الجمهور التونسي يتطلع إلى الاستمتاع ببرمجة رائقة للمهرجانات الصيفية

ككل سنة من السنوات الماضية، يأتي موسم المهرجانات الصيفية بالكثير من الاختلافات بين أهل القطاع الموسيقي، فبينما ينتظر الجمهور المهرجانات للاستمتاع وحضور الحفلات الجماهيرية، يرى الفنانون التونسيون أنهم مظلومون في بلدهم الذي يستضيف فنانين عربا وأجانب، في حين يتجاهلهم رغم التاريخ الفني الكبير للبعض منهم.
تونس - يتطلع الجمهور الفني في تونس إلى أن تكون برمجة المهرجانات الصيفية في دورتها القادمة في مستوى انتظاراته من خلال تقديم مادة موسيقية رائقة تشمل كل الأنماط الغنائية والطربية، خصوصا مع حضور وجوه فنية جديدة على خشبة أبرز المسارح (قرطاج والحمامات) واستياء أخرى من عدم المشاركة رغم المسيرة الفنية الطويلة. ويعتبر فصل الصيف في تونس منذ سنوات عديدة موسم المهرجانات بامتياز، حيث أصبحت كل منطقة في البلاد تقريبا لها مهرجان خاص، ما يعكس عشق التونسيين للثقافة والفنون.
ومن المنتظر أن تسجل وجوه فنية تونسية حضورها لأول مرة في أبرز المهرجانات الصيفية، بعد تحقيقها نجاحا فنيا كبيرا في الفترة الأخيرة وإنتاج أغان أطربت الجماهير في كل التظاهرات والمناسبات. ولأول مرة، برمجت إدارة مهرجان قرطاج الدولي عرض الفنان رؤوف ماهر “صنديدة” يوم الثامن والعشرين من يوليو القادم، للمخرج المسرحي الفنان أنور الشعافي مع البحث عن تناغم بين الأداء الغنائي.
وسبق أن أخرج أنور الشافعي المدير العام الأسبق للمسرح الوطني في تونس، حفلات استعراضية ضمن افتتاح المهرجان الدولي للصحراء بدوز (جنوب) ثم المهرجان الدولي للقصور الصحراوية بتطاوين (جنوب)، قبل أن يشتغل على أعمال مسرحية جيدة مثل “هوامش على شريط الذاكرة” و“ليلة 27” و”الدرس” و”تري ما رأيت” و”من روميو إلى جولييت”.
وكسب الفنان رؤوف ماهر الرهان بعد تألقه في السنوات الأخيرة وحقق نجاحا مستحقا بفضل جهده وإصراره، وسط إجماع المتابعين للشأن الموسيقى على جمال صوته وأدائه المحترم. وفي المقابل، عبرت وجوه فنية عن غضبها من الوضع الذي يعاني منه القطاع الفني في تونس، فضلا عن عدم مشاركتها في أبرز المهرجانات الصيفية وأولها مهرجان قرطاج الدولي.
وقال الفنان التونسي محمد الجبالي “للأسف للعام الثاني على التوالي لن أشارك في مهرجان قرطاج الدولي، بعد أن شاركت في السابق أربع مرات، ولي 35 سنة في ميدان الغناء، كما قدمت العام الماضي عرضا موسيقيا لكن تم رفضه”، متسائلا “لماذا تم رفض الملف دون تقديم أسباب؟”. وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “لا بد من وجود توازن بين المنتوج الفني المحلي والخارجي وإشراك فنانين من تونس ومصر ولبنان، فضلا عن تنويع الأنماط الموسيقية”.
وأشار الجبالي إلى أن “فن الراب برز خصوصا بعد ثورة يناير 2011 فغابت الموسيقى الوترية، لكن هناك أصواتا رائعة ولا بد أن نستمع إلى كل الأذواق، منها الوتري، الراب، المدائح والفن الصوفي والمسرح”.
ومهرجان قرطاج هو أعرق مهرجان دولي في دول جنوب المتوسط تم تأسيسه في عام 1964، وفي العام ذاته انطلقت الدورة الأولى لمهرجان الحمامات الثقافي الفني، الذي تحتضنه مدينة الحمامات السياحية (في الشمال الشرقي). ودأبت تونس على تنظيم مهرجاني قرطاج والحمامات بين شهري يوليو وأغسطس من كلّ سنة.
وتعوّد المسرح الروماني في قرطاج الذي يتّسع لأكثر من عشرة آلاف متفرّج، على احتضان نشاطات المهرجان التي تشمل عروضا تونسية وعربية وعالمية تشمل الغناء والرقص والمسرح. وفضلا عن مهرجان قرطاج، توجد مهرجانات دولية أخرى تستقطب وجوها فنية معروفة، على غرار الحمامات، وطبرقة وبنزرت وسوسة وصفاقس ومهرجان الموسيقى السمفونية بالجم، ومهرجان دقة وقابس وغيرها.
وتكاد لا تخلو منطقة في تونس من مهرجان صيفي، إذ تختلف برامج هذه المهرجانات من مدينة إلى أخرى بحسب موازناتها التي تحصل على أغلبها من وزارة الشؤون الثقافية، وتعتبر المتنفس الوحيد للترفيه بالنسبة إلى مناطق كثيرة. وبحسب أرقام رسمية، توجد نحو 800 مهرجان ثقافي في تونس، 48 في المئة منها تقام في شهري يوليو وأغسطس من كل عام. وتأتي عودة المهرجانات الصيفية وسط أزمة اقتصادية خانقة ضربت كل القطاعات في تونس بما في ذلك قطاع الثقافة.
وقالت المطربة التونسية نوال غشام "يمكن التفكير في إمكانية تعويل الفنان على ذاته في تقديم سهرات المهرجانات وندع الجمهور يقيم العمل الفني عوض تقديم ملفات وعروض يمكن أن ترفض". وأضافت في تصريح لـ"العرب"، "وسائل الإعلام يمكن أن تلعب دورا مهما في التعريف بالمنتوج الفني للمطربين، ولدينا قامات فنية يمكن أن تشد المتلقي بما تقدم".
وتابعت المطربة التونسية "في فترة التسعينات كان التوجه الفني واضحا في الساحة، لكن في الوقت الحالي هناك اختلاف، وهناك جمهور خاص بفن الراب، لكن الموسيقى الوترية تخص فئة معينة (خصوصا كبار السن)". واعتبرت نوال غشام التي تغني أيضا الفن الليبي، أنه “يوجد اختلاف بين المناطق التونسية في فهم الأنماط الموسيقية والصور الشعرية والكلمات، ولكن توجد مختلف الأذواق الفنية في تونس والجمهور يمكن أن يختار ما يريد”.
وتعتبر المهرجانات الصيفية بالنسبة إلى كثيرين عنوانا لصناعة الثقافة في تونس، وتُوفّر المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية نحو 300 ألف فرصة شغل مباشر وغير مباشر، في حين تبلغ قيمتها التمويلية نحو 2600 ألف دينار تونسي (842.92 ألف دولار) بحسب الأرقام الرسمية. ويزور تونس هذا الصيف العديد من النجوم الأجانب والعرب الذين ستكون لهم مشاركات مختلفة في أكثر من مهرجان ومنطقة.
وأفاد الفنان التونسي الشادلي الحاجي "لدي برنامج عمل مع الملحن عبدالرحمن العيادي، والفنان عدنان الشواشي، وهناك إمكانية للمشاركة في مهرجان الحمامات الدولي وبعض المهرجانات في المناطق الداخلية لتونس". وأضاف لـ"العرب"، "إذا كان هناك إيمان كبير بأن الأغنية الوترية يمكن أن تستقطب الجماهير في المهرجانات، فيمكن تقديم عروض جيدة والجمهور التونسي يقبل على هذا اللون الموسيقي".
وأردف الحاجي "تونس بلد مضياف ومرحب بالأشقاء العرب، ولكن يبدو أن هناك استراتيجيا غير مدروسة في الاختيارات، والفنان التونسي قادر على تقديم مادة فنية جيدة، كما توجد أنماط موسيقية جديدة اكتسحت الساحة، والمهم أن كل هذه الأنماط تتعايش عبر المزج بين الأغاني الملتزمة والخفيفة والوترية وفن الراب". واستطرد "لا يجب أن يكون حضور هذا على حساب الآخر، ويفترض التفكير في الجانب الثقافي قبل الجانب المالي".
وسبق أن أعلنت وزارة الشؤون الثقافية تأجيل مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين إلى عام 2021، بسبب تداعيات جائحة كورونا، وهي المرة الثانية التي يتم فيها تأجيل فعاليات مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين منذ تأسيسهما في صيف عام 1964.