الحكومة المصرية تقرّ بأن مواقع التواصل "مظلة للشكاوى"

نفوذ الشبكات الاجتماعية يعوّض اهتزاز صورة الإعلام التقليدي.
السبت 2022/12/31
منصة للتظلم

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إلى منصات احتجاج على الفساد المستشري في البلاد ومظلة للشكاوى التي جلبت انتباه الجهات المسؤولة وفي مقدمتها الرئيس عبدالفتاح السيسي، حتى صارت هناك منظومة عمل متخصصة لمتابعة شبكات التواصل ضمن إستراتيجية متكاملة تستهدف تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين.

القاهرة - كرست الحكومة المصرية قوة شبكات التواصل الاجتماعي وأقرت بأنها صارت مظلة لتقبل الشكاوى الرسمية، وتقوم بمتابعة ما يثار عليها من سلبيات أو مطالب تتعلق بالبسطاء وأصحاب المظالم، وتعمل على حلها عبر التواصل مع أصحابها سريعا أملا في إرضاء المواطن وأنها لا تعمل في جزر منعزلة.

وأكد طارق الرفاعي مدير منظومة الشكاوى الحكومية التابعة لمجلس الوزراء في تصريحات إعلامية أن شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة مهمة لعرض وحل المشكلات الخاصة بالمواطنين، ويتم التعامل معها من جانب الحكومة بشكل فوري بعد نشرها، وهناك منظومة عمل متخصصة لمتابعة شبكات التواصل ضمن إستراتيجية متكاملة تستهدف تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين.

وتغيرت نظرة الحكومة المصرية كثيرا لمنصات التواصل بعد أن كانت تتعامل معها كمنبر يروج للشائعات وإثارة الجدل والبلبلة في المجتمع، ويكتشف المتابع عن قرب لتعاطي المؤسسات الرسمية معها بسهولة لأي درجة أصبحت تمثل قوة لا يستهان بها في صناعة القرار وحل المشكلات ورفع المظالم.

الواقع المصري كشف أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي لا يدخلون معركة إلا وهم على قناعة بالخروج منها منتصرين

وكثيرا ما تطرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ما يثيره المصريون على منصات التواصل، سواء بالاعتراض على قرارات حكومية أو الجدل المرتبط بتصريحاته الشخصية أو الضغط على المسؤولين لأجل التراجع عن سياساتهم المرفوضة من قبل الناس، ما أوحى بأن رئيس الدولة نفسه يتابع ما يكتبون.

وسبق أن تدخل الرئيس السيسي في حل مشكلات أثارها رواد الشبكات الاجتماعية، ما منحها قوة مضاعفة ووجد كثيرون في ذلك وسيلة مثالية ومتنفسا خاصة لمن لا يستطيعون الوصول إلى كبار المسؤولين وصناع القرار لتوصيل المطالب والشكاوى، في ظل ابتعاد وسائل الإعلام التقليدية عن الشارع وترويجها للخطاب الرسمي فقط.

وأظهرت بعض الحملات الأخيرة التي انتصرت فيها شبكات التواصل وأحدثت ردود فعل قوية وأفضت إلى تحركات رسمية من جانب جهات حكومية أنها لم تعد مجرد فضاء إلكتروني للفضفضة، حيث نجحت بكفاءة في انتزاع ألقاب مختلفة، مثل حزب المعارضة، أو حزب المظلومين، بعدما أصبحت الأكثر متابعة ومصداقية.

وأثار شاب مصري يدعى أحمد زكي قبل أيام قليلة حالة من التعاطف معه بعدما كتب منشورا يفيد بأنه افتتح مشروعا يدر عليه دخلا (متجر لبيع المواد الغذائية) ونجح في توظيف بعض الشباب معه، لكنه فوجئ بموظفين يعملون في قطاعات المحليات والصحة والتموين في المنطقة التي فتح متجره بها يتعمدون مضايقته للحصول على مبالغ مالية بغير وجه حق، على سبيل الرشوة والفساد، وقال إنه يفكر في غلق المتجر.

وأمام التفاعل الواسع مع الشاب تدخلت جهة سيادية وقامت باستدعائه وسؤاله عن حقيقة ما يحدث، وتعهدت بحل المشكلة ومحاسبة المتورطين فيها، ثم عاد الشاب وكتب ما حدث معه من اهتمام بالغ بما أثاره على صفحته الرسمية من جانب جهة أمنية مهمة، ما عكس إلى أي درجة أصبحت شبكات التواصل بالغة القوة والنفوذ والتأثير.

وتحول الكثير من مستخدمي منصات التواصل إلى كُتّاب وأصحاب رأي، كل منهم يسعى إلى تشكيل قوة ضغط، ما جعل روادها أكثر تأثيرا على المسؤولين من نواب البرلمان والمعارضة بشكل دفع الحكومة للانصياع لمطالبهم، وتوخي الحذر من ردة فعلهم ومتابعة ما يثار من مشكلات ومطالب.

كثيرا ما تطرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ما يثيره المصريون على منصات التواصل، سواء بالاعتراض على قرارات حكومية أو الجدل المرتبط بتصريحاته الشخصية
كثيرا ما تطرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ما يثيره المصريون على منصات التواصل، سواء بالاعتراض على قرارات حكومية أو الجدل المرتبط بتصريحاته الشخصية

ويرى خبراء أن قوة الشبكات الاجتماعية في مصر أمر منطقي أمام اهتزاز صورة الإعلام التقليدي وتحول أغلب منابره إلى مجرد ناقل عن الحكومة، لا ناقل إليها ما يقوله ويطلبه الناس، حتى أن الكثير من الصحف والقنوات الفضائية أصبحت تبني موضوعاتها وفق ما يثار على منصات التواصل، وليس العكس.

وبدأ النفوذ الذي صارت عليه منصات التواصل يظهر في إصرار الحكومة على مخاطبة القائمين على بعض الصفحات بشكل مباشر، وأصبحت لكل مؤسسة صفحة رسمية تنشر عليها القرارات وتستطلع آراء الناس فيها والرد على الاستفسارات الواردة من الجمهور لتوضيح الصورة، وهو ما لا يحدث أحيانا مع الإعلام التقليدي.

فقد لا يستطيع أي صحافي أو إعلامي أن يحصل على تصريح من جهة حكومية هامة، كمؤسسة الرئاسة أو مجلس الوزراء، لكن في أحيان كثيرة يقوم المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بالرد على تعليقات أشخاص عاديين على بيان رئاسي أو قرار جمهوري ويكون ذلك عبر صفحته الرسمية.

وقال خالد برماوي الخبير في الإعلام الرقمي إن شبكات التواصل اكتسبت قوة لانتصارها في بعض المواقف ما زاد من رصيدها عند الناس والثقة فيها، ومن الطبيعي أمام تحولها إلى منبر جماهيري للحقوق والمشكلات أن تحظى بمتابعة حكومية، وهذا شيء إيجابي بأن يكون هناك تواصل بين صانع القرار والجمهور.

قوة الشبكات الاجتماعية في مصر أمر منطقي أمام اهتزاز صورة الإعلام التقليدي وتحول أغلب منابره إلى مجرد ناقل عن الحكومة

وأضاف لـ”العرب” أن قوة منصات التواصل سلاح ذو حدين، فقد يستثمرها البعض لبث شائعات عبر حسابات مزيفة، وآخرون قد يتعمدون تحقيق مصالح شخصية، وهذا يتطلب التعامل معها بمسؤولية أخلاقية طالما أن هناك جهات تستجيب وتتفاعل، قبل أن ينجرف البعض لدعم طلب بعينه أو يغضب لشيء ما، ثم يتبين أنه غير حقيقي.

وهناك حسابات لصحافيين أقوى تأثيرا ونفوذا من بعض الصحف، بحكم حرية النشر والرأي المتاحة على الشبكات الاجتماعية، لكن تظل المعضلة التي تواجه الحكومة، في أن المزاج العام أصبح مواتيا لتصديق كل ما يتم نشره من وقائع وقضايا وآراء لقناعة السواد الأعظم من الناس بعدم وجود مستحيل من جانب بعض المسؤولين.

وقد أغرى اهتمام الحكومة بمواقع التواصل وتأثرها بما يثار عليها بعض الأطراف المناوئة لأن تستخدم الفضاء الإلكتروني سلاحا ضدها بنشر الشائعات وإظهار جهات رسمية على أنها تخدع الرأي العام، مستغلة عدم تفرقة البعض من المواطنين بين الشائعة والحقيقة، والتلفيق والرأي.

وكشف الواقع المصري أن رواد مواقع التواصل لا يدخلون معركة إلا وهم على قناعة بالخروج منها منتصرين، على عكس التجاوب مع الإعلام التقليدي الذي لا يُسمح له بخوض معارك أو تبني حملات ضد قرار خاطئ، بحكم ضيق المساحة المتاحة له في السياسة التحريرية.

الميزة الأهم أن القوة الصاعدة للشبكات الاجتماعية في مصر بدأت تدفع الهيئات الحكومية للتعامل بردة فعل سريعة لشرح الحقيقة أمام الناس لإدراكها خطورة التراخي عن مجاراة ما يحدث على الفضاء الإلكتروني، وبعد أن كانت الروايات الرسمية تتأخر لأيام باتت لا تستغرق بضع ساعات وتصبح ذات قيمة كبيرة.

16