الحكومة المصرية تتولى تفكيك عقدة البكالوريا بحثا عن هدوء سياسي

الحكومة تستسلم أمام قلق الشارع من السياسات الخاطئة، ولم تعد قادرة على إقناع الناس بأنها تعمل لصالحهم.
الخميس 2024/08/15
تغيير البرامج هل يحل الأزمة؟

القاهرة – أكد إطلاق الحكومة المصرية نظاما جديدا لمرحلة الثانوية العامة (البكالوريا) الأربعاء إلى أيّ درجة أصبحت معنية بتفكيك أزمات اجتماعية معقدة، بحثا عن الوصول إلى مرحلة من الهدوء السياسي، لا تكون فيها منغصات مرتبطة باحتقان شعبي يتعلق بملفات بعيدة عن الأمن والسياسة.

وقاد نظام البكالوريا المطبق حاليا إلى حالة غضب شعبي واسعة، وأخفقت الحكومة على مدار سنوات في إقناع المواطنين بإصلاحه أمام ارتفاع الممانعة الشعبية بسبب التخبط في تنفيذ خطة تم إطلاقها، وقادت إلى صدام مع الأهالي والمعلمين والطلاب.

وأعلن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي الأربعاء، برفقة وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، تقليص عدد مواد الثانوية العامة إلى خمس مواد فقط، بغرض التخفيف عن أولياء الأمور والطلاب، ورفع الأعباء النفسية والمادية عنهم.

ويسعى النظام المصري إلى إقناع الشارع بأن ملف التعليم أولوية سياسية، والدليل أنه تدخل لتصويب مسار المنظومة التعليمية لأنها تمس صميم علاقة الناس بالحكومة، ومن الصعب إقناع المواطنين بالسير في الطريق الصحيح دون جعل الملف ضمن أولويات الحكومة.

كل إجراء إيجابي تقوم به الحكومة قد يكون هو والعدم سواء، لأن مرحلة البكالوريا مازالت تصدّر إلى النظام الحاكم أزمات سياسية بخلفيات اجتماعية، ومن السهل أن تغطي على أي نجاح تنموي.

وتصنف المرحلة الثانوية في مصر على أنها “بعبع” يخشاه الجميع، بمن فيهم الحكومة، فضلا عن الملايين من الأسر والطلاب والمعلمين، وباتت عبئا ثقيلا حان الوقت للتخلص منه بإجراءات عملية على الأرض، ولو تطلب الأمر إلغاء بعض المواد بشكل نهائي.

وأصبحت بعض الدوائر الرسمية مقتنعة بأن كل إجراء إيجابي تقوم به الحكومة قد يكون هو والعدم سواء، لأن مرحلة البكالوريا مازالت تصدّر إلى النظام الحاكم أزمات سياسية بخلفيات اجتماعية، ومن السهل أن تغطي على أي نجاح تنموي.

وأدركت الحكومة خطورة الاستمرار في تنفيذ خطط تعليمية تساهم في زيادة حدة السخط الشعبي، ولا بديل عن اتخاذ مسارات جديدة في ظل مقاومة مجتمعية واسعة لتطوير المرحلة الثانوية، لأنها تحدد مستقبل الطالب الوظيفي.

ويربط النظام المصري بين خطط تطوير التعليم وتوجهاته للتأكيد على إعادة بناء الإنسان المصري وتطوير الآليات التي يمتلكها للارتقاء بجودة الخريجين، لكن على الأرض قادت تلك الخطط إلى أزمات وجدل لا ينتهي بسبب التخبط وسوء التنفيذ.

ورغم الإعلان عن نظام جديد للتعليم في مصر تحت رعاية ومتابعة شخصية من الرئيس عبدالفتاح السيسي، لم يحظ سعي الحكومة لإصلاح المنظومة بتقدير شريحة كبيرة من المواطنين، وتكتّل كثيرون ضدها لدفعها إلى تصويب المسار.

وتكمن أزمة وزارة التعليم في أنها مقتنعة بوجود مقاومة من الشارع لإصلاح منظومة البكالوريا ضمن خطة تستهدف تخريب العقول وتقف وراءها عناصر وتيارات معادية دون إدراك أن التعليم بالنسبة إلى المصريين يحتل أولوية تتخطى اهتمامهم برغيف الخبز.

ويرى مراقبون أن التغيير الذي تجريه الحكومة على المنظومة التعليمية يعكس أنها استسلمت ورفعت الراية البيضاء أمام قلق الشارع من السياسات الخاطئة، ولم تعد قادرة على إقناع الناس بأنها تعمل لصالحهم، لأن الإجراءات المتخذة عشوائية.

ووافقت الحكومة على تعيين الآلاف من المعلمين على دفعات متتالية، وتخصيص موارد مالية للاستعانة بمعلمين بعقود سنوية يصل عددهم إلى خمسين ألفا كل عام، لتلافي العجز في المدارس وسد ثغرة توظفها المعارضة سياسيا، مع الشروع في بناء مدارس جديدة.

وكثيرا ما تصدّر السيسي موقف الدفاع عن الحكومة وتهدئة غضب الناس ضد توجّهاتها في مجال التعليم، لكن السخط يرتبط بالتعاطي مع مخصصات التعليم في الموازنة العامة للدولة بتقشف مبالغ فيه على مستوى بناء المدارس وتعيين المعلمين وتطوير البنى التحتية.

ويخشى معارضون أن يكون تكرار إطلاق برامج تعليمية مجرد خطة لتوقيع المزيد من اتفاقيات دعم تطوير التعليم في مصر عبر الحصول على منح وقروض تقدمها جهات خارجية، على رأسها البنك الدولي الذي سبق أن دعم تجربة التطوير عام 2018 بقرض قيمته 500 مليون دولار.

وارتبط اطمئنان شريحة كبيرة من المصريين لتوجهات الحكومة هذه المرة بأنها اقتحمت مشكلات كانت تغض الطرف عنها سنوات طويلة، وتوجد لها مبررات مثل كثافة الفصول والعجز في أعداد المعلمين، واعتادت التحجج بأنها تعاني أزمة اقتصادية حادة.

وبدأت الحكومة تبحث عن مخرج لتلك الأزمات، فاضطرت إلى بدء تخصيص أراض لبناء مدارس وإعادة توزيع الطلاب بين المؤسسات لخفض كثافة الفصول، ومضاعفة مخصصات التعاقد مع معلمين، وإلغاء بعض المواد في الثانوية العامة لخفض فاتورة الدروس الخصوصية.

وقال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إن جعل ملف التعليم أولوية سياسية خطوة متأخرة، ولم تعد الحكومة تملك رفاهية الوقت كي تتعامل معه كمشروع قومي يستحق المزيد من الجهد والإنفاق، إذا أرادت كسب رضاء المواطنين.

وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة أدركت أنها مهما فعلت من إيجابيات، وبقيت أمراض المنظومة التعليمية، فإن السخط الشعبي لن يتوقف ضدها، ولا بد من توافر إرادة سياسية لتطوير ملف التعليم إذا كانت هناك رؤية جادة للحد من الجدل بين مؤيدين ومعارضين.

pp

ودأب معارضون للتقشف غير الرشيد تجاه متطلبات المنظومة التعليمية وتجاهل أزمات حيوية مثل البكالوريا على عقد مقارنات بين اهتمام الحكومة بالمشاريع التنموية وتجاهل قطاعات حيوية، وصار النظام في دفاع دائم عن نفسه.

وترتبط الأبعاد السياسية المتعلقة بتصويب مسار المنظومة التعليمية بأنها تضم قرابة 26 مليون طالب، خلاف أسرهم، أي أن هذا الملف يمسّ جزءا كبيرا من السكان، ويستتبع الإخفاق قلقا عندما يشعر المواطنون بأن مستقبل أبنائهم ليس في مقدمة اهتمام الحكومة.

وأصبحت بعض الدوائر الرسمية في مصر مطالبة بأن تقتنع بعدم وجود ممانعة شعبية في تطوير المنظومة التعليمية، بقدر ما يتعلق الأمر برفض الملايين من الأسر تحول الأبناء إلى فئران تجارب لوزراء التعليم، ولا قيمة لأي تطوير بلا خطة ممنهجة.

وتشير التحركات الراهنة إلى أن الحكومة قررت سد واحدة من أهم الثغرات المجتمعية التي تنفذ منها دوائر معارضة لتوسيع الفجوة بين النظام والمواطنين، ما يفسّر الإصرار على اتخاذ قرارات تحظى بقبول غالبية الشعب.

1