الجزائر.. حقيقة الصراع بين البرلمان والحكومة

الصراع الذي بدأ يحتدم بين البرلمان الجزائري وبين حكومة عبدالعزيز جراد قد يتطور ويصعب علاجه.
الخميس 2020/04/02
صراعات سياسية متفاقمة

بعد مرور مئة يوم ونيف على الانتخابات الرئاسية الجزائرية وتشكيل الحكومة شرعت هذا الأسبوع الكتل الممثلة لبعض أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة داخل البرلمان في مطالبة الرئيس عبدالمجيد تبون بالتدخل شخصيا لإعادة النظر في تشكيلة وأسلوب عمل الحكومة التي يقودها الوزير الأول عبدالعزيز جراد، بسبب تداخل مهامها وتضخم عدد أعضائها وعدم فعالية كثير من الوزراء وكتّاب الدولة، ويعني هذا أن ثمة إدراكا جديا لدى هذه الأحزاب الثلاثة ولدى غيرها من أحزاب المعارضة ومختلف تشكيلات النشطاء السياسيين في المجتمع المدني أن السبب الحقيقي يتمثل في الصيغة التي تشكلت على أساسها حكومة جراد والتي لم تكن وفق معايير الإجماع الوطني والتمثيل التوافقي وبشكل مدروس بإحكام.

من الملاحظ أنه لأول مرة يدخل حزب جبهة التحرير الوطني على الخط، ويقوم بانتقاد تشكيلة حكومة النظام الجزائري الذي هو جزء عضوي فيه بوضوح وأمام الرأي العام الوطني، ويتقاسم القلق مع حزبين إسلاميين غريمين وهما حركة مجتمع السلم (حمس) وحزب جبهة العدالة والتنمية بخصوص عدم فعالية معظم الوزارات وكتابات الدولة في حكومة جراد في هذا الوقت الصعب الذي ينذر بأخطار حقيقية.

من الواضح أنّ مطلب هذه الأحزاب الثلاثة قد تسبب فعليا في تحريك بعض السواكن وفي المقدمة إحراج الوزير الأول ورئيس الدولة بشكل خاص، ما أدى بالأول إلى القيام يوم الاثنين الماضي بزيارة سريعة خصَصها لتفقد المصابين بفايروس كورونا في مستشفى فرانس فانون بمدينة البليدة المتاخمة لعاصمة البلاد والأكثر تضررا من أيّ محافظة أخرى، كما دفع الرئيس تبون إلى عقد اجتماع عاجل الثلاثاء الماضي مع عدد قليل من ممثلي وسائل الإعلام التابعة للقطاع الخاص، واستخدم هذا الاجتماع ومرّر خلاله خطابه إلى المواطنين حيث طمأنهم بأن الدولة تتحكم في الوضع ولديها الإمكانيات المادية لمواجهة التحديات التي تواجهها الجزائر منذ بدايات زحف فايروس كرونا وانتشاره في كثير من المحافظات.

ويرى المراقبون السياسيون أن تحرك الوزير الأول ورئيس الدولة تم في الحقيقة للرد بشكل غير مباشر على انتقادات الأحزاب لعطالة غالبية الطاقم الحكومي، ومن أجل ملء الفراغ السياسي والتنفيس النفسي من جهة، ولقطع الطريق من جهة أخرى على بقية الأحزاب التي قد تلجأ بدورها إلى الخروج عن صمتها وخاصة الأحزاب المعارضة المتضامنة ولو براغماتيا مع الحراك الشعبي، والتي تحسّ أنها قد أصبحت ضحية للإقصاء المنهجي من طرف النظام الحاكم منذ وصول الرئيس تبون إلى سدة الرئاسة بقصر المرادية.

ولكن كل التوقعات تشير إلى أن تكتيك احتواء المعارضة وإسكات الموالاة والتنفيس عن الملايين من الموطنين أمور قد لا تصمد طويلا مادام الوضع الاقتصادي الجزائري يعاني من الهشاشة، خاصة إذا تصاعد انتشار وباء كورونا وتواصل ارتفاع عدد الوفيات، واستمر تطويق وحجر المدن الكبرى بأكملها وتوقف اليد العاملة، فضلا عن تقطع عمليات توزيع المواد الغذائية والطبية لمدة طويلة في البلاد.

وفي هذا الخصوص تفيد الوقائع أن حركة النقل الوطني البحري والجوي الذي يضمن التحكم في وتيرة استيراد السلع من الخارج على نحو سلس يمكن أن تشهد تطورات درامية في الأيام القادمة، حيث أن بعض الدول الأجنبية التي تشتري منها الجزائر قد تلجأ إلى تفعيل سياسات وقف التصدير مؤقتا أو التخفيف منه بحجة الاحتفاظ بالجزء الأكبر مما تملكه لفائدة مواطنيها. وأكثر من ذلك فإن المحللين السياسيين المختصين في الشأن المالي الجزائري يرون أن احتياطي الجزائر من العملة الصعبة الذي يقدر بمبلغ 60 مليار دولار ضعيف ولن يكفي على المدى الطويل لتغطية نفقات مجتمع جزائري ذي كثافة سكانية تبلغ 45 مليون نسمة خاصة في ظل تفاقم التدهور المطرد لأسعار الغاز والبترول في الأسواق الدولية.

إن هذه التعقيدات الاقتصادية تهدد نسبة كبيرة من الشرائح الاجتماعية الفقيرة وما يُدعى بمناطق الظل التي تعشش فيها البطالة وأنماط اليأس الاجتماعي والمساكن غير الصحية والبيئة الملوثة بسبب تراكم النفايات، وقلة الماء وغيرها من الظواهر السلبية.

في ظل هذا الوضع يرى المراقبون السياسيون أن الصراع الذي بدأ يحتدم خلال هذا الأسبوع بين البرلمان الجزائري وبين حكومة عبدالعزيز جراد قد يتطور ويصعب علاجه، لأن سلطة البرلمان الجزائري في ظل النظام الرئاسي شكلية تبعا لأن الدستور يخول الرئيس فقط بتغيير الوزير الأول، علما أن هذا الإجراء نفسه مشروط مسبقا بموافقة أو رفض صنَّاع القرار السياسي الحقيقيين الذين قاموا بجلبه من خارج البرلمان بشكل غير معلن. وبسبب هذه العراقيل فإنه لا يمكن للبرلمان أن يفرض على رئيس الدولة إجراء تحوير راديكالي في البنية الحالية لتشكيلة الحكومة التي لم تشارك غرفته السفلى وغرفته العليا في اختيار أعضائها، ثمَ أن الرئيس تبون نفسه على دراية بأن الحكومة الحالية ليست إلا إفرازا للتوازنات بين الأجنحة القوية المتصارعة في الخفاء والتي تشكل فسيفساء النظام الجزائري وبسبب ذلك فإن تعديل الحكومة محكوم بذلك.

9