الحكومة المصرية تفوّض القضاء لتحجيم تعدد الزوجات

ينظر البرلمان المصري خلال الأيام القليلة القادمة في مشروع قانون يحجم تعدد الزوجات وذلك بضرورة الحصول على إذن قضائي للزواج ثانية بعد موافقة الزوجة الأولى. ومن شأن هذا الإجراء أن يرفع عن الزوجة عبء الدخول في صدامات أسرية ومجتمعية كما من شأنه أن ينتصر للمرأة الريفية المحكومة بالعادات والتقاليد والأعراف.
القاهرة - استقرت مصر على الاستعانة بالتجربتين الجزائرية والمغربية لمواجهة ظاهرة تعدد الزوجات من خلال اشتراط اللجوء إلى القاضي لمنحه رخصة الزواج الجديد أم لا، بعد موافقة السيدتين الأولى والثانية، وهذا ما نص عليه قانون الأحوال الشخصية الذي أحيل إلى الجلسة العامة في مجلس النواب المصري، ومن المقرر مناقشته خلال أيام قليلة تمهيدا لإقراره من رئيس الجمهورية.
يمنح القانون للرجل في الجزائر والمغرب أحقية الزواج الثاني وفق ما تقره الشريعة الإسلامية، طالما توافرت شروط العدل والاقتدار، لكن الشرط الأهم أن يتقدم الرجل بطلب الحصول على ترخيص بالزواج إلى القاضي، ولا تُمنح هذه الرخصة إلا إذا تأكد من موافقة الزوجة الأولى والثانية وقدم الزوج أدلة لتوفير العدل والاقتدار.
وأحدث مشروع القانون المصري جدلا واسعا، فهناك تذمر ذكوري من النصوص الواردة في مواده، مقابل دعم نسوي غير محدود، لكن طريقة تسويق المشروع في الإعلام وتسليط الضوء عليه وذكر إيجابيات تطبيقه توحي بأن هناك نية لتمريره والمصادقة عليه، باعتباره يتفق مع رؤى حكومية تريد تكبيل تعدد الزوجات.
ويلغي القانون ما سبق أن طرحته مشروعات موازية بحبس الرجل الذي يتزوج على شريكته دون علمها، وصار القضاء هو الطريق الوحيد الذي يمنحه هذا الحق عبر تقديم الزوج الراغب في الزواج الثاني طلبا لقاضي محكمة الأسرة لإخطار الزوجة برغبته في الزواج من ثانية، على أن تمثل لإبداء الرأي بالموافقة أو الرفض مع اشتراط إخطار المرأة المراد الزواج بها بأنه لديه زوجة أو زوجات أخريات.
مشروع القانون المصري أحدث جدلا واسعا، فهناك تذمر ذكوري من النصوص الواردة في مواده، مقابل دعم نسوي غير محدود
وستكون الخطوة التالية أن تستدعي المحكمة الزوجة المراد الزواج عليها للمثول أمام القاضي، فإذا تم إعلامها بالموعد ولم تحضر يُعد ذلك موافقة منها على التعدد، ويحق للرجل الزواج عليها أما إذا حضرت ورفضت وأصر الزوج على موقفه ولم تُفلح محاولات القاضي في الإصلاح بينهما وطلبت الزوجة الطلاق يُحكم لها بكامل حقوقها، ويلتزم الزوج بتنفيذ ذلك خلال شهر، وإلا رُفض طلبه بالتعدد.
ولن يكون بمقدور المأذون الشرعي كتابة وتوثيق عقد الزواج الثاني للرجل إلا إذا كان يمتلك ما يُثبت الإذن القضائي له على التعدد، وحال قام الزوج بادعاء أنه غير متزوج ليوهم المأذون بأنه يتزوج لأول مرة عوقب بتهمة التلاعب في أوراق رسمية (التزوير) ويعاقب عليها القانون بالسجن لمدة يحددها القاضي، ولا تقل عن عام.
ومن شأن المصادقة على تكليف القضاء بمهمة التصدي لتحجيم ظاهرة تعدد الزوجات أن ترفع عن النساء عبء الدخول في صدامات أسرية ومجتمعية إذا رفضن الزواج الثاني بشكل عرفي بعيدا عن المسارات الرسمية والقانونية، حيث يتعرضن لضغوط شديدة للقبول بالأمر الواقع بعد تدخلات من أقارب ووسطاء، لكن القبول أو الرفض سيكون أمام القاضي.
وترى أصوات نسائية أن ميزة القانون الجديد أنه يمنح الزوجة حقوقها كاملة إذا رفضت التعدد خلال شهر، بعدما كانت تعاني سنوات طويلة في أروقة المحاكم للحصول على حكم قضائي بالطلاق للضرر وتنال حقوقها بعد معاناة وتسويف.
ويمثل تعدد الزوجات في مصر منغصا أسريا، إذ يُستخدم من جانب الكثير من الرجال كأداة للتنكيل بالمرأة أحيانا ودفعها لطلب الطلاق لتخسر كل شيء، وإذا فشلت في إثبات تضررها من الزواج الثاني أو تهميشها مقابل الاهتمام بالزوجة الجديدة لا يمنحها حقوقها ولا ينفق عليها وأولادها.
القانون يلغي ما سبق أن طرحته مشروعات موازية بحبس الرجل الذي يتزوج على شريكته دون علمها
وتتعرض بعض الزوجات للخديعة ولا يعرفن بالزواج الثاني والثالث أحيانا إلا بالصدفة، حيث يتعمد الرجل إخفاء ذلك بحكم أنه لا توجد نصوص قانونية تمنعه من التعدد أو تشريعات تُلزم المأذون بالحصول على موافقة الزوجة الأولى، وهذه النوعية من الزيجات تفشل لعدم قدرة الرجل على الوفاء بمتطلبات أكثر من أسرة.
ويتطلب تمرير مشروع القانون بصيغته المعلن عنها دعما غير محدود من جهات عدة لإقناع المجتمع بأن ذلك لا يتعارض مع نصوص الشريعة، وأن التعددية لها سقف وحدود غير مفتوحة على مصراعيها، ما يعني ضرورة تحقيق العدالة الزوجية.
وبعيدا عن قهر الزوجة بالتعدد أمام الظروف الاقتصادية التي تعصف بأغلب الأسر أصبحت هناك حاجة ملحة لمواجهة ظاهرة مثنى وثلاث ورباع وفق متطلبات العصر وبشكل إنساني طالما أن مفهوم التعددية يطبق دون ضوابط، ويصعب معه الحفاظ على القوام الأسري، وصار سببا في تدني مستوى معيشة الأبناء والزوجات.
وقالت عنان حجازي استشارية العلاقات الزوجية بالقاهرة لـ”العرب” إن الإذن القضائي بالزواج الثاني من عدمه انتصار لكرامة وقيمة الزوجة وضمانة لإثبات قدرة الرجل على الوفاء بواجباته الأسرية، بالتالي فإن تحقيق العدل الزوجي عن طريق المحكمة ليس استهدافا للرجل وينطوي على التعامل مع الزواج بشكل إنساني.
ويؤكد حقوقيون أن مشروع القانون يحمل انتصارا مضاعفا للمرأة في الريف التي تعيش في مناطق تحكمها الأعراف والعادات والتقاليد، لأنها ستكون تحت حصانة قضائية عند تقرير مصيرها، وإذا مورست عليها ضغوط للموافقة على التعدد أو قبلت ذلك طواعية فالقاضي سيحكم لها بحقوق أدبية ومادية محددة وإذا أخل الرجل بها سيعرض نفسه للمساءلة.

وأضافت حجازي أن منح الزوجة حق تقرير مصيرها بالطلاق أو الاستمرار مع شريكة ثانية يحفظ كرامتها وآدميتها، فعلى الأقل لن تعيش مخدوعة أو يتم إجبارها على الاستمرار في علاقة إذا علمت حقيقتها ستقرر الطلاق.
وحملت ردود فعل الكثير من الرجال على مشروع القانون نوعا من شعورهم بالإهانة والانتقاص من رجولتهم، باعتبار أن زواجهم لمرة ثانية أو ثالثة سيكون تحت رحمة السيدات اللاتي في عصمتهن، بينما العادات والتقاليد المجتمعية تمنح الرجل حق الزواج دون استئذان، وهناك أسر تتعامل مع المرأة التي ترفض ذلك كمتمردة.
وتخشى منظمات نسوية مؤيدة للقانون أن تكون المؤسسة الدينية عقبة أمام تمريره، بدعوى أنه يُخالف الشريعة الإسلامية، لأن دار الإفتاء المصرية سبق وحددت موقفها بالرفض عندما عُرض عليها تفويض القضاء في التعدد عبر فتوى لإحدى السيدات، فجاء الرد بأن ذلك لم ينص عليه الشرع، وهو ما يتطلب إرادة سياسية لتمرير القانون.
وتكمن المشكلة في أن نصوص مشروع القانون لم تغلق الثغرات التي يمكن أن يستغلها بعض الرجال للتحايل على التعدد المشروط بموافقة الزوجة، فهناك من يلجأ للزواج العرفي (السري) كي لا يقع تحت رحمة زوجته، ما يعني أن هذا الزواج قد يكون الباب الخلفي والملاذ للهروب من الوقوف أمام القاضي لطلب إذن بالتعدد.
ويرى أصحاب هذا الرأي أنه من الضروري وضع عقوبات تحاسب من يتعمدون الالتفاف والتحايل على القانون باللجوء إلى الزواج غير الموثق، في ظل وجود أساليب عديدة للهروب من المسار القانوني وما يترتب على ذلك من أزمات أسرية وصراعات خاصة بإثبات النسب والميراث وسط حالة التمرد من رهن الزواج بموافقة النساء.