الحكومة المصرية تتأقلم مع بقاء اللاجئين غير الشرعيين

القاهرة تمدد إقامة المهاجرين المخالفين لتجنب تحويلهم إلى قنبلة موقوتة.
الأحد 2024/09/15
مصر لا تقدر على تحمل أعباء اللاجئين

الحكومة المصرية وجدت أن قرارها السابق، بوضع مواعيد واضحة أمام اللاجئين غير الشرعيين لتسوية وضعياتهم، ليس في وقته ولا يمكن تنفيذه، كما أنه يمكن أن يوتر علاقات مصر الخارجية ويسيء إليها مع شعوب صديقة مثل السودانيين والسوريين، لذلك مددت المهلة بعام آخر.

القاهرة - بدأت مصر تبدي تأقلما مع بقاء اللاجئين غير الشرعيين على أراضيها دون أن تقوم بترحيلهم خارج البلاد، وقررت مد فترة توفيق أوضاع المخالفين منهم لمدة عام إضافي لتتاح الفرصة أمامهم للحصول على إقامات شرعية بمعايير قانونية.

وأعلن مجلس الوزراء المصري أن التمديد لمدة عام يحقق التوازن بين الحفاظ على الأمن القومي ومراعاة حقوق الأفراد المقيمين في البلاد بشكل غير قانوني، بحيث يكون هناك تنظيم حقيقي لتواجد الأجانب داخل مصر، بضوابط وقواعد رسمية.

وقالت مصادر سياسية في القاهرة لـ”العرب” إن اللاجئين في مصر أصبحوا جزءا من الجبهة الداخلية ما يتطلب التعامل معهم بحكمة، أمام تصاعد الاضطرابات الإقليمية واتساع دائرة تحديات الأمن القومي ما يستدعي تجنيب البلاد أزمات داخلية جديدة.

ومن المتوقع أن يوفّر قرار الحكومة المصرية حلا قانونيا للأجانب الراغبين في تصحيح أوضاعهم، وتجنب أيّ إجراءات قانونية قد تُتخذ بحقهم إذا استمرت إقامتهم بصورة غير شرعية، كما سيتاح لهم تقديم المستندات المطلوبة لتوفيق أوضاعهم.

وتعزز مهلة العام الإضافي الاستفادة من فرص العيش والعمل بشكل قانوني، ما يسهم في تحسين ظروف المقيمين بشكل غير شرعي، وضمان حقوقهم في الإقامة داخل البلاد إلى حين توفيق أوضاعهم حسب قواعد الدولة.

ويوحي الموقف المصري بأن القاهرة أصبحت على قناعة بأن التعامل مع اللاجئين المخالفين بحدة قد يجعل منهم قنبلة موقوتة لها تداعيات أمنية وسياسية، خاصة وهي تواجه تحديات بالغة الصعوبة على جبهات خارجية مختلفة.

أحمد بدوي: الحكومة المصرية يُحسب لها عدم التعامل بخشونة ضد اللاجئين المخالفين
أحمد بدوي: الحكومة المصرية يُحسب لها عدم التعامل بخشونة ضد اللاجئين المخالفين

وتُدرك الحكومة المصرية أنها إذا تعاملت مع اللاجئين غير الشرعيين بخشونة، وقررت ترحيلهم سوف تخسر ورقة مهمة في الضغط على دول أوروبية وقت القضايا الخلافية أو محاولة ابتزاز القاهرة سياسيا في بعض الملفات.

وتميل دوائر شبه رسمية إلى استخدام ملف اللاجئين كمصدر قوة للقاهرة إقليميا ودوليا، ولو كانوا جزءا من أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، لكن الاستفادة من وجودهم يمكن توظيفه سياسيا لصالح الدولة.

وجاءت خطوة تمديد الإقامة للمخالفين من اللاجئين بعد أسابيع قليلة من إجراءات حاسمة كانت اتخذتها السلطات المصرية، بترحيل أيّ لاجئ ومقيم غير شرعي، دون استثناء لأيّ جنسية، وقامت جهات إنفاذ القانون بإخراج العشرات من البلاد.

ويرى مراقبون أن قرار الحكومة بتمديد إقامة اللاجئين غير الشرعيين لا يخلو من توصية أمنية حذرت من خطورة الصدام مع مئات الآلاف منهم، في توقيت بالغ الحرج يتطلب عدم وضع الجهاز الأمني في مواجهة مهاجرين ليس لديهم ما يخسرونه.

وفي مصر مناطق كثيرة يقطنها لاجئون، شرعيون ومخالفون، ومن الصعب خلخلتهم بلا خسائر أمنية وسياسية مهما كانت الحكومة مدعومة بغطاء شعبي من مواطنين بدأوا يميلون لدعم ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.

وقال الحقوقي والباحث المصري في شؤون اللاجئين أحمد بدوي إن الحكومة المصرية يُحسب لها عدم التعامل بخشونة ضد اللاجئين المخالفين، وهناك حكمة من جانب الأجهزة الأمنية في هذا الملف برفض الانصياع لدعوات فئوية لترحيل المخالفين.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن قرار التأجيل لا يخلو من رفض مصري واضح لتشويه العلاقات مع السودان مثلا، باعتبار أن الجالية السودانية هي الأكبر، من حيث الأعداد ومخالفات الإقامة، وهناك 600 ألف وصلوا مصر مؤخرا بشكل غير نظامي.

ولفت إلى أن الكثير من راغبي تقنين الأوضاع حصلوا على مواعيد رسمية باستلام الإقامات الشرعية قريبا، ولم يكن ممكنا أمام تعدد إجراءات التقنين أن يتم ترحيل من لديهم نوايا حسنة بالاستجابة للقوانين المصرية المنظمة للإقامة.

ويصعب فصل مرونة الموقف المصري تجاه اللاجئين عن رفض القاهرة خسارة المكاسب السياسية التي حققتها على مدار سنوات مضت من هذا الملف، لأن الخشونة في التعامل معهم وشحن الشارع ضدهم، قد يتسببان في صدامات غير محسوبة.

وعبّر موقف الحكومة عن عدم تخلي الدولة عن إنسانيتها تجاه اللاجئين، وقررت تجميد القرارات السابقة بترحيل المخالفين، لكن يظل التحدي في ترويض غضب شريحة المواطنين الذين ينظرون إلى بقاء غير الشرعيين بامتعاض.

وتستضيف مصر التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 106 ملايين نسمة، ما يقرب من عشرة ملايين مقيم أجنبي، والنسبة الأكبر منهم يحملون جنسيات سودانية وسورية وفلسطين ويمنية، وانتهت مهلة توفيق أوضاع المخالفين منهم مطلع يوليو الماضي.

◙ مهلة العام الإضافي تعزز الاستفادة من فرص العيش والعمل بشكل قانوني، ما يسهم في تحسين ظروف المقيمين بشكل غير شرعي

ولا يعبّر تمديد الإقامة للمهاجرين غير الشرعيين في مصر عن استسلام أمني وسياسي للأمر الواقع، بقدر ما يحمل قدرا من المرونة التي تستدعي التأقلم مع الوضعية الراهنة إلى حين تجاوز التحديات الراهنة.

وأكد الحقوقي أحمد بدوي لـ”العرب” أنه من الاستخفاف تصوير موقف القاهرة على أنها رفعت الراية البيضاء، بل حكمة مطلوبة وإنسانية مفروضة عليها قانونا، فلم يكن ممكنا إعادة السودانيين إلى بلادهم والحرب هناك ما زالت مستمرة.

وثمة شق اقتصادي في الملف، حيث لا ترغب القاهرة في خسارة حزم التمويل الدولية القادمة إليها من الاتحاد الأوروبي، وتبلغ قيمتها 7.4 مليار يورو، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملف الهجرة إلى أوروبا، حيث أنها في حاجة ملحة إلى هذا التمويل.

ومن المستبعد أن يُمرر الاتحاد الأوروبي موقف القاهرة بتمديد إقامة اللاجئين غير الشرعيين دون منحها دعما ماليا يعينها على تجاوز الأزمة الراهنة، على الأقل كي يتم ترويض الغضب ضد بقاء الملايين من المهاجرين كعبء على بلدهم المنهك اقتصاديا.

وأدركت الحكومة أن مكاسب ترحيل المخالفين محدودة، مقابل العوائد الدولارية الضخمة التي ستجمعها، حيث يدفع المهاجر نظير الإقامة الشرعية ألف دولار سنويا، وتظهر أمام المجتمع الدولي أنها ماضية في تحمل مسؤولية اللاجئين.

وبقطع النظر عن خلفيات القرار، فهو يحمل استجابة ضمنية للمنظمات الحقوقية التي دعت القاهرة إلى إعادة النظر في ترحيل المخالفين، لأن الكثير منهم من محدودي الدخل ولا ذنب لهم أن الجهات الدولية المانحة تتعامل مع مصر بتقشف.

3