الحكومة التونسية أمام رهان البحث عن مصادر تمويل للزيادة في كتلة الرواتب

ستواجه حكومة نجلاء بودن رهان البحث عن تمويل الزيادة في كتلة الرواتب بعد توقيع اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للزيادة في الرواتب، لكنّ مراقبين يرون أن الخطوة ستتبعها قرارات بمراجعة الدعم وخصخصة المؤسسات والإصلاح الجبائي إضافة إلى الحصول على تمويلات خارجية ما سيوفر موارد هامة للميزانية.
تونس - طرح الاتفاق المبرم بين حكومة نجلاء بودن والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) حول الزيادة في كتلة الرواتب لمدة ثلاث سنوات، تساؤلات لدى المراقبين والنقّاد مفادها، من أين ستأتي السلطات بالأموال في وقت تغرق فيه الدولة بالمديونية وتعيش تدهورا اقتصاديا يجعلها على حافّة الإفلاس.
وتوسّعت دائرة التساؤلات حول مصادر التمويل المرتقب والقاضي بالزيادة في كتلة الرواتب، وبينما رجّح البعض أنه سيكون من خلال رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والغذائية، ذهب البعض الآخر إلى أن التعويض سيتم عبر القروض والمساعدات من الجهات المانحة، خصوصا إذا ما توصّلت الحكومة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الجمعة، إن توصل الحكومة والاتحاد إلى تسوية من شأنه أن يقرّب من إعلان اتفاق بين البلاد وصندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح يرافقه تمويل.

محمد صالح العياري: المؤسسات المالية العالمية ستقرض تونس بشروط ميسّرة
وذكرت الوكالة في بيان لها أن توقيع اتفاق الزيادة في الرواتب من شأنه أن يزيد فرص التوصل إلى اتفاق طال انتظاره مع صندوق النقد بشأن القرض المرتقب.
والأربعاء، قالت وكالة الأنباء الرسمية ونقابيون إن الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل توصلا إلى اتفاق على زيادة رواتب القطاع العام 3.5 في المئة في السنوات الثلاث المقبلة في إطار محادثات بشأن إصلاحات اقتصادية أوسع تهدف إلى تأمين خطة إنقاذ مالي خارجية.
وأكّدوا أن الاتفاق سيرفع رواتب موظفي الدولة بنسبة 3.5 في المئة سنويا بين 2023 و2025، ما من شأنه أن يخفف من حدة التوترات الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة في البلاد.
ومنذ أكثر من 13 شهرا بدأت تونس مفاوضات غير رسمية مع الصندوق للدخول في برنامج إصلاح اقتصادي جديد، يفضي إلى تمويل بقرض قيمته 4 مليارات دولار.
وأرجع خبراء توفير الأموال للزيادة في كتلة الرواتب إلى المداخيل الجبائية للدولة والمبالغ المتأتية من مراجعة منظومة الدعم ومستحقيه.
وقال الخبير الجبائي محمد صالح العياري “هناك ارتفاع ملحوظ في المداخيل الجبائية التي كانت مبرمجة في حدود 35 مليار دينار (10.94 مليار دولار)، في ميزانية الدولة، فضلا عن العفو الجبائي الذي كان مبرمجا في حدود 500 مليون دينار(156.23 مليون دولار) ووصل إلى 1200 مليون دينار (قرابة 375 مليون دولار)، أي بزيادة في حدود 700 مليون دينار (218.72 مليون دولار)”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “سيتم التوجه نحو ترشيد الدعم، ولن يتم رفعه كليّا، بل بصفة تدريجية إلى حدود سنة 2026، وبالتالي سيتم التقليص من مبلغ الدعم الذي كان مبرمجا في حدود 7.2 مليار دينار (2.25 مليار دولار)”.
وأردف العياري ” المبالغ التي تهم الأشخاص الذين ليسوا في حاجة إلى الدعم والسياح وغيرهم ستعود إلى ميزانية الدولة، وبالتالي 60 في المئة من الدعم غير المستحق تعود إلى الميزانية”.

المنذر ثابت: يمكن للدولة أن تحصل على أموال بالتفويت في عدد من المؤسسات
وتابع الخبير الجبائي “الاتفاق المبرم بين الحكومة والاتحاد سيفضي في هذه الحالة إلى عرض صندوق النقد الدولي للملف في شهر أكتوبر القادم على الأقل، وهناك إمكانية لتمكين تونس من القسط الأول للقرض (مليار دولار من قيمة 4 مليارات دولار) لفائدة الحكومة التونسية.
ولفت العياري إلى أن “المؤسسات المالية العالمية المانحة ستفتح المجال لإقراض تونس بشروط ميسّرة، وهذه العمليات ستساعد وزارة المالية خصوصا والحكومة التونسية عموما من الترفيع في الرواتب لمدة ثلاث سنوات”.
ويرى مراقبون أن الاتفاق المبرم بين الطرفين، ستتبعه مساعدات خارجية، فضلا عن القيام بجملة من الإصلاحات تبدأ أساسا بالتفويت في عدد من المؤسسات للقطاع الخاص التي ستمكن الدولة من الحصول على تمويلات.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “الاتجاه نحو رفع الدعم اتجاه شُرع فيه وسيتواصل إلى حدّ استعادة المالية العمومية لتوازناتها، ومن المؤكد أن هناك مساعدات خارجية يمكن أن تساهم في تفعيل الاتفاق، فضلا عن فكّ العملة التي تعتبر عملية متاحة ومشروطة بعملية تدارك في إنتاج الثروة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “المسألة مرتبطة بحصيلة الإصلاحات التي قد يكون الاتحاد قد وافق عليها، أو ربما عبر خصخصة جزء من المؤسسات، ويمكن للدولة أن تحصل على أموال بالتفويت في عدد من المؤسسات”.
وحذّر ثابت من أن “تتحول هذه العملية إلى إجراءات خاطئة وخطيرة إذا لم ترتبط بعودة الاستثمار، ما قد يؤدي إلى تضخّم مضاعف”.
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب “أعتقد أن الحكومة وهي بصدد النقاش مع الاتحاد العام التونسي للشغل أو بصدد الإمضاء على الاتفاق، تعرف من أين تأتي بالأموال التي تخوّل لها الإيفاء بالتعهدات، كما أن صندوق النقد الدّولي قد اشترط منذ البداية إمضاء اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة والبنك المركزي لإقراض تونس”.
محمد ذويب: الحكومة تعرف من أين تأتي بالأموال للإيفاء بتعهداتها
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “من المتوقع أن يسرّع هذا الاتفاق بموافقة صندوق النقد الدّولي على منح تونس القروض التي أتصور أنها ستكون المصدر الأساسي لتحقيق الاتفاق بين الطرفين”.
ومطلع يوليو الماضي، انطلقت مفاوضات رسمية بين صندوق النقد الدولي وتونس، سعيا للتوصل إلى اتفاق للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لاستكمال موازنتها لعام 2022.
ويتضمن البرنامج الإصلاحي للحكومة التونسية إصلاحات مالية وجبائية تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الرواتب.
وتسعى الحكومة التونسية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في تمويل ميزانيتها، وتريد تقديم إصلاحات تظهر للمانحين أنها تضع ماليتها العامة على مسار مستدام.
ويقول صندوق النقد الدولي إن الحكومة في حاجة إلى اتفاق رسمي بشأن الإصلاحات مع اتحاد الشغل، قبل أن يوافق على برنامج القرض. وقال مانحون رئيسيون آخرون لتونس إنهم لن يقدّموا دعما للميزانية ما لم تدخل الحكومة في برنامج لصندوق النقد الدولي.
وتعاني تونس أزمة اقتصادية ومالية تفاقمت حدتها جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، إضافة إلى عدم استقرار سياسي تعيشه البلاد منذ بدأ الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية في 25 يوليو 2021.
والعام الجاري، دعا صندوق النقد الدولي الحكومة التونسية إلى ضبط فاتورة الرواتب، التي تشمل نسبة مرتفعة من إجماليّ النفقات، لتحقيق الاستقرار في المالية العامة.