الحرب على الموت

مرّ خبر الملايين التي يصرفها مؤسس شركة أمازون العملاقة جيف بيزوس، من أجل تمويل أبحاث إطالة عمر الإنسان مرور الكرام. نقلته التايمز البريطانية وأوردته بعض المنابر العربية كاستعراض لترف الرجل و”بعزقته للفلوس”. لكنه لم يقرأ الأمر من زاوية ثانية.
في وادي السيليكون وظّف بيزوس مجموعة من أكبر علماء الجينات في العالم للبحث عن أسرار الحياة الأبدية. كما نقل، لأن الرجل يخشى من التقدّم في السن والموت، وهذا حقّه، وهو أساسا جوهر الصراع الإنساني مع الوجود منذ بدء الخليقة، لكن أن يتحوّل إلى فلسفة شاملة تموّلها رؤوس الأموال الضخمة فهذه نقلة نوعية في الحرب على الموت.
قال بيزوس مقتبسا كلاما لعالم الأحياء ريتشارد دوكينز “إن درء الموت هو أمر لا بد من العمل عليه، وإذا لم تعمل الكائنات الحية بجدية على منع الموت، فسوف تندمج في النهاية مع محيطها وينتهي وجودها باعتبارها كائنات مستقلة. وهذا ما يحدث حين تموت”.
لنعد قليلا إلى الوراء، حين كان البشر يصنّفون الحضارات بإنجازها الفني والثقافي والمعماري والعلمي، ولسبب كهذا اعتبرت الحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية والحضارة العربية الإسلامية حضارات. بينما لم تجد الحضارة الغربية الحالية لها نصيبا من هذا التصنيف. سبب ذلك أنها تجاهلت المحتوى المعرفي، ولم تنظر إليه بالتقدير الذي نظرت إليه به الحضارات السابقة الذكر، فاعتبرت الثقافة أمرا ثانويا، بينما ما يبقى في عالم الخلود هو هذا فقط، الإنتاج الثقافي. وكل شيء قابل للفناء ما عداه.
الموت متفق عليه، لكن هناك فهما خاطئا لدى الأميركيين والطبقة الحالية من الأثرياء، لمعنى الخلود، بينما نحن في الشرق حللنا الموضوع من آلاف السنين، وكان اكتشاف الروحانية جوهرتنا الثمينة التي نباهي بها بقية الأمم. الغرب المادي تجاوز هذا، وأصبح يبحث عن فردوس أرضي. لكن ما الذي يمكن للإنسان أن يفعله بالبقاء بعمر 200 و300 عام؟ ما هي الجدوى؟
يريد بيزوس إنتاج أدوية تخلّص الجسم من الخلايا المسنّة، وهي نوع من الخلايا ترفض الموت إلا أنها تفرز مواد كيميائية ضارة عند تراكمها، فتؤذي غيرها من الخلايا في الجسم البشري.
إن الفارق بين الزمن كما يتصوره فاقدو الإيمان بالمعرفة، وأولئك الذين يتمتعون بها، فارق كبير.
سيفشل بيزوس لا لعجز العلم عن العبث بالخلايا، بل لأن معارضة عنيفة ستواجهه بعد قليل، فحياة الإنسان القصيرة التي تبدو كوميض خاطف، هي فرصته الكبرى لفعل الكثير في هذا الوقت الضيق، فإذا شعر أن الوقت متاح لديه فلربما سيتقاعس عن “الإنتاج” ويرخي بدنه، وهذا ما سترفضه الشركات الكبرى، لأنها تريد الإنتاج والعمل لا الراحة والطمأنينة.