الحكومة المصرية تطارد المتزوجات عرفيا للحفاظ على المعاش

ضيقت الحكومة المصرية الخناق على النساء الراغبات في الزواج العرفي للحصول على مساعدة حكومية أو الاحتفاظ بمعاش الآباء بأن حددت سنا لا يقل عن الخمسين عاما للحصول على المعاش. وبررت الحكومة بأن عدم تحديد سن معيّن للمرأة مستحقة المعاش يشجع على الزواج العرفي بدلا من حث المرأة على العمل والإنتاج.
القاهرة - اضطرت أمل حمدي، وهي معلمة مصرية توفى زوجها، إلى الزواج العرفي العام الماضي كي تجمع بين راتبها ومعاش والدها في ظل ظروف معيشية صعبة تتعرض لها، وأمام إصرار الحكومة على رفض حصول المتزوجة على معاش، طالما أنها في عصمة رجل يفترض أن ينفق عليها بدلا عن الدولة.
لا تعلم بزواج أمل سوى مجموعة من صديقاتها والبعض من أقاربها المؤتمنين على السر، خوفا من أن يصل خبر زواجها إلى الجهات المسؤولة وتُحرم من معاش والدها، مع أن لديها ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، ولا تضمن إمكانية الاستمرار في الزواج من عدمه، فقد يحدث الطلاق وتخسر كل شيء.
صُدمت الأم من القانون الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب مؤخرا، ويتضمن مادة خاصة بمعاقبة من تتزوج عرفيا للاحتفاظ بالمعاش لغرامة مالية تصل إلى ألف دولار، وتُحرم من المعاش، وتلتزم برد ما تحصلت عليه بالمخالفة إلى الحكومة، ومعاقبة الموظف المسؤول عن ذلك بالحبس.
تمسكت الحكومة في القانون الجديد بتحديد تعريف جديد للأنثى التي لم تتزوج وتستحق الحصول على مساعدة من الحكومة في صورة “معاش شهري” إذا كانت بلا عائل ينفق عليها أو يستمر حصولها على معاش آخر من الأب أو الأم أو الزوج المتوفى، بأنها “من تبلغ سن خمسين عاما، وليس أقل من ذلك”.
دافعت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج على موقف الحكومة بأن عدم تحديد سن معيّن للمرأة مستحقة المعاش يشجع على الزواج العرفي بدلا من حث المرأة على العمل والإنتاج، ولا يجب إلقاء المسؤولية على الحكومة، لأن عدم وضع حد لتلك الظاهرة يفتح الباب على مصراعيه للخروج من دائرة الزواج الرسمي إلى العرفي.
قالت أمل لـ”العرب” إن القانون الجديد يحمل انتكاسة للمرأة التي تزوجت عرفيا كي لا تخسر المعاش، وكان أولى بالحكومة أن تقف إلى جانب هؤلاء النسوة بدلا من مطاردتهن، فلن تلجأ أي سيدة إلى زيجة عرفية إلا بسبب ظروفها المعيشية الصعبة، لأنها تضحى بالكثير من حقوقها كي تعيش مستورة.
وتمنت الزوجة، وآلاف السيدات معها، تدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدعم حقوقهن في السماح للمطلقة والأرملة والأنثى، بأن تتزوج، مع الاحتفاظ بالراتب والمعاش، ولا تتم معاقبتهن بالحرمان من أموال الأب والأم لمجرد أنهن أصبحن متزوجات وتركن حياة العزوبية والطلاق.
تبرر كل سيدة تلجأ إلى خيار الزواج العرفي بأن الحكومة هي من دفعت لهذا المسار غير الآمن، لأن الغلاء ارتفع، وظروف الحياة صارت قاسية، وبدائل جني المال شبه منعدمة، لذلك يتم التحايل على القانون بإخفاء الزواج كي لا تعلم الجهات الرسمية.
وتتحجج الحكومة بأن المرأة بعد زواجها تصبح تحت ولاية رجل ولا يحق لها الحصول على المعاش، فالزوج الذي تعيش معه يجب أن ينفق عليها ويوفر لها كامل احتياجاتها وأسرتها، وليس من دور الدولة أن توفر لهذه السيدة وغيرها دخلا شهريا بعد أن أصبحت في عصمة شخص مُلزم بذلك تحت أي ظرف.
بلغ تحايل بعض النساء في مصر للحصول على مساعدات حكومية شهرية، حد ادعاء الطلاق دون وقوعه رسميا، ويكون ذلك بشكل صوري وعبر اتفاق مسبق بين الزوج والزوجة، حيث يستخرجان وثيقة رسمية تفيد بأنهما انفصلا دون أن يقول الرجل لزوجته شفهيا العبارة الشهيرة “أنتِ طالق”.
وبعدها تقوم السيدة (الزوجة) بتقديم المستند الخاص بالطلاق إلى وزارة التضامن الاجتماعي لتحصل على معاش بحكم أنها مطلقة، في حين أنها تعيش مع زوجها عرفيا، ولأن الأزهر يتمسك بوقوع الطلاق الشفهي ولا يعترف بالوثيقة الرسمية، تكون هذه المرأة في نظر القانون وأمام الحكومة، مستحقة للمعاش.
أكدت أمل لـ”العرب” أنها تعرف بعض السيدات اللاتي لجأن إلى الطلاق الصوري للحصول على معاش شهري من الحكومة بحجة أنهن بلا عائل، وهناك حالات لأسر فقيرة لا تعارض ذلك التصرف، الذي يجلب مساعدات مالية تعينها على صعوبات الحياة المعيشية، والحكومة يصعب عليها إثبات ذلك.
هناك اختلاف بين رجال الدين في مصر حول مشروعية حصول المرأة على المعاش بالالتفاف على القوانين، وتوجد أصوات أباحت للمرأة الزواج عرفيا لاستمرار المعاش، فالزواج السري مباح طالما تم في وجود شهود، وبلا أوراق رسمية.
وحرّم الأزهر ودار الإفتاء التصرف ذاته، لأنه يمثل تحايلا على القانون، بالتالي فالأموال التي يتم الحصول عليها ترتقي إلى مرتبة السرقة من المال العام، وعلى السيدة الرضا بالنصيب والزواج رسميا خوفا من ضياع حقوقها مستقبلا، لأن الزواج العرفي إذا انتهى بالطلاق تخسر المرأة كل شيء.
يرى معارضون للقانون الجديد أن الحكومة تكيل بمكيالين عندما لا تساوي بين الرجل والمرأة في الجمع بين الراتب والمعاش الذي يتركه الأب أو الأم، بحجة أنه إذا تزوج يحق له الاحتفاظ بنفس الحقوق المالية لأنه مسؤول عن بيت وأسرة بحاجة إلى إنفاق، مع أن السيدة تُحرم من ذلك بمجرد الدخول في علاقة زواج.
وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج دافعت على موقف الحكومة وأكدت أن عدم تحديد سن معيّن للمرأة مستحقة المعاش يشجع على الزواج العرفي بدلا من حث المرأة على العمل والإنتاج
يعتقد هؤلاء أن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الاحتفاظ بالمساعدات الحكومية بعد الزواج “عنصرية فجّة تجاه النساء”، بما يتناقض مع رؤية الدولة التي تقر المساواة بين الجنسين، وتروج لمكتسبات غير مسبوقة للسيدات، بينما تبدو الحكومة كأنها تفرض عليهن الرهبنة أو خسارة المعاش.
تزداد الأزمة تعقيدا عند المرأة المصنفة بأنها من ذوات الإعاقة، فهي مضطرة أكثر من قريناتها الأصحاء لإخفاء زواجها كي تحتفظ بالمعاش، فاحتياجاتها ومصروفاتها أكثر، مثل شراء أجهزة تعويضية ومقاعد متحركة، ودائما بحاجة إلى المال بعيدا عن موارد زوجها حتى لا تُثقل عليه ويمتعض منها.
أوضح محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة أن الزواج العرفي للمرأة مخاطرة كبيرة، فقد تضطر لإخفائه للحصول على بعض المكتسبات المادية، لكن في لحظة معينة قد تجد نفسها في دوامة يصعب الخروج منها، عندما تتعرض للطلاق ويُنكر الزوج هذه العلاقة، وكل ما نتج عنها ليتبرأ من كل شيء.
وأشار لـ”العرب” إلى وقائع مرتبطة بصعوبة إثبات نسب الأبناء للزيجات العرفية، وهذا في حد ذاته أمر مرعب للمرأة، ويفترض إيجاد حل وسط يضمن للسيدة حياة كريمة داخل أسرتها الجديدة من دون أن تشعر كأنها عوقبت على توديع حياة العزوبية والزواج من رجل، ما يؤثر على استقرار الأسرة كلها.
تعاني المتزوجة عرفيا في مصر من نظرة دونية كأنها ارتكبت خطيئة، مع أنها سلكت هذا المسار بدافع الستر المادي والهروب من تلميحات وتوصيفات قاسية ووصمهن بالعوانس، ما يفرض على الحكومة التعامل مع حالات الاحتفاظ بالمعاش بنظرة أكثر إنسانية، وليس إجبارهن على أوضاع قد تعمق من سوء أوضاعهن المعيشية، والاختيار بين استمرار العنوسة والطلاق أو الزواج وخسارة المساعدات.