الحكومة المصرية تعدّل أولوياتها أمام الغضب من تهميش التعليم

تعيين 150 ألف معلم يؤكد التزام السيسي بالتجاوب مع رغبات المواطنين.
الأربعاء 2022/06/29
خطوة لتقليص العجز في الإطار التربوي

القاهرة – بدأت الحكومة المصرية تنفيذ تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعيين 150 ألف معلم لسد العجز في المدارس الرسمية، كأحد الحلول لمواجهة الغضب المتصاعد من المواطنين ضد الارتباك الحاصل في ملف التعليم، في إشارة واضحة إلى إجراء تعديلات على سياسة الحكومة التي وجدت أن التركيز على الشق التنموي والاقتصادي ليس كافيا لإرضاء المواطنين.

وأعلن طارق شوقي وزير التربية والتعليم الأحد عن بدء التقديم لمسابقة تعيين 30 ألف معلم في الثاني من يوليو المقبل، حيث سيجري تعيين الـ150 ألف معلم على خمس مراحل، مؤكدا أن “موافقة الرئيس السيسي على تعيين هذه الأعداد تعكس اهتمامه بالتعليم والتعامل معه كأولوية قصوى، مثلما ينظر الناس إلى أولوية تعليم أولادهم”.

واضطرت الحكومة إلى توفير اعتمادات مالية ضخمة لتعيين عشرات الآلاف من المعلمين في جهازها الإداري أمام تكرار وقائع الاحتجاج ضد فراغ بعض المدارس من المعلمين بدعوى وجود أزمة اقتصادية لا تمكن من فتح باب التعيين أمام الخريجين، في حين أنها تنفق الكثير على تنفيذ مشروعات تنموية باهظة التكلفة.

ومع كل نقاش مرتبط بأزمات التعليم في مصر تحدث مقارنات بين تجاهل الحكومة توفير مخصصات مالية لتطوير التعليم من ناحية والاهتمام بالمشاريع العمرانية الضخمة من ناحية أخرى، وكثيرا ما نالت قدرا كبيرا من اللوم والغضب لأنها تركز على بناء الحجر قبل البشر، وترفض توفير معلمين للملايين من الطلاب في مراحل مختلفة.

سعيد صادق: الحكومة المصرية تجنبت تأسيس معارضة مجتمعية

وعكس تدخل الرئيس المصري لتعديل سياسة الحكومة من التركيز على الاقتصاد إلى الاهتمام بالمشروعات الخدمية ذات الارتباط المباشر بحياة الفقراء ومتوسطي الدخل، مثل التعليم، إمكانية حدوث تعديلات في أولويات المشروعات الكبرى ذاتها.

وكشف هذا الاتجاه عن مدى إدراك دوائر صناعة القرار أنه مهما كانت هناك إنجازات تنموية وقومية لن تجد صدى إيجابيا عند شريحة كبيرة من المصريين طالما أن الحكومة تتجاهل أولوية التعليم لدى الشارع.

ولا يزال التعليم بالنسبة إلى المصريين في صدارة الأولويات ولا يقل أهمية عن رغيف الخبز (العيش)، في حين يصل عجز المعلمين في المدارس الحكومية إلى 325 ألف معلم في كل المراحل التعليمية، وهو رقم ضخم إذا قورن بالطلاب الذين يصل عددهم إلى 25 مليونا، أي حوالي 25 في المئة من تعداد السكان، ما يعني أن التقصير في خدمتهم سوف تكون له انعكاسات سياسية سلبية على الدولة.

ويرى مراقبون أن السيسي يسعى إلى تثبيت مصداقيته عند الشارع بتدخله المباشر لمنح قطاع التعليم جزءا من اهتمامات الحكومة، لأنه حين تمّ تنصيبه في ولاية حكمه الثانية عام 2018 تعهد بأن تكون أولوياته الأساسية خلال هذه الفترة التعليم والصحة والثقافة، ولا يرغب في الظهور أمام الناس بصورة غير التي يريد أن يستمر عليها.

ويصعب فصل تدخل الرئيس المصري لتعيين الآلاف من المعلمين الجدد عن إيحاء وزير التعليم بأن السيسي يعرف كل كبيرة وصغيرة عن ملف التعليم ويتابع خطوات الحكومة في تطويره لحظة بلحظة، ما تسبب في توجيه الغضب ضد النقص الحاد في المعلمين إلى رأس السلطة باعتباره المسؤول عن إطلاق مشروع تطوير التعليم ويعرف احتياجاته بالضبط.

ولا يرغب الرئيس السيسي في استمرار المقارنة بين مخصصات ميزانية الحكومة للمشروعات القومية، وتلك المرتبطة بإصلاح حال التعليم في البلاد، والإيحاء بأن جزءا قليلا من المخصصات المالية الموجهة إلى الشق الاقتصادي والتنموي يمكن من خلالها القضاء على أزمات المنظومة التعليمية والصحية وغيرهما من القطاعات الخدمية المرتبطة بصميم حياة الناس.

التعليم لا يزال بالنسبة إلى المصريين في صدارة الأولويات ولا يقل أهمية عن رغيف الخبز

ورأى سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن الحكومة أدركت ضرورة إعادة النظر في تركيزها على الشق الاقتصادي دون توجيه نفس الاهتمام إلى قطاعات خدمية حيوية كالتعليم، تجنبا لتأسيس معارضة مجتمعية في صورة طلاب وأسر وخريجين، وهذا له انعكاسات سلبية.

وأضاف لـ”العرب” أن “الحكومة تعتقد أن الاستثمار الأهم في الاقتصاد، والأهالي يستثمرون في تعليم أولادهم. وهنا تفرض الحنكة السياسية أن يوازن صانع القرار بين أولويات الدولة من جهة وأولويات الشارع من جهة ثانية، حتى لا تظل الحكومة متهمة بالتقصير في إصلاح قطاعات لها اتصال مباشر بالناس”.

وتتمسك الحكومة بالاستثمار في البنية التحتية وإقامة المشروعات التنموية الضخمة، باعتبار أن ذلك هو المسار الأمثل لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية بما ينعكس على معدلات التنمية ويستفيد منه بالتبعية المواطن البسيط ومتوسط الدخل، لكن هذه الرؤية تواجه تحديات مرتبطة بالإخفاق في إقناع الناس بها وحاجة الناس إلى خدمات مباشرة.

وبلغ غضب البسطاء من تدهور قطاع التعليم الحكومي إلى حد أنهم ربطوا تجاهل تعيين معلمين جدد بمحاولات عرقلة صعود أبناء خريجي المدارس المجانية من الفقراء لقيادة أي حراك سياسي أو اجتماعي مستقبلي، لأن هذه المدارس لا تزال تتربع على القمة في تخريج عقليات علمية متميزة وبسمات استثنائية وتتفوق سنويا على خريجي المدارس الخاصة.

وقد وجدت الحكومة أنه مع استمرار شعور محدودي الدخل بالتهميش عبر تجاهل توفير بيئة تعليمية لائقة لأبنائهم، فإن قراراتها وسياساتها التي تستهدف بها تحسين مستوى معيشة هذه الشريحة لن تكون ذات جدوى بعدما أصبح التقصير في حق التعليم سببا في الفجوة الشاسعة بينها وبين الشارع ومثار غضب متصاعد يمكن علاجه بتعديل الأولويات.

2