الحكومة المصرية تطرق أبواب أسر تتبنى ختان الإناث

لا فائدة من التشدد في العقوبات مع غياب الحوار المباشر.
الثلاثاء 2023/11/28
الأطباء عنصر مهم في حملات التوعية

يؤكد استشاريو العلاقات الأسرية محدودية التشريعات في القضاء على ظاهرة ختان الفتيات أمام الحملات التوعوية التي تعتمد على المواجهة الفكرية والثقافية والدينية على أرض الواقع، مشيرين إلى أن الشريحة الأكثر تقديسا للختان، إما أميّة أو تربط الأمر بالدين، ما يصعّب من فهمها للقوانين. واختارت الحكومة المصرية طرق أبواب منازل العديد من الأسر ضمن حملة موسعة لإقناعهم بالعدول عن ختان البنات.

القاهرة - شرعت الحكومة المصرية في الذهاب إلى ما هو أبعد من توجيه مجرد خطاب إعلامي وديني وتثقيفي للأسر التي لا تزال تتبنى ختان الإناث، وقررت طرق أبواب منازلهم ضمن حملة موسعة تستهدف المحافظات المختلفة في البلاد، تقوم على التشاور وجها لوجه مع أرباب الأسر لإقناعهم بالعدول عن عادة الختان.

وأعلن المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية) أن الزيارات المنزلية إلى الأسر تهدف إلى توصيل خطاب توعوي مباشر إلى الآباء والأمهات والفتيات بحتمية التخلي عن عادة الختان السيئة، وتوضيح خطورتها الصحية والنفسية والجسدية، وأنها لا علاقة لها بالعفة والطهارة ولم تنص عليها الأديان السماوية.

وأكد المجلس أن الزيارات المنزلية المرتبطة بالتحذير من الختان مستمرة حتى يتم القضاء على هذه العادة من خلال لجان متخصصة تتحدث مع الأهالي وتختار المناطق التي تنتشر فيها وتعمل على تغييرها بخطاب مبسط يتناسب مع معتقدات السكان.

وتحظى الزيارات المنزلية بدعم غير محدود من المسؤولين الحكوميين المعنيين بكل محافظة مصرية لتوصيل رسائل إلى الأسر بأن محاربة الظاهرة توجه دولة وليس جهة حكومية بعينها، ما أتى بنتائج إيجابية على مستوى اقتناع الكثير من العائلات بأن الختان تصرف ذميم يستدعي الإقلاع عنه.

الزيارات المنزلية إلى الأسر تهدف إلى توصيل خطاب توعوي مباشر إلى الآباء والأمهات والفتيات بحتمية التخلي عن عادة الختان

وكشف تقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (جهة حكومية) عن انخفاض نسبة المختونات في الفئة العمرية من (0 – 17 سنة) من 18 في المئة عام 2014 إلى 12 في المئة حاليا، وتراجعت نسبة قبول الأمهات بختان بناتهن إلى 13 في المئة، مقارنة بضعف هذا الرقم سابقا.

وتقوم الحملة التوعوية المنزلية على مسارات عدة، حيث يشارك فيها عضوات وأعضاء المجلس القومي للمرأة في المحافظات ومسيّرات المجلس والشابات المتطوعات، إضافة إلى عدد من القيادات الدينية الموثوق بها من الأئمة والقساوسة والواعظات والراهبات لنفي وجود أيّ علاقة بين الدين وختان الإناث.

ويركز الخطاب الموجه إلى الأسر على إزالة ما ارتبط بأذهان الناس من إضفاء للقدسية على الختان، مع نشر الوعي بالعقوبات القانونية التي توقع على كل من مارس الختان كالطبيب وأطقم التمريض وغيرهم من مقدمي الخدمات الطبية والأبوين، مع الإشارة إلى الآثار النفسية والجسدية لضحايا الختان.

وعكس التوجه الجديد بنزول ممثلي الحكومة إلى أرض الواقع والذهاب إلى الأسر في منازلهم أن المؤسسات المعنية بمواجهة الختان أدركت عدم فائدة أيّ عقوبات أو حملات إعلامية لإقناع الأسر بالعدول عن موقفها دون الاحتكاك المباشر مع الأهالي، كبداية لتغيير معتقدات مجتمعية ودينية راسخة.

وتستهدف الحملات المنزلية، الرجال والنساء معا، بعد أن ظل الخطاب المرتبط بمحاربة الختان موجها إلى الأمهات فقط، مع أن السيدات في المناطق الريفية والشعبية والقبلية لا يكون لها قرار داخل المنزل يتيح لها الموافقة أو الرفض على الختان، بل يظل الرجل صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.

وما يعزز واقعية التعامل مع ظاهرة ختان الإناث أن المؤسسات المعنية بشؤون المرأة والطفل في مصر بدأت مؤخرا تحديد المناطق التي تنتشر فيها هذه العادة الخاطئة، والنزول إليها بشكل مكثف، وعدم الخروج من المنطقة إلا بعقد لقاءات مع كل الأسر فيها، خاصة الآباء والأجداد، لتغيير مفهوم الختان.

وظلت الجلسات التوعوية حول الختان بلا فائدة تُذكر، كون الهيئات المسؤولة عن الملف تعاملت لسنوات طويلة مع الأمر بطريقة تقليدية أقرب إلى الترويج لنفسها، لا تنفيذا لحملات على الأرض بشكل واقعي وفعال، وكان يتم تسويق الأمر سياسيا بتسليط الضوء على التحركات كنوع من الدعاية للحكومة.

وحسب ما قالت الرائدة الريفية عايدة السيد لـ”العرب” يتم تحديد المناطق الأكثر تقديسا للختان في كل إقليم، واختيار أشخاص موثوق بهم عند الأهالي للمشاركة في الحملة التوعوية، مثل المعلمين ومدراء المدارس وأئمة المساجد والشخصيات المؤثرة بين العائلات، فضلا عن أكثر الأطباء ثقة عند الناس.

وأضافت أنه في الماضي القريب كان يتم تنظيم لقاءات جماهيرية مع الأسر في مراكز الشباب أو المراكز الثقافية بالقرية أو المنطقة السكنية، لكن في الوقت الراهن أصبح المعنيون بمحاربة ختان الإناث يذهبون إلى الناس في منازلهم، ويتم تجميع مجموعة من أرباب العائلات للتحاور معهم بشكل مباشر.

ختان الإناث

وفي البداية، يتم الاستماع إلى كل أم وأب عن رؤيته للختان وكيف ينظر إلى هذا الفعل، ويشرح كل طرف الأسباب التي تجعله يؤمن بأن ختان الأنثى مفيد صحيا ونفسيا، وبعدها يتدخل المتخصصون لتفنيد كل هذه الأفكار ودحضها بأسلوب علمي وديني بسيط يتناسب مع مستوى تعليم تلك الفئة.

ويتم بث مقاطع فيديو لحالات فتيات تعرضن للختان لكنهن عانين من مشكلات صحية ونفسية بالغة القسوة بعد ذلك، بحيث يتم تثبيت فكرة أن هذا التصرف يحمل جريمة أسرية بحق الأنثى، وأبعد ما يكون عن تنفيذ تكليف ديني أو له أيّ فوائد طبية، بحيث يتم إقناع الناس بحتمية العدول عنه.

ولا تخلو الزيارات المنزلية لمحاربة الختان من التركيز على التشريعات التي أقرّتها الحكومة في الماضي القريب، لأن الكثير من الأسر البسيطة لم تسمع عنها من قبل أو تعي بوجود قوانين تعاقب على هذا الفعل، بحيث تكون هناك رسائل توعية مرتبطة بخطاب ترهيبي يعزز موقف المشاركين في الحملة.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن الوصول إلى الفئات الأكثر إيمانا بضرورة الختان مع خلال متخصصين ورجال دين وأطباء وشخصيات مؤثرة يسهّل ضرب المعتقدات الخاطئة التي توارثتها الأجيال عن هذه العادة، سواء أكانت مرتبطة بالدين أم الطب أم بالطقس المجتمعي والعفة والطهارة.

وتشير أرقام معلنة عن اقتناع العديد من الأسر بالإقلاع عن فعل الختان إلى أن النسبة الأكبر من العائلات في مصر تربت على هذا التصرف كإرث ثقافي وفكري، لكنها مستعدة للتخلي عنه شريطة أن تجد من يرشدها إلى الصواب ويصحح مفاهيمها ويصل إليها بخطاب مقنع يفند كل الادعاءات القديمة.

الجلسات التوعوية حول الختان ظلت بلا فائدة تُذكر، كون الهيئات المسؤولة عن الملف تعاملت لسنوات طويلة مع الأمر بطريقة تقليدية أقرب إلى الترويج لنفسها

وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك إن الحملات التوعوية تظل حائط الصد الأكثر فاعلية للقضاء على الختان، شريطة محاصرة كل المعتقدات الخاطئة عن تلك العادة ونسفها ولا تكون هناك ثغرة ينفذ منها المؤيدون للختان، سواء كانت دينية أو مجتمعية أو مرتبطة بالعرف السائد.

وأوضحت لـ”العرب” أن المواجهة الفكرية والثقافية والدينية على الأرض، أهم مئة مرة من التشريعات التي تحارب الختان مهما بلغت العقوبات بها، لأن الشريحة الأكثر تقديسا للختان، إما أميّة أو تربط الأمر بالدين، وترى أن تمردها على القوانين واجب.

ولفتت إلى أن أهم ما يميز الخطاب التوعوي حول الختان إغلاق الطريق على الشيوخ المتشددين الذين يربطون العادة بالدين، بالتالي من المهم تكثيف الجرعة المرتبطة بعدم وجود علاقة بين العقيدة والختان، مع تكثيف مماثل للجرعة المتعلقة بنفي علاقة العفة بالختان.

وقد تختتن الفتاة أكثر من مرة بدعوى حمايتها من الانحراف والحد من شهوتها الجنسية، لكن الحملات المنزلية أصبحت تركز على نسف علاقة الأخلاق بالختان، لأن التربية الأسرية هي الأصل.

وبعيدا عن التوقيت الذي ستعلن فيه الحكومة وصول معدلات الختان إلى الحد الأدنى، فالمؤكد أن الزيارات المنزلية أظهرت أن القانون وحده لا يمكنه أن يغير العادات، والاشتباك مع الأسر حلّ واقعي أمام ارتفاع معدلات الأمية إلى مستويات قياسية.

15