الحكومة المصرية تعدّل الخطاب المناوئ للاجئين من التصعيد إلى المرونة

مرونة الخطاب الذي أبدته الحكومة تجاه اللاجئين لا يعني بأنها قررت التراجع عن ترحيل المخالفين لكنه رسالة طمئنة للتعمال معهم بهدوء.
الأحد 2024/07/28
رسائل طمأنة

القاهرة- عدّلت الحكومة المصرية من خطابها السياسي في ملف اللاجئين، بتأكيدها أنهم “مصدر قوة”، إقليميا ودوليا، وهم ضيوف ويتم التعامل معهم على هذا الأساس، بعد فترة من التصعيد غير المسبوق ضدهم من مسؤولين وبرلمانيين ومواطنين، واتهامهم بأنهم سبب رئيسي في الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.

وأكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أخيرا أن اللاجئين من الدول المجاورة هم ضيوف مصر دفعتهم ظروف بلادهم للجوء إليها والاحتماء بها، وهذا جزء من مكانة مصر الدولية، كونها مقصد العالم وقت الأزمات، مشددا على أن القاهرة لم تقم أيّ معسكرات أو مناطق عازلة لهم بل سمحت بانغماسهم وسط المصريين دون تعقيد.

وجاءت تلك التصريحات بعد إجراءات اتخذتها السلطات المصرية بترحيل أيّ لاجئ ومقيم غير شرعي، ما أوحى للكثيرين بأنها قررت التخلي عن سياسة المهادنة والتعامل بإنسانية مبالغ فيها مع ملف اللاجئين، ومضت في تنفيذ تهديداتها بعدم مدّ مهلة تقنين أوضاع المقيمين غير الشرعيين بعد نهاية يونيو الماضي.

◄ مسؤولون دأبوا على مجاراة شريحة من المواطنين تتهم اللاجئين بأنهم سبب رئيسي في الأزمة التي تعيشها البلاد

وبدت مرونة الخطاب المصري تجاه اللاجئين محاولة لعدم خسارة المكاسب التي حققتها على مدار سنوات مضت، لأن الخشونة في التعامل معهم بإجراءات جديدة أو شحن الرأي العام ضدهم قد تتسبب في أزمات داخلية وخارجية.

ودافع رئيس الحكومة عن الإجراءات التي اتخذتها بلاده مؤخرا، بالعزم على ترحيل أيّ لاجئ أو أجنبي مخالف لضوابط الإقامة، ودون تمييز بين الجنسيات، بأن التحركات التي يتم اتخاذها تسري على المخالفين فقط، لكنه تمسك بتوصيل رسائل طمأنة للاجئين عموما بأن مصر لا تستهدفهم ولن تتخلّى عن إنسانيتها.

واتهمت منظمة العفو الدولية الحكومة المصرية باستهداف اللاجئين الذين يحملون الجنسية السودانية، وتتعمد ترحيلهم بشكل غير قانوني، وفي ظروف غير إنسانية، وهي اتهامات نفاها المجلس القومي لحقوق الإنسان في القاهرة، مؤكدا أن الترحيل يكون لارتكاب مخالفات أو القيام بتصرفات غير قانونية.

وتستضيف مصر التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 106 ملايين نسمة، ما يقرب من 9 ملايين مقيم أجنبي، وأغلبهم من اللاجئين الفارين من دول تضربها صراعات سياسية وأمنية، والنسبة الأكبر من هؤلاء يحملون جنسيات السودان وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا، وانتهت مهلة توفيق أوضاع المخالفين في يونيو الماضي دون قرار بمدّها.

يحيى كدواني: القاهرة تبعث برسائل لكل الأطراف، بأنها ماضية في التعامل مع اللاجئين بإنسانية
يحيى كدواني: القاهرة تبعث برسائل لكل الأطراف، بأنها ماضية في التعامل مع اللاجئين بإنسانية

ودأب مسؤولون على مجاراة شريحة من المواطنين في اتهام اللاجئين بأنهم سبب رئيسي في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وسط مطالبات فئوية بترحيلهم، ما أحدث جدلا واسعا ومخاوف لدى لاجئين من المصير المجهول، واضطرت الحكومة لطمأنتهم عبر رسائل سياسية هادئة تؤمّن لهم البقاء في مصر شريطة تقنين الأوضاع.

ويرى مراقبون أن رسائل الطمأنة من جانب الحكومة تجاه اللاجئين لا توحي بأنها قررت التراجع عن ترحيل المخالفين لشروط الإقامة، لكنها ستتعامل بهدوء وبلا خشونة مادية، مع إقناع المواطنين المصريين بأن النظام مستمر في التعامل مع اللاجئين كضيوف، وعليهم الالتزام بتلك السياسة بلا تحفز أو اضطهاد ضدهم.

وتعبّر هذه الرسائل عن ثبات الموقف المصري الإنساني تجاه اللاجئين، مهما كانت هناك حدة في الخطاب الرسمي طوال الأسابيع الماضية، حيث تتعامل القاهرة مع هذا الملف باعتباره يمثل لها قوة إقليمية مضاعفة من الناحية السياسية، واستفادت منه مؤخرا بحزمة تمويلية دولية من الاتحاد الأوروبي تقدر بقيمة 7.4 مليار يورو، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملف الهجرة إلى أوروبا.

وقال اللواء يحيى كدواني عضو لجنة الأمن القومي في مجلس النواب المصري إن هدوء الخطاب الرسمي تجاه اللاجئين يشير إلى عدم اكتراث الحكومة بمطالبات ترحيلهم، وأن الشحن المعنوي ضدهم من جانب البعض لا يلقى صدى حكوميا، لأنه يتناقض مع سياسات القاهرة تجاه ضيوفها، وهذه عقيدة راسخة عند النظام برمّته، وكان ضروريا التفرقة بين اللاجئين عموما، والمخالفين منهم.

وأضاف لـ”العرب” أن القاهرة تبعث برسائل لكل الأطراف، بأنها ماضية في التعامل مع اللاجئين بإنسانية، وتوجه خطابها للداخل بأن الحكومة لم ولن تستهدف اللاجئين أو تقوم بترحيلهم كما تسوق بعض التيارات والمنظمات المناوئة للدولة، وهذا تحرك إيجابي لوضع حد لخطاب الكراهية الذي يتبناه البعض بالمخالفة لقناعات السلطة.

وتصاعدت حملات الاستهداف تجاه السودانيين في مصر بسبب تصرفات فردية من بعضهم، تسببت في زيادة منسوب الكراهية ضد المهاجرين عموما، ما دفع الحكومة لقطع الطريق على من اعتادوا النفخ في الامتعاض الشعبي من اللاجئين وتحريض الشارع للدخول في صدام معهم لإرباك السلطة ودفعها نحو اتخاذ إجراءات خشنة.

◄ منظمة العفو الدولية اتهمت الحكومة المصرية باستهداف اللاجئين الذين يحملون الجنسية السودانية

وقد لا تخلو النبرة الهادئة من الحكومة عن تخطيطها لمنح اللاجئين غير الشرعيين فرصة لتوفيق أوضاعهم دون أن يصدر بذلك قرار رسمي يُصوّرها بأنها ضعيفة أو قليلة الحيلة في مواجهة المخالفين، ما يسمح لها بتحقيق عوائد دولارية ضخمة، حيث يدفع كل فرد نظير الإقامة الشرعية ألف دولار سنويا، ومن ناحية أخرى تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها ماضية في تحمل مسؤولية اللاجئين الأخلاقية.

ويحمل موقف القاهرة استجابة ضمنية للمنظمات الحقوقية التي صعّدت من مطالباتها مؤخرا وحثتها على ضرورة أن تعيد النظر في الإجراءات الصارمة التي تتخذها ضد اللاجئين لما تحمله من تداعيات سلبية عليهم، لأن الكثير منهم من محدودي الدخل وإلزامهم بدفع رسوم مادية مبالغ فيها يشكل عبئا مضاعفا لا يتناسب مع أوضاعهم، وليس ذنبهم أن الجهات الدولية المانحة تتعامل مع مصر بتقشف.

واعتاد مسؤولون مصريون الشكوى من عدم تجاوب الجهات الدولية المانحة مع مطالب القاهرة بتقديم المزيد من المساعدات المالية لإعانتها على تحمل الملايين من اللاجئين، بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية الراهنة والظروف المعيشية الصعبة لعدد كبير من المواطنين، لكن يبدو أن الحكومة المصرية اقتنعت أن مساومة المجتمع الدولي عبر التلويح بإجراءات ضد اللاجئين لن يُجدي نفعا.

 

اقرأ أيضا:

          • مصر تجاوزت الحاجة إلى الحوار الوطني

1