الجزائر ما زالت غير مستعدة لمواجهة الفرنسيين بماضيهم الاستعماري

حسابات سياسية ترهن مصير مشروع تجريم الاستعمار.
الاثنين 2021/11/22
مطالب الشارع الجزائري تحرج السلطة

يستمر عجز السلطات الجزائرية عن مواجهة فرنسا بماضيها الاستعماري، في ظل تواصل بقاء قانون تجريم الاستعمار كورقة حاسمة في دائرة المناورات السياسية بين الأحزاب المكونة للمشهد في البلاد، وهو ما يتعارض مع توجهات الشارع الجزائري.

الجزائر - لا يزال قانون تجريم الاستعمار حبيس أدراج الحسابات السياسية في الجزائر، ولا يترجم إلى حد الآن حقيقة الموقف الشعبي؛ فرغم أن المسألة تندرج في إطار الخلاف الأزلي مع الفرنسيين والخطاب المسوق للرأي العام خاصة في الآونة الأخيرة، ورغم المحاولات المتعددة التي بادرت بها قوى برلمانية في عدد من المناسبات، إلا أن المشروع لم ير النور، وهو ما يجسد رغبة خفية لدى السلطة الجزائرية في عدم إزعاج نظيرتها الفرنسية.

واستغلت حركة مجتمع السلم الإخوانية الأزمة السياسية المتصاعدة مع فرنسا للتلويح مجددا ببعث قانون تجريم الاستعمار، وتم إعداد وعرض وثيقة المشروع التي استقطبت عددا من نواب الكتل الأخرى، إلا أن مصيره لا يزال مجهولا إلى حد الآن، في ظل سكوت القوى الحزبية المهيمنة على البرلمان، الأمر الذي يوحي بأن المشروع مازال رهين الحسابات الحزبية الداخلية ولم يرتق إلى مستوى الموقف السياسي من الحكومة الفرنسية.

ولا يستبعد متابعون للشأن السياسي الجزائري أن يكون مصير المشروع الحالي كمصير مشاريع قوانين سابقة، أعدت وعرضت داخل أروقة البرلمان، غير أن متاريس خفية عرقلت تجسيدها على أرض الواقع، مما يوحي بأن إرادة داخل السلطة مازالت غير مستعدة لمواجهة الفرنسيين بما يزعجهم من ماضيهم الاستعماري للبلاد.

ورغم ظهور محاولات سابقة من طرف نواب منفردين أو كتل حزبية، كما هو جار الآن من طرف حركة مجتمع السلم، إلا أن الحسابات والتوازنات السياسية مازالت هي الورقة الحاسمة في الملف، حيث تنظر الأحزاب المحسوبة على السلطة إلى مبادرة “حمس” بعين المناورة السياسية أكثر منها تعبئة البرلمان لصالح موقف ظل يترنح منذ عقود للرد على الاستفزازات الفرنسية خاصة في الآونة الأخيرة.

وألمح نائب من حزب جبهة التحرير الوطني، فضل عدم الكشف عن هويته، لـ”العرب” إلى أن “حركة مجتمع السلم تحاول استغلال الأزمة السياسية والدبلوماسية القائمة بين الجزائر وفرنسا من أجل رفع أسهمها الشعبية لدى الرأي العام، عبر اللعب على وتر حساس، وإحراج الأحزاب الداعمة للرئيس عبدالمجيد تبون، بعدما اختارت لنفسها موقع المعارض”. 

عبدالرزاق مقري: مواجهة الكيد الفرنسي لا تكون بالتصريحات بل بتجريم الاستعمار

وصرح رئيس حركة حمس عبدالرزاق مقري بأن “حركة مجتمع السلم قامت بواجبها بإصدار قانون تجريم الاستعمار عبر كتلتها في المجلس الشعبي الوطني، وأنه تم إشراك جميع الكتل البرلمانية”، ودعا إلى “ضرورة تمرير مشروع قانون تجريم الاستعمار، لأن مواجهة الكيد الفرنسي لا تكون بالتصريحات فقط بل بتجريم الاستعمار وتعميم اللغة العربية في كل الإدارات وعلى ألسنة المسؤولين”.

وأضاف “الرئيس الفرنسي من خلال إساءته للجزائر أراد خدمة اليمين المتطرف فقط، وما قام به إيمانويل ماكرون سينقلب عليه وستفشل مخططاته، وبلاده احتقرت ‘الحركى’ بعد الاستقلال وجعلتهم في الدرجة الثانية واعتقلتهم في المحتشدات واليوم تريد الاعتذار لهم. على فرنسا أن تعتذر لكل الجزائريين على جرائمها وتعوضهم وسنلاحقها حتى يتحقق ذلك”.

ولا يزال الغموض يخيم على مصير المشروع المذكور في ظل الفتور الذي يميز مواقف الأحزاب المكونة للأغلبية داخل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني التي دعت إلى “التريث” قبل الذهاب إلى إصدار قانون على هذا النحو، وهو ما ألب عليها مواقف الأحزاب والتنظيمات الأهلية المتحمسة للرد الملموس على ما تصفه بـ”الازدراء الفرنسي”.

وردّ في هذا الشأن الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي بحدة على “الانتقادات التي طالت حزبه بعد طلبه التريث في مبادرة تجريم الاستعمار التي قدّمتها حركة حمس”، وشدد على أن “جبهة التحرير لم ولن ترفض مبادرة تجريم الاستعمار، ولكن لكل حزب الحق في تقديم مبادرة خاصة أمام البرلمان، وأن منتقديه يرغبون في المزايدة باسم الوطنية”.

ولفت إلى أن حزبه أول حزب سياسي في البلاد نادى بضرورة “سن قانون تجريم الاستعمار خلال العهدتين التشريعيتين 2007 ـ 2012 و2012 ـ 2017، ولم يكن يوما ما ضد فكرة تشريع قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي، ولسنا ضد الفكرة ومن حق أي حزب سياسي تقديم مبادرة، لكن نرفض المزايدة، فلا يحق لأحد أن يقدم لـ’الأفلان’ درسا في الوطنية، وأن السياسة الخارجية من صلاحيات رئيس الجمهورية وحده”.

غير أن أمين عام أكبر أحزاب البرلمان الجديد تجاهل الموقف الذي اتخذه حزبه وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، لما أجهضا عام 2007 مشروعا مماثلا بإيعاز آنذاك من طرف رئاسة الجمهورية، التي كانت على ود مع النظام الفرنسي، ولم تشأ إزعاجه رغم أنه هو المبادر آنذاك بإصدار قانون ما يعرف بـ”تمجيد الاستعمار” بدعم من الرئيس نيكولا ساركوزي.

ويأمل منسق المشروع الحالي النائب زكريا بلخير توافق الكتل البرلمانية، بما فيها تلك المعروفة بتوجهاتها التغريبية الموالية لفرنسا، وذكر أن “كافة الأطياف السياسية في البلاد تدعم هذه الخطوة”.

ولفت إلى أنه حتى “التيارات التغريبية الموالية لفرنسا لا نعتقد أنها ستقف أمام هذا المشروع؛ لأن الجزائريين تألموا كثيرا من الذهنية الكولونيالية الفرنسية، وأن الفارق هو حجم التفاعل مع المبادرة بين طيف سياسي وآخر، ولا أقول تيارات وإنما أشخاصا ونوابا يعيشون في ذهنية النظام السابق”.

4