الحكومة المصرية تحاول تدارك ضعفها الاتصالي والتفاعل أكثر مع الشارع

يحاول رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي تدارك الهنات السابقة لاسيما من الناحية الاتصالية، حيث كانت الحكومة السابقة في شبه جزيرة منعزلة عن المواطنين، فيما كان يتولى الرئيس عبدالفتاح السيسي بنفسه مهمة الدفاع عن خياراتها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما انعكس سلبا على رصيده الشعبي.
القاهرة- حملت تكليفات رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي للوزراء والمحافظين الجدد بسرعة التفاعل مع الأحداث وتقديم المعلومات ودحض الشائعات مبكرا، اعترافا متأخرا بحجم المخاطر السياسية التي تعود على الدولة جراء التلكؤ في مخاطبة الرأي العام.
وكانت الحكومة سارعت إلى نفي شائعة حول قناة السويس، بعد أن انتشر مقطع صوتي يتضمن موافقة على بيع القناة مقابل تريليون دولار، وهي قضية أثارت جدلا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، استثمرتها أصوات مناوئة للنظام المصري للإيحاء بأنه مستعد لبيع الأصول السيادية بأي ثمن.
وقال بيان لمجلس الوزراء إن القناة ستظل مملوكة بالكامل للدولة، وتخضع لسيادتها في إدارتها وتشغيلها وصيانتها، ولا يمكن المساس بها أو مرافقها المصانة دستوريا.
وهذه المرة الرابعة، خلال عام واحد، يلجأ فيها معارضون للنظام المصري إلى تأليب المواطنين عليه باللعب على وتر التفريط في قناة السويس والتخلي عن أهميتها الحيوية من خلال نشر شائعات تخص بيعها أو تأجيرها لأطراف خارجية.
وكلّف مصطفى مدبولي الوزراء والمحافظين بعدم الاكتفاء برد الفعل مع أي حدث أو شائعة، وعليهم استباق الرأي العام بخطوات، لأن الأسلوب القديم في التعاطي مع القضايا الجماهيرية تسبب في الكثير من المنغصات للحكومة.
وتسببت ندرة المعلومات المرتبطة بملفات حيوية في مشاكل عدة للحكومة والنظام المصري برمته، وأدى التجاهل لتوضيح المواقف وشرح القرارات وعدم تفسير التوجهات إلى إحراج بالغ لبعض مؤسسات الدولة.
وفي كل مرة يُفهم عدم التجاوب على أن ثمة كوارث تتم التغطية عليها، وهي ثغرة يستغلها معارضون للنظام الحاكم، ويجيدون استثمار غياب الثقة في الجهات الرسمية.
ويرفع تكليف الوزراء والمحافظين بإجراءات سريعة وواقعية لتبييض صورة الحكومة العبء عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي خسر معنويا عندما تمادى في الدفاع عن كل مسؤول في الدولة بنفسه، عندما تواجهه مشكلات، ما جعله ينال قدرا كبيرا من الانتقادات، واعتاد الكثير من المسؤولين على الاتكال عليه.
وتهاوى منسوب الثقة بين الحكومة السابقة وشريحة واسعة من المواطنين، وسط مخاوف متصاعدة داخل النظام من استمرار تلك الحالة مع الحكومة الجديدة، ما قد يتسبب في أزمات أعمق، لأن قوة السلطة وقت التحديات تتأسس على مقدار الثقة بها، وبدونها من السهل على خصومها في الداخل أو الخارج تأليب الرأي العام عليها.
ولم يعد الرئيس السيسي راغبا في أن يتصدر وحده مهمة الشرح والتفسير ومصارحة الموطنين، ما يفسر عدم خروجه بنفسه منذ فترة ليتحدث إلى الناس حول التوجهات الرسمية والدفاع عن أي مسؤول أو كشف حقيقة غائبة، مقابل تكرار ظهور رئيس الحكومة لمخاطبة الناس، بالتوازي مع زيادة الجولات الميدانية للوزراء والمحافظين للاحتكاك مع الجمهور.
ويقول مقربون من السلطات في مصر إن تبييض صورة الحكومة مهمة سهلة، المهم عدم تقاعس المسؤولين عن المكاشفة في القضايا التي تشغل الرأي العام، لأنهم يمتلكون أدوات كسب المعركة، وما دون ذلك سوف تظل الحكومة تتكبد خسائر معنوية، تضر بصورة الرئيس نفسه، وتقدم لخصومه هدايا لم يكونوا ليصلوا إليها سوى من خلال غياب المعلومات والتفاصيل.
وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن المكاشفة المستمرة لا بديل عنها لترميم الثقة بين الحكومة والمواطنين، لأن التعويل على إخفاء بعض الحقائق خطأ سياسي، والخطأ الأكبر أن يعتمد كل مسؤول على رئيس الدولة ليدافع عنه، ومن المهم وجود رقابة برلمانية على أداء الحكومة ليشعر الناس بوجود تغيير في عقلية الإدارة.
وأضاف لـ”العرب” أن المواطن سيشعر بالتحسن في أداء الحكومة عندما تكون هناك مساءلة فورية على التقصير، والاكتفاء بالمصارحة وحدها لن يكفي لتحقيق ذلك، لافتا إلى أن الرئيس يجب أن يترك الحكومة تتحمل مسؤولياتها وحدها، كي لا يتم إنهاكه في قضايا فرعية، وهذا جزء من إحساس الناس بقدرة حكومتهم على صناعة الفارق.
وأوحت تصريحات رئيس الحكومة، الخميس، بأن هناك توجها داخل النظام لمشاركة المواطنين في صناعة أي قرار يجري التخطيط له، لكسب ثقة الشارع في التصورات المستقبلية، وهو اعتراف متأخر بالتداعيات السلبية التي طالت السلطة من تجاهل الرأي العام، وفرض سياسات بالأمر الواقع.
◄ ندرة المعلومات المرتبطة بملفات حيوية تسببت في مشاكل عدة للحكومة والنظام المصري برمته، وأدى التجاهل لتوضيح المواقف وشرح القرارات وعدم تفسير التوجهات إلى إحراج بالغ لبعض مؤسسات الدولة
وتستهدف الحكومة من مشاركة المواطنين في مناقشة بعض القضايا المجتمعية تحجيم المنغصات السياسية وإضفاء شعبوية على توجهاتها، وتعزيز الثقة في أنها تبحث عن حلول للأزمات، في ظل إحباط شبه عام بين المواطنين، وعدم الشعور بأمل في تغيير التوجهات، مع أن التعديلات الوزارية الجديدة طالت عشرين حقيبة.
واعتادت جماعة الإخوان والأدوات الإعلامية المتنوعة التابعة لها استثمار الآلية العقيمة التي تتعامل بها الحكومة المصرية مع قضايا الرأي العام لتأليب الناس ضد السيسي، بسبب التراخي في تفنيد ما يذاع ويبث ويكتب وتحويله إلى حقائق.
ويستفيد خصوم النظام المصري من وجود شريحة تميل لتصديق الشائعات المرتبطة بالحكومة، ولو كانت خارج حدود العقل والمنطق، فإذا قيل إنها تخطط لبيع قناة السويس، على الرغم من أنها خط أحمر بالنسبة لعموم المواطنين والجيش، هناك من يتعامل مع تلك المزاعم على أنها صحيحة، مهما سارعت الحكومة إلى النفي.
ويفسّر ذلك، لماذا أصبح تبييض الصورة وتحسين السمعة أولوية، ويكفي أن تجاهل هذا الملف تسبب في إحراج بالغ للدولة ومؤسساتها في بعض الأوقات، وفهم عدم الرد على أنه تمهيد لواقع أكثر قتامة، مع أن التوضيح المستمر مهمة كل مسؤول مختص، ويحصن الحكومة من انفجار الشائعات وارتدادها إلى قلب النظام.
وليس من المستبعد أن يكون توجه الحكومة الجديد إشارة غير مباشرة على أنها ماضية في اتخاذ إجراءات أشد قسوة في الملفين الاقتصادي والاجتماعي، وتحتاج إلى قبول شعبي لن تتحصل عليه من خلال خطاب منقوص التفاصيل، ومن هنا بدأت تخطط لإضفاء جانب من الشفافية لتجنب المزيد من الاجتهادات المرفوضة.