الجوع يزحف نحو مختلف الطبقات الاجتماعية في لبنان

بدأت أزمة الجوع في لبنان بالزحف إلى كل الطبقات الاجتماعية دون استثناء حيث لم يعد معظم المواطنين قادرين على تلبية حاجياتهم الأساسية من الغذاء في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة وانحدار قيمة العملة وشح السيولة وتداعيات الإغلاق، التي أغلقت منافذ توريد المواد التموينية.
طرابلس (لبنان)- بات الجوع يتهدد الآلاف من الأسر اللبنانية في محافظة طرابلس، التي لم تعد تقدر على جمع قوتها اليومي، الأمر الذي يفاقم معاناة المواطنين في أشد أزمة في تاريخ البلاد منذ الحرب الأهلية لعام 1975.
ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وتوقف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار. وتسبّبت الأزمة في ارتفاع معدل التضخم وجعلت قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
وأدى الانهيار الاقتصادي المتسارع إلى تدهور غير مسبوق في قيمة العملة المحلية، فوجدت شرائح واسعة من اللبنانيين قدرتها الشرائية تتآكل بسرعة، ما جعل كثيرين عاجزين حتى عن ملء براداتهم بالخضار والألبان واللحوم.
ولم تستثن تداعيات الانهيار، وهو الأسوأ منذ عقود، أي فئة اجتماعية وانعكست موجة غلاء غير مسبوق، وسط أزمة سيولة حادة وشحّ الدولار الذي لامس سعر صرفه في السوق السوداء عتبة الستة آلاف ليرة فيما السعر الرسمي لا يزال مثبتا على 1507 ليرات.
وخسر عشرات الآلاف من اللبنانيين منذ الخريف، مصدر رزقهم أو جزءا من مداخيلهم جراء الأزمة التي دفعتهم إلى النزول إلى الشارع منذ منتصف أكتوبر الماضي، ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والعجز عن إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة.
وفاقمت تدابير الإغلاق العام التي فرضها انتشار فايروس كورونا المستجد الوضع الاقتصادي والمعيشي سوءا.وتسبّب ذلك في ارتفاع معدل التضخم في بلد يعتمد على الاستيراد إلى حد كبير، وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا جنونيا تجاوز 72 في المئة من الخريف حتى نهاية مايو، وفق جمعية حماية المستهلك غير الحكومية.
وجعلت الأزمة قرابة نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر وفق البنك الدولي، مع توقّع خبراء اقتصاديين اضمحلال الطبقة الوسطى في بلد كان حتى الأمس القريب يُعرف باسم سويسرا الشرق ويشتهر بمرافقه وخدماته ومبادرات شعبه الخلاقة.
وبحسب عاملين في منظمات إغاثة ومتطوعين، فإن عائلات كثيرة كانت قادرة على تأمين قوتها اليومي باتت اليوم عاجزة عن تأمين أبسط المتطلبات من خبز وطعام ودواء مع خسارة أفرادها عملهم أو قدرتهم الشرائية.
وبدت ملامح تلك الصدمة تظهر على برادات المواطنين التي بدت شبه فارغة داخل منازل في مدن رئيسية هي بيروت وجونية وجبيل وطرابلس شمالا وصيدا جنوبا، تأثر أصحابها بتداعيات الأزمة وبتدهور الليرة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن عدد من اللبنانيين قولهم إنه من كان راتبه يعادل 700 دولار في الصيف الماضي على سبيل المثال، بات اليوم بالكاد يعادل مئتي دولار.
وأمام باب برادها المفتوح وفيه عبوة مياه وحبتان من الخيار فقط، تروي فدوى المرعبي البالغة 60 عاما المقيمة في منزل متواضع في مدينة طرابلس أنها باعت برادها الكبير العام الماضي لأنها لم تكن قادرة على تخزين الكثير فيه واشترت آخر أصغر حجما.
وقالت “اليوم، حتى هذا البراد الصغير لست قادرة على ملئه. ولو وجدت أصغر منه في السوق لبعته على الأقل أستطيع شراء الطعام من ثمنه”.
وتحولت أزمة لبنان منذ أشهر إلى كابوس يؤرق حياة اللبنانيين بفعل افتقاد القوت اليومي، واضطرت العديد من الأسر إلى تحويل ساحات منازلها الخلفية إلى مزارع صغيرة للخضر والغلال لمقاومة الجوع.
وفاقم الإغلاق إشكاليات نقص الغذاء نظرا لغلق منافذ وإمدادات توريد المواد الغذائية خصوصا مع صعوبة الأوضاع في كل من سوريا وإيران التي تتخبط هي الأخرى في أزمات لا حصر لها.
وانخفضت الواردات بما في ذلك الغذائية من 19.6 مليار دولار في 2018 إلى 19.2 مليار دولار في العام الماضي مع انخفاض معدلات الإنفاق. ويعمق استغلال شبكات التهريب للدعم من مشاكل الغذاء في لبنان حيث تسبب في فقدان وندرة العديد من المواد الغذائية.
72 في المئة نسبة التضخم في أسعار المواد الغذائية حتى مايو، وفق جمعية حماية المستهلك
وحاولت الحكومة قطع الطريق على المهربين من خلال إطلاق سلة غذائية مدعومة خلال مايو المنقضي تتضمن كل المكونات الغذائية التي يحتاجها الإنسان من بروتينات حيوانية ونباتية ونشويات وغيرها.
وقوبلت المبادرة برفض واسع داخل الأوساط اجتماعية التي اعتبرت الخطوة فضفاضة ولا تواكب حجم متطلبات المرحلة، في بلد يكابد أزمة مالية حادة تُعتبر أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية.
وحث نبيه بري رئيس مجلس النواب الأربعاء الحكومة والمصرف المركزي والبنوك التجارية على إعلان حالة طوارئ مالية واستعراض جميع خطوات حماية العملة اللبنانية المنهارة.
وقال إن “لبنان لن يحصل على قرش واحد من صندوق النقد الدولي أو أي دولة مانحة حتى ينفذ إصلاحات في مقدمتها الإسراع بإصلاح قطاع الكهرباء الذي يتكبد خسائر”.
وفقدت الليرة نحو 75 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر، عندما تفاقمت متاعب اقتصادية تختمر منذ مدة طويلة لتتحول إلى أزمة مالية تعد أكبر تهديد يشهده لبنان منذ حربه الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وتقول الدول المانحة التي قدمت المساعدة إلى لبنان في السابق إنه لن يتلقى المزيد قبل أن ينفذ إصلاحات للقضاء على الفساد الحكومي وهدر المال العام من قبل المسببين الأساسيين للأزمة. ودفعت الأزمة الآلاف من اللبنانيين إلى مربع الفقر بعد أن فقدوا حتى مادة الخبز، حيث تسببت الأزمة في صعوبات اجتماعية للشعب الذي يبلغ عدد أفراده ستة ملايين نسمة تقريبا.