الحكومة المصرية تسترضي محدودي الدخل بتخفيف الأعباء الضريبية

رسائل إيجابية تصطدم بحاجز غياب الثقة بين السلطة والشارع.
الخميس 2024/06/20
الفقراء أكثر المتضررين من الخيارات الحكومية السابقة

تحاول الحكومة المصرية احتواء تململ المصريين عبر سلسلة من الإجراءات بينها توسيع قاعدة الإعفاءات الضريبية. ويقول محللون إن هناك حاجة ماسة اليوم إلى استعادة الشارع الثقة بالدولة ، والتي اهتزت بفعل السياسات الحكومية المتخبطة، والتوجهات المراهنة على جيوب المواطنين.

القاهرة - بعثت الحكومة المصرية برسائل إيجابية إلى محدودي ومتوسطي الدخل، حيث تعهدت بتوسيع قاعدة الشريحة الصفرية المعفاة من الضرائب، في موازنة العام المالي الجديد، من خلال قانون قاربت على الانتهاء منه لعرضه على الحوار الوطني.

وقال وزير المالية محمد معيط إن الحكومة في طريقها لتخفيف الأعباء الضريبية على محدودي ومتوسطي الدخل والعاملين في القطاعين الحكومي والخاص، ضمن إجراءات الحماية الاجتماعية، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وزيادة دعم فئة غير القادرين.

وتعهد معيط، في تصريحات صحافية، بالتزام الحكومة بالحوار الوطني والتوافق المجتمعي حول تعديلات ضريبية قبل إحالتها إلى مجلس النواب (البرلمان)، على أن تكون زيادة الشريحة الصفرية المعفاة من الضرائب ملائمة لمستويات ومعدلات التضخم، بما يرفع الأعباء عن الفقراء.

وتزامن التوجه نحو خفض قيمة الضريبة مع ارتفاع نبرة الغضب في الشارع ضد الحكومة لإخفاقها في الحد من تبعات موجة التضخم وارتفاع الأسعار، وشعور شريحة من المواطنين بالخوف من المستقبل في ظل غياب الحلول الناجزة.

جاء الإعلان عن زيادة الشريحة الصفرية المعفاة من الضرائب مفاجأة لقطاع كبير من المواطنين، لأن الحكومة اعتادت اللجوء إلى جيوبهم لمواجهة شح السيولة النقدية واستسهال فرض أعباء بمسميات مختلفة.

كريم العمدة: عدم فرض أعباء ضريبية جديدة خطوة لا تخلو من أهداف سياسية
كريم العمدة: عدم فرض أعباء ضريبية جديدة خطوة لا تخلو من أهداف سياسية

ويقوم رئيس الحكومة مصطفى مدبولي حاليا بعملية إعادة تشكيل حكومة جديدة، وبات معنيا ببث الأمل في الناس بعد سلسلة من الإجراءات التي تم الإعلان عنها وزادت من الأعباء المعيشية عليهم.

وتنظر شريحة من المصريين مع تواتر الحديث عن تجميد فرض ضرائب جديدة بنوع من التحفظ مصحوبا بمخاوف، لأن الحكومة تستسهل التعامل معهم كخزينة بنكية لتمويل عجز الموازنة وبعض المشروعات القومية.

ولم يقدّم رئيس الحكومة تفسيرا للتراجع عن زيادة الأعباء الضريبية على الناس، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لطمأنة المصريين، وإحساسهم بأن هناك بادرة تحسن في الظروف الاقتصادية، بدليل أنها لن تلجأ إلى فرض الجباية مرة أخرى.

ويعبر التوجه نحو تنمية موارد الدولة من جيوب المصريين عن أن الحكومة رفعت الراية البيضاء في مواجهة الأزمة الاقتصادية، لكنها مهتمة كثيرا بتوصيل رسائل تعيد الأمل للمواطنين، ولن يتحقق ذلك دون رفع الأعباء الضريبة عن كاهل الفقراء.

ولم تترك الحكومة سلعة أو خدمة إلا وحددت لها رسوما وضاعفت عليها الضرائب، ما تسبب في خسارتها جزءا كبيرا من الدعم الشعبي في مواجهة خصومها، وصارت تواجه صعوبات في إقناع الناس بالإنجازات بينما سياساتها تدعو إلى التشكيك في نواياها.

ويرى مراقبون أن تصويب منظومة الضرائب بما يرفع الأعباء عن محدودي ومتوسطي الدخل تقف خلفه دوافع سياسية، أهمها أن النظام أصبح مهتما بتغيير الصورة الذهنية عنه في الشارع، ليكف الناس عن اتهامه بالعناد والمكابرة واستغلال صمت الرأي العام لفرض المزيد من الأعباء.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن استسهال فرض رسوم وضرائب، ولو بقيمة بسيطة، ترك انطباعات سلبية، قادت إلى الإحساس بأن مستقبل البلاد في خطر، طالما أن جيوب الناس هي الحل، ولم يكن بوسع الحكومة إقناع المواطنين بالعكس دون التراجع عن زيادة الأعباء بقانون جديد للضريبة.

ورغم الرسائل الإيجابية تجاه المستقبل الاقتصادي للدولة، لكن ما زالت الهواجس مرتبطة بتصريحات سابقة أطلقها وزير المالية محمد معيط في مارس الماضي، حول استهداف الحكومة تحصيل تريليون و350 مليار جنيه (الدولار= 47 جنيها) عوائد ضريبية في الموازنة الجديدة لسد الفجوة الشاسعة في موازنة العام المالي الجديد.

الصورة الراسخة عن الحكومة في أذهان المواطنين أنها تأخذ ما تمنحه باليد اليمنى باليسرى

ويمكن تفسير التراجع عن السير في هذا الطريق بأن الحكومة أقدمت على خطوة أكثر فائدة لها من زيادة الضرائب، وهي الانسحاب التدريجي من الدعم، تمهيدا لإلغائه كليا، ولن تكون بحاجة إلى فرض أعباء على الفقراء لترميم مظلة الحماية الاجتماعية.

واتهم معارضون الحكومة بأنها تسوّق لأوهام عندما تتحدث عن مظلة لحماية الفقراء وفي نفس الوقت تستقطع من مصادر دخولهم في صورة ضرائب، ما شوّه ملف رعاية البسطاء الذي يحظى بدعم من الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ وصوله إلى السلطة.

وقال الباحث في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة إن التعهد بعدم فرض أعباء ضريبية جديدة وتوسيع الشريحة الصفرية المعفاة من الضرائب، خطوة إيجابية لا تخلو من أهداف سياسية، فكل إجراء يزيد الأعباء على الناس ينسف في المقابل بعض الجهود الكبيرة في ملف الحماية الاجتماعية.

وأضاف العمدة في تصريحات لـ”العرب” أن تكرار فرض الضرائب كرس مشاعر الإحباط لدى الناس، وتكرار ذلك خطأ سياسي، والحكومة بحاجة إلى قراءة تداعيات الأعباء على الاستقرار المجتمعي، والعبرة باتخاذ إجراءات واقعية لا تُشعر الناس أن ما يحدث دعاية سياسية.

ويبدو أن النظام المصري معني بإحياء الأمل لدى المواطنين، لأن غياب الحنكة لدى الحكومة طوال سنوات مضت، والإسراف في تجميع أموال من الناس، نسفا الجهود التنموية الضخمة لمجرد تحصيل مبالغ هزيلة كان يمكن تفاديها أو تتحملها الدولة.

وذكر كريم العمدة لـ”العرب” أن الصورة الراسخة عن الحكومة في أذهان المواطنين أنها تأخذ ما تمنحه باليد اليمنى باليسرى، ومن الضروري تغيير تلك الصورة في خضم التحديات الراهنة واستثمار الأوضاع المعيشية الصعبة من قبل قوى معارضة لتحريض المواطنين ضد الدولة.

ولفت مناصرون للنظام إلى أن استثمار التوجه نحو فرملة الضرائب “بادرة أمل” لتصبح مصر قوية اقتصاديا، وهي نفس الشريحة التي خفت صوتها، لأنها لا تجد إيجابيات تسوق لها، ما جعل الحكومة تخسر ظهيرا شعبيا لدعم سياستها الاقتصادية.

يظل التحدي الأكبر أمام السلطة في مصر أن الشارع نفسه يشكك في الخطاب الرسمي، مهما تحدث عن إيجابيات في المستقبل، وهناك من تعاملوا مع التوجه نحو زيادة الإعفاءات الضريبة بسخرية مصحوبة بهواجس تعكس تراجع الثقة في الحكومة.

وباتت السلطة في مصر مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتقليص الهوة مع المواطنين بإجراءات غير تقليدية طالما أنها تملك رؤية لإعادة الأمل للناس، فالتسويق لإيجابيات مقابل غياب الحد الأدنى من الثقة في تطبيقها ستكون له عواقب معنوية وخيمة.

2