الحكومة الجزائرية والمضاربون: معركة سياسية أم اقتصادية؟

الجزائر – طالب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، الحكومة بضرورة سن تشريعات صارمة ضد من أسماهم بـ”المضاربين”، وأوعز إلى وزير العدل، بوضع نصوص مشددة تعاقب المتلاعبين بالاحتياجات الأساسية، وهو ما كان قد تطرّق له في تصريحه الأخير لوسائل إعلام محلية، أين ألمح إلى وجود أهداف سياسية وراء تصاعد الظاهرة في الآونة الأخيرة بشكل يؤلّب الشارع على السلط العمومية.
وجاء مشروع القانون الذي اقترحه وزير العدل مطابقا لرغبة رئيس الدولة، في الضرب بيد من حديد على فئة المضاربين، الذين حولوا حياة المستهلكين إلى جحيم بفعل الندرة والارتفاع الفاحش للأسعار، وهي مقدمات طبيعية لأي انفجار اجتماعي، تسعى السلطة إلى تلافيه بكل الوسائل.
واقترح القانون المنتظر عقوبات صارمة تصل إلى السجن 30 عاما نافذة للمضاربين في السوق المحلية، وقد تذهب إلى أبعد من ذلك بحسب الرئيس تبون، الذي لم يتوان في الجهر بتطبيق عقوبة الإعدام على هؤلاء، وإن كانت العقوبة مجمّدة في البلاد منذ تسعينات القرن الماضي، ولم تسترجع حتى بارتفاع أصوات جماعية تدعو إلى تطبيقها في ما يتعلق بجرائم خطف واغتصاب وقتل الأطفال.
وتُجمع دوائر حكومية على أن لظاهرة المضاربة المتصاعدة في الآونة الأخيرة، علاقة بالمؤامرات السياسية التي تحيكها دوائر محلية معادية للسلطة الجديدة في البلاد، ولا تستبعد علاقتها بما تصفه بـ”العصابة”، في إشارة إلى جيوب النظام البوتفليقي واللوبيات القابعة في السجون، وحتى قوى خارجية تستهدف النيل من أمن واستقرار البلاد.
وتشهد الجزائر في الآونة الأخيرة رغم التعافي المسجل في المداخيل بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، واحتمالات تسجيل مداخيل غير مسبوقة في ظل مؤشرات تزايد الطلب على الغاز، حالة ارتفاع فاحش لأسعار المواد الاستهلاكية المدعمة والحرة، إلى جانب ندرة وتذبذب في التوزيع، مما أدى إلى تنامي الغضب الشعبي، لاسيما في ظل المخاوف من بداية انسحاب تدريجي للدولة من سياسة الدعم الاجتماعي.
وتعيش البلاد على وقع مسلسل أزمات متراكمة في مختلف القطاعات خلال الأشهر الأخيرة، ولا يستبعد أن تشمل الندرة والتذبذب مواد استهلاكية جديدة، حيث تداولت تقارير محلية، معالم ندرة متجددة في مادة زيت الطبخ، تنضاف إلى تسجيل التهاب غير مسبوق في الأسعار.
وتوجه الدوائر الموالية للسلطة، أصابع الاتهام إلى لوبيات معادية تريد الانتقام وإثارة الاضطرابات الاجتماعية في البلاد، بعد قطع الطريق على مصالحها ومصالح النظام الذي كانت تدعمه، في تلميح إلى بعض رجال المال والأعمال المسجونين، والذين كانوا يمثلون الذراع المالية والاقتصادية للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وذكر في هذا الشأن، الحليف الإخواني للسلطة الحالية، الوزير السابق ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، في نداء وجهه إلى السلطة، أن “الندرة والتذبذب وارتفاع الأسعار، هي مؤامرة مفتعلة من طرف محتكرين كبار يضاربون من أجل تحقيق أهداف مريبة”.
ودعا إلى “ضرورة مواجهة الظاهرة بحزم لردع كل من يتلاعب بقوت الجزائريين، وبما يعيد إلى الدولة هيبتها وسلطتها، وإلى فتح تحقيقات معمقة للكشف عن اللوبيات التي تعمل على زيادة منسوب الغضب والاحتقان الاجتماعي في البلاد وفضحها أمام الرأي العام”.
غير أن اللافت في خطاب السلطة، هو غياب الرؤية الاقتصادية وتجاهل الأسباب الموضوعية التي ساهمت في تفاقم الظاهرة، الأمر الذي يغيب المعطيات الحقيقية التي أدت إلى تراكم الأزمات خلال الأشهر الأخيرة، بداية من حليب الأكياس إلى غاية زيت الطبخ، ومرورا بالماء الصالح للشرب والطحين والسيولة المالية وأكسجين المشافي والأدوية.. وغيرها، فضلا عن الارتفاع الفاحش في أسعار الخضار والفواكه واللحوم.
وذهب مراقبون إلى أن السلطة التي تريد توظيف الظاهرة في حسابات سياسية للإبقاء على خطاب المؤامرة والدوائر المعادية، تتجاهل إلى حد الآن المعطيات الحقيقية للظاهرة في ظل تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة موجة الجفاف غير المسبوقة، وتقليص الواردات بشكل ملحوظ مما أثر على المواد الأولية التي تدخل في صناعة بعض المنتوجات الغذائية كالزيت والعجائن والبذور الزراعية وحتى الأدوية.
ويتخوّف فاعلون في المجال الاقتصادي والتجاري، من التعسف في تطبيق القانون المنتظر، وهو ما سيؤدي إلى شل أنشطة تجارية واقتصادية والدخول في ركود جديد، خاصة وأن التخزين صار ممهّدا لتوجيه تهمة المضاربة، رغم حاجة المزارعين وبعض التجار للعملية من أجل حفظ الإنتاج.
وتضرر الاقتصاد الجزائري كثيرا جراء انهيار أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، وتداعيات الجائحة الصحية العالمية على الأنشطة الاقتصادية والخدماتية المحلية، مما دفع الحكومة إلى الدخول في مخطط تقشف حاد، من أجل تقليص فاتورة الواردات من نحو 60 مليار دولار إلى أكثر من 30 مليار دولار، غير أن ذلك أثر سلبا على أداء بعض الأنشطة التي تعتمد على مواد أولية مستوردة كالزيت والعجائن والصناعات الكهرومنزلية والبذور الزراعية.
وصرح الرئيس الجزائري بأن بلاده حققت لأول مرة صادرات خارج النفط بلغت ثلاثة مليارات دولار، خلال العام الجاري وتتوق إلى بلوغ سقف الخمسة مليارات مع نهاية السنة، وأن القطاع الزراعي يوفر 25 مليار دولار، غير أن الرقم لا يزال غامضا لدى الخبراء، لأن أزمة المواد الزراعية المسجلة لا تعكس ذلك تماما.