب المسافات بين الحكومة ووسائل الإعلام بعدما أدرك الوزراء أن حالة الجمود في العلاقة بين الطرفين وتهرب المسؤولين من مواجهة الصحف والقنوات لن يفيدا، وسوف تدفع الحكومة فاتورة باهظة بسبب القطيعة.
التحسن في العلاقة يمنح دورا للإعلام ويسهم في تخليصه من علاقة التبعية التي قيدت حركته
وقال صحافي، وعضو فريق الإعداد في برنامج تلفزيوني شهير، لـ”العرب” إنه لأول مرة منذ سنوات يتواصل مع مجموعة من الوزراء لتحديد موعد في برنامجه ويأتي الرد بالقبول دون تهرب أو تقديم تبريرات واهية، بعد أن كان يواجه صعوبات بالغة في إقناع المسؤولين بوجوب الحديث والرد على تساؤلات الشارع.
وأضاف الصحافي، شريطة عدم الكشف عن هويته، أنه تحدث إلى ثلاثة وزراء مباشرة وطلب منهم الظهور في برنامجه، ولم يعترضوا على ذلك، وكان الرد سريعا “متى ذلك؟”، ولم يطلبوا طرح أسئلة بعينها أو يكون اللقاء مسجلا مسبقا أو تتم مراجعة الاستفسارات التي سيتم طرحها عليهم، وبالفعل سيظهرون في القناة بعد أيام قليلة بالصورة التي يريدها الإعلام وليس الوزير.
وأشار الصحافي إلى أنه في السابق إذا اقترح على وزير التحدث في البرنامج طلب منه أولا الحصول على إذن مسبق من مجلس الوزراء أو مهلة للتفكير ثم يأتي الرد بالرفض، لكن اليوم صار من الواضح أن هناك توصيات موجهة إلى المسؤولين تقضي بالظهور في وسائل الإعلام ومخاطبة الناس.
وتسبب رفض الكثير من المسؤولين في مصر الظهور الإعلامي أو إجراء لقاءات صحافية للرد على الأسئلة التي تشغل بال الناس أو تمس صميم حياتهم في اهتزاز صورة الإعلام، فهو لا يستطيع التناغم مع احتياجات الشارع وتوصيل صوته إلى صناع القرار، وغير قادر على الإجابة عن تساؤلات الناس المتعلقة بملفات تمس حياتهم.
وكان الكثير من المسؤولين يرفضون الظهور لأنهم لا يمتلكون حنكة التعامل مع الإعلام بشكل عام، ويخشون الوقوع في هفوات كلامية أمام بعض الأسئلة الاستفزازية ويورطون أنفسهم والحكومة، لكن التقارب مع الإعلام يجعل علاقة الطرفين قوية بشكل يدفع الصحافي والمذيع إلى الحفاظ على صورة المسؤول بدلا من تشويهها.
افتقاد البعض من العاملين في الإعلام خبرة التعامل مع المسؤولين كان سببا رئيسيا في دفعهم نحو المزيد من القطيعة مع أبناء المهنة
وتجد الحكومة أن الاصطفاف الإعلامي خلفها مع استمرار الفجوة بين الطرفين يجلب إليها الكثير من الأزمات والغضب الجماهيري، فهي لا تقدم للناس ما يبحثون عنه من خلال إعلامهم المحلي، ولا تتركه يعمل بحرية واستقلالية لينقل نبض الشارع، وتأكدت أنه لا بديل عن قيام الإعلام بالمهمتين ومخاطبة الشارع بالمعلومة.
ويرى خبراء أن افتقاد البعض من العاملين في الإعلام خبرة التعامل مع المسؤولين كان سببا رئيسيا في دفعهم نحو المزيد من القطيعة مع أبناء المهنة، حيث تولدت لديهم حساسية مفرطة تجاه كل ما هو إعلامي على وقع الميراث السلبي الذي تراكم عبر سنوات طويلة من كون الإعلام مهنة البحث عن المصائب والكوارث والإثارة.
وقال صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي في جامعة القاهرة، إن “تقارب المسؤولين مع الإعلام يحقق الفائدة للطرفين، فالناس يرغبون في معرفة الحقيقة والوصول إلى المعلومة، ويقلل اللجوء إلى منصات التواصل للحصول على المعرفة بشكل يعود بالنفع على الإعلام الذي يصبح محتكرا للحقيقة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “إتاحة المعلومات أمام الإعلام من شأنها أن تغيّر الصورة الذهنية السلبية عنه بأنه تحول إلى منصة لنشر البيانات الرسمية فقط، والاكتفاء بالروايات الصادرة عن جهات حكومية دون تحليل مضمونها والحصول على إجابات من المسؤولين عن أسئلة الشارع”.
وقد أصبح ضروريا توقف أغلب المؤسسات عن التعامل مع حق الناس في المعلومة باعتباره تجاوزا لمقتضيات الأمن القومي، خاصة أن القطيعة مع وسائل الإعلام تؤثر سلبًا وتتطور شيئا فشيئا لتصبح قطيعة بين الجمهور والحكومة نفسها.