الحشاني في فرنسا لبحث انطلاقة جديدة للعلاقات الثنائية

تهدف زيارة رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني إلى فرنسا إلى إذابة الجليد الدبلوماسي وتجاوز مرحلة الفتور في العلاقات بين البلدين، خصوصا بعد أن ظلت فرنسا تنظر بعين الريبة لإجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، كما تمهّد لتطوير مستويات الشراكة التقليدية بين الطرفين.
باريس - تسعى تونس من خلال زيارة رئيس حكومتها أحمد الحشاني لفرنسا إلى البحث عن انطلاقة جديدة للعلاقات الإستراتيجية ودعم التعاون الثنائي بين البلدين، فضلا عن المزيد من دفع نسق الاستثمار الفرنسي في تونس والحصول على دعم فرنسي لها لدى الاتحاد الأوروبي، في عدد من الملفات الهامة.
ويقول مراقبون إن تونس تبحث عن برنامج تمويلي بديل لقطع قنوات التفاوض مع الجهات المالية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي يشترط تنفيذ إجراءات “مجحفة” مقابل تمكينها من قرض بمبلغ 1.9 مليار دولار، لإنعاش اقتصادها المنهك والمأزوم.
وكثيرا ما سعت السلطة التونسية، خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، إلى تجنب إملاءات المؤسسات المالية الدولية، من خلال التفكير في حلول بديلة على غرار تنمية التعاون الثنائي مع عدد من البلدان وجلب حزمة من الاستثمارات التي تحتاجها محليا، فضلا عن اعتماد آلية “التعويل على الذات” التي يتبنّاها الرئيس قيس سعيد.
وتدرك تونس أنها لا تزال تحتاج إلى صوت فرنسي مساند أوروبيا وإقليميا، باعتبارها شريكا تقليديا وإستراتيجيا، وذلك في ملفات مهمة على غرار ظاهرة الهجرة غير النظامية والتعاون الأمني والاقتصادي، رغم بعض المطبّات التي شابت العلاقة في السنوات الأخيرة.
وأعرب رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال، أثناء استقباله نظيره التونسي أحمد الحشاني، مساء الخميس، عن أمله في أن تتجاوز العلاقة الفريدة بين فرنسا وتونس “كل الأخطار”.
من جانبه، رحب رئيس الحكومة التونسية بـ”الانطلاقة الجديدة” في العلاقات الثنائية. وشدد الحشاني على أن هذا الاجتماع يمثل “فرصة فريدة للتغلب على جميع الصعوبات التي ربما كانت موجودة في الماضي”.
وأفاد فريق رئيس الوزراء الفرنسي بأن المسؤولين التقيا وجها لوجه ثم ناقشا بشكل موسع قضايا الاقتصاد والتعليم والثقافة والأزمات الإقليمية.
وأوضح أتال في تصريحات للصحافيين، “نحن هنا لنظهر كيف أن علاقتنا الفريدة تتجاوز كل المخاطر”.
وأكد رئيس الوزراء الفرنسي أنه حريص على “تعميق الحوار السياسي في إطار شراكة الند للند”.
وأشار أتال، الذي ينحدر من أصول تونسية من طرف والده، إلى أنه سيعمل على “إعادة تفعيل نظام ضمان الصادرات الفرنسي، إكسبورت فرانس، لتسهيل تصدير الحبوب من فرنسا إلى تونس”.
وعلى المستوى الأوروبي، أعرب عن أمله في أن يتم تنفيذ شراكة الهجرة الموقعة في يوليو الماضي بين الاتحاد الأوروبي وتونس في إطار “الند للند”.
وشدد رئيس الحكومة التونسية على أنه “اتفقنا معا على أن نشكل ثنائيا قادرا على تعزيز العلاقات بين بلدينا”، مشيرا إلى أنه “كان هناك نوع من البرود الطفيف”، مستنكرا “بعض الأطراف المغرضة” التي تريد، على حد قوله، “عرقلة” العلاقات بين البلدين.
وتمثل تونس، إلى جانب ليبيا، نقطة الانطلاق الرئيسية للآلاف من المهاجرين الذين يعبرون وسط البحر المتوسط باتجاه أوروبا ويصلون إلى إيطاليا.
الحراك السياسي في أفريقيا شجّع وخصوصا في دول الساحل والصحراء، شجّع باريس على القيام بمراجعات في مستوى العلاقات وإعادة التموقع في القارة السمراء
وتتعرض “مذكرة التفاهم” بين الاتحاد الأوروبي وتونس لانتقادات من قبل اليسار الذي يدين “استبداد” الرئيس التونسي والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء في هذا البلد، بينما يرى نواب أوروبيون من اليمين ومن اليمين المتطرف أن ما يقوم به قيس سعيّد غير كاف.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “العلاقات تاريخية بين الطرفين، باعتبار الفترة الاستعمارية والهيمنة الثقافية الفرنسية على تونس بعد الاستقلال، حيث بقيت الثقافة مرجعية في ذلك، لكن العلاقة مرت بفترات برود، منها ما قبل 2011، وكانت مرتبطة بمحاولة النظام الثوري تنويع الشراكات”.
وأضاف لـ”العرب” أن “في مرحلة ما بعد فايروس كورونا، وفي سعي الاقتصادات لاستعادة أنفاسها، لم تكن فرنسا منتبهة ولا مصغية لمشاغل الدولة التونسية، خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، وكانت متردّدة في دعم توجهات الرئيس قيس سعيد”، ملخّصا العلاقات بين الطرفين في “سوء التفاهم وسوء الفهم”.
ولفت ثابت إلى أن “فرنسا تبقى في مستوى الاستثمار الخارجي المباشر والمبادلات التجارية والمالية الشريك الأول رغم المنافسة الإيطالية والألمانية، وهي تسعى إلى إعادة الدخول إلى تونس من خلال بوابة التعاون الثنائي وتنشيط المعطى الثقافي ومعطى الفرنكوفونية المهم”.
وبخصوص أهمية الزيارة بالنسبة إلى تونس، يرى منذر ثابت أنها “تبحث عن برنامج بديل عن قرض صندوق النقد الدولي (1.9 مليار دولار)، وإملاءات المؤسسات المالية المانحة، كما يبحث الجانب التونسي عن تنمية التعاون الثنائي”.
وأردف المحلل السياسي أن “فرنسا تقليديا كانت محامي تونس لدى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحتاج إلى تنشيط العلاقة، وتونس تراهن على فرنسا لمعالجة العديد من الملفات خاصة لدى البرلمان الأوروبي”.
وتم التأكيد خلال اللقاء على حاجة تونس إلى دعم تنموي من قبل الاتحاد الأوروبي، علاوة على التنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك والتحديات المستجدة على المستويين الإقليمي والدولي.
وشجّع الحراك السياسي في أفريقيا وخصوصا في دول الساحل والصحراء، على غرار مالي وبوركينا فاسو، باريس على القيام بمراجعات في مستوى العلاقات وإعادة التموقع في القارة السمراء.
وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي إن “العلاقات بين تونس وفرنسا قائمة منذ عقود، وفرنسا وقفت إلى جانب تونس اقتصاديا خصوصا بتقديم المساعدات بعد الاستقلال في 1956، لكن يبدو أن مستوى تلك العلاقات تراجع خصوصا بعد مسار الخامس والعشرين من يوليو في تونس، وهي كانت تنظر بعين الريبة لتلك الإجراءات”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “وجود لوبيات في فرنسا تعمل ضدّ مصالح تونس، لكن زيارة الحشاني تأتي لكسر الجليد الدبلوماسي بين الطرفين وتجاوز بعض العثرات”، قائلا “يبدو أن فرنسا قبلت بالأمر الواقع في تونس وقبلت بإرادة الشعب”.
وتابع الرابحي “التحولات السياسية التي وقعت في أفريقا، دفعت فرنسا إلى مراجعة علاقاتها مع دول شمال القارة، كما أن أوروبا أصبحت لا تنظر لأفريقيا على أساس مستعمرات”.
وأجرى الحشاني خلال زيارته لفرنسا التي تواصلت لثلاثة أيام، العديد من اللقاءات، حيث التقى في مقرّ سفارة الجمهورية التونسية بباريس ثلة من أفراد الجالية والكفاءات التونسيّة المقيمة بفرنسا ممثلين عن القطاع الخاص ومجالات العلوم والتكنولوجيا والثقافة والنسيج الجمعياتي.
وأشاد رئيس الحكومة خلال اللقاء بالحس الوطني للجالية التونسية بالخارج وما تتميز به من ولاء وقدرة على إعلاء صوت تونس والدفاع عن مصالحها في بلد الإقامة، علاوة على دورها الهام في معاضدة المجهود التنموي في تونس.