الحكومة المصرية تشن حملة على الفساد بعد انتقادات المعارضة

توقيف مسؤولين كبار لا يكفي لاجتثاث شبكات المصالح المتشعبة.
الاثنين 2025/02/24
الفساد يعمق الفوارق الاجتماعية

قامت السلطات المصرية مؤخرا بشن حملة اعتقالات طالت مسؤولين متهمين في قضايا فساد، وسط مطالبات بألّا تكون هذه التحركات مجرد رد فعل ظرفي على التراجع المسجل في مؤشر مدركات الفساد، والذي أثار انتقادات واسعة في صفوف المعارضة.

القاهرة - أكد التصعيد الحكومي في مصر ضد وقائع فساد في جهات مختلفة أخيرا، وجود توجه رسمي لتعزيز مصداقية الجهاز الإداري للدولة وإعادة الأمل في التغيير وإقصاء المسؤولين الذين اعتادوا نهب المال العام، لكن التحركات تصطدم بصورة سلبية عن ترتيب مصر في مؤشر الشفافية عقب تراجعها بشكل لافت.

تمكنت هيئة الرقابة الإدارية، وهي أعلى جهاز رقابي في مصر، قبل أيام من ضبط خمسة وقائع فساد تتراوح بين محاولات للاستيلاء على أراضي الدولة بمستندات مزيفة، وأخرى لتلقي مسؤولين رشاوى مالية نظير تقديم خدمات معينة، وأخرى لمنح تراخيص بالمخالفة للقانون وتسهيل إجراءات مقابل مزايا عينية.

لم تفلح تلك التحركات في تهدئة غضب عدد من نواب البرلمان المحسوبين على تيار المعارضة، وطالبوا باستدعاء الحكومة بعد صدور مؤشر مدركات الفساد العالمي عن منظمة الشفافية الدولية الذي أظهر تراجع مصر 22 مركزا، لتحتل المرتبة 130 من أصل 180 دولة، بمجموع 30 نقطة من 100.

وقال نواب عن الحزب المصري الديمقراطي إن هناك آثارا سلبية خطيرة تترتب على انتشار الفساد، على رأسها تراجع ثقة المستثمرين وتدهور بيئة الاستثمار، لأن ضعف الشفافية في التعاقدات الحكومية يقود إلى النفور وإهدار المال العام.

كريم العمدة: من المهم أن يشعر كل مسؤول بأنه تحت الرقابة طوال الوقت
كريم العمدة: من المهم أن يشعر كل مسؤول بأنه تحت الرقابة طوال الوقت

وذهب بعض النواب إلى أن التراخي في مواجهة الفساد يزيد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وانتشار الفقر، أمام سوء توزيع الموارد، بالتوازي مع إضعاف مؤسسات الدولة وتراجع سيادة القانون وتآكل الثقة في الأجهزة الإدارية وصعوبة محاسبة المخالفين، مع هروب رؤوس الأموال وارتفاع معدلات التضخم بما يضر بالقدرة الشرائية ويهدد العدالة الاجتماعية.

وشملت المطالبات البرلمانية من الحكومة، سرعة إجراء تحليل شامل للأسباب التي أدت إلى تراجع مصر في مؤشر مدركات الفساد العالمي، مع عرض الإجراءات المتخذة لتعزيز النزاهة والشفافية وتقييم فاعلية القوانين الحالية في التصدي للفساد، ودعم إجراءات تعزيز استقلالية الأجهزة الرقابية ومنحها صلاحيات إضافية.

وتعتقد دوائر سياسية أن تأخر اليقظة الحكومية ضد الفساد قاد إلى انحراف بعض المسؤولين، رغم وجود جهات رقابية على قدر عال من الكفاءة والشفافية والنزاهة، لكن تظل هناك بعض العراقيل التي تحول دون إطلاق يديها في التصدي بقوة وحزم بعيدا عن المواءمات الخفية حتى لا تنهار الثقة في أجهزة الدولة.

وقوبل الإعلان عن وقائع ضبط مسؤولين فاسدين أخيرا بترحيب من شرائح مجتمعية ودوائر سياسية عديدة، وأظهرت وجود موظفين كبار من الضروري قصقصة أجنحتهم ومحاسبتهم طالما يتحصلون على امتيازات لا يستحقونها.

وتصطدم الحرب على الفساد في مصر بجملة من التعقيدات الإدارية والثغرات القانونية، مع وجود الكثير من الشبكات المتداخلة؛ موظفين ومسؤولين يجيدون استغلال مناصبهم والتغطية على خروقاتهم، ما يغل يد الجهات الرقابية أحيانا في الوصول إلى هوية المتورطين الحقيقيين لتجنب القبض على أبرياء أو مغرر بهم.

ويرى مراقبون أن هناك إرادة سياسية لردع الفساد داخل الحكومة، لكنها لا تكفي وحدها للقضاء عليه، بعد أن قادت البيروقراطية إلى تململ شعبي داخل بعض المؤسسات، وتسببت في تعطيل معدلات التنمية وتراجع الاستثمارات وحرمان مواطنين من حقوقهم قبل تقديم مقابل مادي.

ويؤكد هؤلاء المراقبون أن القضية أكبر من مجرد إرادة سياسية تطلق يد الأجهزة الرقابية وتمنحها حرية الحركة، والملف برمته يحتاج إلى أن تتعامل معه الحكومة كأولوية مرتبطة بتحسين سمعتها محليا ودوليا، لأن الاستمرار على نفس الوتيرة يحمُل الاقتصاد المصري فاتورة باهظة، مع وجود شركات كبرى ترفض الاستثمار.

وثمة شعور لدى بعض المواطنين بأن وقائع ضبط المسؤولين الفاسدين تحدث بالمصادفة، دون وجود خطة متكاملة لدى الحكومة لشن حرب متشعبة ضد شبكات المصالح وجماعات الضغط وأصحاب النفوذ داخل كل مؤسسة، ما يصعب المهمة على الجهات الرقابية التي تعد الحصن لإصلاح الوضع الاقتصادي بوقف الفساد.

وقد تضبط الجهات الرقابية في مصر وقائع فساد، لكن ما يتم الإعلان عنه قليل مقارنة بالحصيلة النهائية، لأن الكشف أو الإعلان يتم وفقا لحسابات دقيقة واعتبارات عدة خوفا من تآكل النظام الإداري في الدولة، كما يتسبب ذلك في إحراج الحكومة وأجهزتها التي اختارت الشخصية المتهمة بالفساد في منصبها.

البرلمانيون يطالبون الحكومة بسرعة إجراء تحليل شامل للأسباب التي أدت إلى تراجع مصر في مؤشر مدركات الفساد العالمي

ويحمل الإعلان عن قضايا فساد دلالات ترتبط بالتوقيت نفسه، حيث ترغب الحكومة في تصدير صورة إيجابية عنها بعد اتهامها من دوائر برلمانية بأنها غير عابئة بنبض الشارع، ولأن الظرف السياسي فرض عليها المزيد من الحضور والصرامة، حاولت أن تبعث برسالة مفادها أن الفساد يكبل يديها في أزمات اجتماعية واقتصادية.

قال رئيس اللجنة الاقتصادية في حزب الاتحاد والباحث في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة إن الضربات الموجهة للفساد تحتاج إلى الاستمرار، والحكومة مطالبة بالتركيز على الشق التنموي بالتوازي مع توجيه ضربات لشبكات المصالح، وهذا يتطلب إعادة النظر في تشريعات بها ثغرات تجعل من يرتكبون مخالفات مطمئنين.

وأضاف العمدة في تصريحات لـ”العرب” أن الجهات الرقابية لن تقوم وحدها بكل شيء، والبرلمان مطالب بتفعيل دوره كجهة رقابية على أداء المؤسسات العمومية، ومن المهم أن يشعر كل مسؤول بأنه تحت الرقابة طوال الوقت، وأخطر ما في الفساد أنه يضرب القطاع الاقتصادي والاستثمارات وسط الأجور المتدنية وتراجع العدالة في توزيع الدخل ما قد يدفع بعض الموظفين إلى طلب رشاوى.

وتوجد في كل وزارة مصرية أجهزة تفتيش ومتابعة، لكن دورها يقتصر على النواحي الإدارية، ما جعل بعض المسؤولين يتعاملون مع المنصب على أنه ملكية خاصة، في حين أن الشارع يقيس قوة أو ضعف الحكومة بمدى حصول المواطن على أبسط حقوقه ودون أن يضطر إلى تقديم رشوة أو تعطيل مصالحه لأسباب بيروقراطية.

ومن الصعب تحقيق نتائج جيدة في الحرب على الفساد في غياب الإرادة القوية من الحكومة، وإحياء مظاهر الحياة السياسية بالمعنى الحرفي، فإذا كانت هناك قوانين وبرلمان وأحزاب مع عدم وجود كوادر لها قدرة على الرقابة والمحاسبة سوف تظل مواجهة الإهمال والفساد قاصرة على جهات رقابية لا تملك عصا سحرية.

2