الحكومة المصرية تلجأ إلى الحبس لمعاقبة سارقي الكهرباء

القاهرة- أكد التصعيد الحكومي في مصر ضد وقائع سرقات الكهرباء وجود توجه قوي داخل السلطة لتكريس هيبة الدولة ومواجهة الفساد المرتبط بقطاعات خدمية حيوية، ضد شريحة لديها قناعة باستباحة الحصول على الخدمات دون مقابل، كحل لمواجهة الغلاء والظروف المعيشية الصعبة.
ووافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون يستهدف تغليظ عقوبات الجرائم الخاصة بالاستيلاء على التيار الكهربائي، بعد أن اكتشفت الحكومة استخفاف بعض المواطنين بالعقوبات ضد سارقي الكهرباء، ما تسبب في خسائر مالية ضخمة.
وقرّرت الحكومة تغليظ عقوبة سرقة الكهرباء لتصل إلى الحبس لمدة سنة مع غرامة مالية تصل إلى مليون جنيه (20 ألف دولار)، وتعهد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بعدم تراجع الدولة عن حقها ممن يتحايلون على القانون للحصول على الكهرباء دون مقابل.
◄ تأخر اليقظة ضد شبكات الفساد قاد إلى تراكم الأزمات في ظل شعور المخالفين بأن الحكومة ليست جادة في المواجهة
وهذه المرة الثانية خلال أربع سنوات التي تغلظ فيها الحكومة عقوبة سرقة الكهرباء، حيث عدلت القانون لتكون العقوبة بالحبس ستة أشهر وغرامة لا تتجاوز مائة ألف جنيه، لكن تمادى البعض في المخالفة أدى إلى تصاعد حدة الأزمة.
وعانت الحكومة الصيف الماضي من أزمة طاحنة في قطاع الطاقة اضطرت معها إلى تخفيف أحمال الشبكة الكهربائية وقطع التيار يوميا من ساعتين إلى ثلاث ساعات، وسط غضب شعبي استدعى تدخّل الرئيس عبدالفتاح السيسي لسرعة حل الأزمة.
وكادت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي تتسبب في احتجاجات، وحينها طالت أصابع الاتهام مئات الآلاف من المواطنين الذين دأبوا على سرقة الكهرباء وتحميل الحكومة أعباء ضخمة، دون أن يدفعوا ما عليهم من مستحقات.
وترى دوائر سياسية أن تأخر اليقظة ضد شبكات الفساد في بعض القطاعات الخدمية قاد إلى تراكم الأزمات، في ظل شعور المخالفين، من مواطنين عاديين أو مسؤولين، بأن الحكومة ليست جادة في المواجهة وتكتفي بالتهديد ولا تتدخل بصرامة.
وأصبحت أكبر مشكلة تواجه الحكومة، ضعف الرقابة وعدم تنفيذ بعض القوانين، ما قاد إلى اتساع رقعة الفساد من جانب موظفين صغار، يتساهلون مع شريحة من المواطنين اعتادوا الحصول على مكاسب بلا وجه حق، مقابل دفع ترضيات.
ويمكن القياس على ذلك بما يحدث داخل منظومة الدعم، إذ تمثل سرقات الكهرباء وحدها ما يوازي قرابة 20 في المئة من إجمالي ما يفترض أن تحصّله الدولة من متلقي الخدمة. وبحساب النسبة على فواتير الكهرباء فإن الرقم قد يصل إلى الملايين من الدولارات التي لا تحصل عليها الحكومة سنويا في قطاع واحد.
وهناك قطاعات أخرى، مثل إضافة مئات الآلاف من المواطنين دون وجه حق ضمن المستفيدين من منظومة الدعم النقدي التي خصصتها الحكومة للبسطاء، واكتشاف أرقام ضخمة تستفيد من الدعم السلعي ولا تنطبق عليها الشروط، ما عرّض الدولة لخسائر مالية، وهي تعاني أزمة اقتصادية.
وأوضح رئيس الوزراء المصري أنه لو كانت نصف حالات سرقة الكهرباء غير موجودة، لن تواجه الدولة أزمات أو تحتاج إلى تدبير موارد إضافية لتوفير الكهرباء، ما يعكس عمق المشكلة وسهولة حلها في آن واحد، المهم وجود إرادة سياسية لضبط منظومة القوانين ومكافحة الفساد والترهل الإداري.
وصعّدت الأجهزة الرقابية مؤخرا ضد مافيا سرقات الدعم، بالتوازي مع سعي الحكومة لترشيد الإنفاق على المنظومة إلى الحد الأدنى واقتصارها على الفقراء فقط، لكن تلك التحركات تصطدم بتعقيدات إدارية مع وجود شبكات ضخمة تشكّلت من مواطنين وموظفين لسرقة الدعم بطرق ملتوية.
وتضاعفت حاجة مصر إلى الكهرباء نتيجة التوسع في المنشآت الصناعية، ما زاد من معدلات استهلاكها بما يتجاوز قدرة الشبكة على التحمل، في ظل مطالبات شعبية بضرورة زيادة القدرات الإنتاجية الصناعية دون الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يفسر جزءا من تصاعد الحملة ضد سارقي التيار الكهربائي في البلاد.
ويصل عدد المتورطين في الفقد الكهربائي إلى قرابة مليون ونصف مليون شخص، وفق إحصاء رسمي، وتقول وزارة الكهرباء لو كان هؤلاء دفعوا ما عليهم من مستحقات، والتي قد تبلغ نحو 600 مليون دولار، لما لجأت الحكومة إلى تحريك أسعار فواتير الكهرباء بوتيرة متسارعة لتوفير مستحقات استيراد الغاز لتغذية المحطات.
◄ الحكومة قرّرت تغليظ عقوبة سرقة الكهرباء لتصل إلى الحبس لمدة سنة مع غرامة مالية تصل إلى مليون جنيه (20 ألف دولار)
ويبدو أن هناك توجها رسميا نحو تطبيق العقوبة الجديدة دون تهاون، في ظل وجود تكليف للأجهزة الرقابية بالتصدي بقوة لسرقات الكهرباء، واتخاذ الحكومة قرارا بحذف المتورطين في تلك الجريمة من قاعدة المستفيدين من الدعم، مع رفع دعاوى قضائية ضدهم دون تصالح قبل دفع ما عليهم من مستحقات قديمة.
وقال إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة إن كل المؤشرات تؤكد وجود توجه لوقف نزيف الفساد، لأن السرقات أثّرت على مظلة الحماية الاجتماعية للبسطاء في قطاعات حيوية، والدولة محقة في ما تفعل عندما تقرر تغليظ العقوبات لأن هناك شريحة تستبيح الحصول على الخدمة دون مقابل.
وأضاف لـ”العرب” أن ميزة الحرب على الفساد المرتبط بمنظومة الدعم أن لديها حصانة شعبية، ويجب الاستفادة من ذلك لتصعيد المواجهة ضد المخالفين كي لا تتحمل الدولة أعباء مالية هي في غنى عنها، وتحقق أهدافها السياسية باستمرار علاقتها الثابتة مع محدودي الدخل دون أن يستنزفها من يستبيحون أموال القطاعات الخدمية.
وتظل المعضلة الحقيقية أمام تكريس هيبة الدولة في مواجهة سارقي الكهرباء أن أغلب من لديهم وصلات غير شرعية أو يحصلون على التيار دون دفع رسوم، يصعب اكتشافهم بسهولة لتشعب الحيل التي يلجأون إليها، ما يضع أعباء إضافية على الأجهزة الرقابية المنوط بها تنفيذ القانون.
ويلجأ البعض من المواطنين إلى استخدام أجهزة تكييف في المنازل من خلال وصلات كهربائية غير مشروعة، بحيث يدفع صاحب الوحدة السكنية مبلغا يقل بنحو 80 في المئة تقريبا عن القيمة المستحقة شهريا، بما يُصعّب المهمة على الحكومة لاكتشاف هؤلاء، ولا تقرر القيام بحملات تفتيش على المنازل والمحال والأكشاك العشوائية.
وأخفقت الحكومة عندما أطلقت حملة توعوية في وسائل الإعلام الرسمية لدفع الناس للمشاركة في الإبلاغ عن سارقي الكهرباء لوجود إحساس عند البعض بأن “السرقة حلال طالما استباحت الحكومة الغلاء،” ويكفي أن هناك فتوى أطلقها عالم أزهري قبل أسابيع بذات المضمون، قبل أن يتم القبض عليه بتهمة التحريض على إهدار المال العام.