"الجديد" تطوي 3 سنوات مضيئة

منذ عددها الأول انتهجت مجلة الجديد، التي تحتفل في ديسمبر الجاري بمرور 3 سنوات على ولادتها، دربا وعرا لتعبّد بتجربتها الطريق أمام الأقلام الجديدة المبدعة والجريئة، مستقطبة إلى ملفّاتها الفكرية أقلاما عربية راسخة وأخرى طالعة، لِطَيْف واسع من المفكرين والكتّاب من مختلف الجغرافيات العربية، ومعها جغرافيات المنفى، وشملت كتابا ومثقفين من اتجاهات ومشارب فكرية تشترك في ما بينها بوعي ضرورة التجديد والحداثة، إنْ في الثقافة أو في الاجتماع. وقد تلاقت الأقلام التي أضاءت مصابيح “الجديد” على قاعدة الإيمان بحقّ الفكر في الاختلاف وضرورة الجدل وأهمية الحوار الحرّ بين مختلف الأفكار.
مقالات وأفكار
في هذه المناسبة لا بد من التذكير بالبيان التأسيسي للمجلة الذي تضمنته افتتاحية عددها الأول، فقد جاء فيه: “لن تكون ‘الجديد‘ حكرا على الأسماء الشهيرة المعروفة، لمجرد أنها كرست نفسها عبر الزمن، لكنها ستسعى إلى أن تكون منبرا للنصوص والمنجز الفني والبحثي الرفيع قبل الأسماء”.
حفل العدد الـ35 من مجلة “الجديد” بالكتابات الأدبية والنقدية والفكرية، وتميز بملفه الذي أثار السؤال عن حاضر العرب وطبيعة تفكّرهم فيه، ونظرتهم إلى أحوالهم الراهنة على مفصل صراع دام يشمل جغرافيات المشرق العربي ليطال وجودهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ومجمل نواحي حياتهم، ويهدد مستقبلهم كأمّة. وبالتالي ملف يطرح السؤال على العقل العربي، السؤال حول المستقبل والكيفية التي يتفكرون فيها بمستقبلهم كأمة في عالم اهتزت فيه القيم وتخلخلت الرؤى العظيمة التي أنتجت وعيا أمميا بإنسانية الإنسان ووجوده الفردي والجماعي.
شارك في ملف العدد كتّاب من فلسطين، مصر، سوريا، الأردن، العراق، المغرب، والجزائر تناول كلّ منهم المسألة من زاوية خاصة، لتبلور المقالات مجتمعة رؤية جماعية لانفعال الفكر في علاقته بالواقع وظواهره المؤثرة في التفكير العام، إزاء ما يجري.
المجلة قدمت كتابا ومثقفين من اتجاهات ومشارب فكرية مختلفة تشترك في ما بينها بوعي ضرورة التجديد والحداثة
وتضمن العدد مقالات لـكل من: مؤسس المجلة وناشرها هيثم الزبيدي، و6 كتّاب من العراق وتونس ومصر، تصدت لفكرة العنف والأصولية والطائفية والتسلط، وللثقافة بوصفها مستودعا للفكر وملجأ للحلم. كما احتوى العدد على دراسات، ونصوص أدبية من قصص وشعر ويوميات ونقد أدبي، ومراجعات ومختصرات للكتب الصادرة حديثا.
وتميز حوار العدد مع المفكر المصري جلال أمين، الذي أجرته معه حنان عقيل، بالدقة في تناول موضوعات التقدم والتخلف والتشدد الديني والتراجع المجتمعي في العالم العربي. وهو يرى أن العرب لا يمكن وصفهم جوهريا بالتخلف، فما من أمّة يمكن أن تكون متخلفة في أصل تكوينها أو لعلة جوهرية في طبيعة نهوضها التاريخي، ولكن لأسباب تتعلق بالمجتمعات ودرجات تطورها العلمي والاقتصادي، أساسا، ومن ثم الثقافي.
رحلة السنوات الثلاث
نشرت المجلة خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 40 ملفا فكريا وأدبيا، منها “ثقافة النخبة وثقافة الناس”، “العرب في مصيدة الأمم”، “تحرير العقل: الأصولية والحداثة وانفجار المجتمعات”، “أدب اليوميات”، “أدب السجن”، “ثقافة القمع الأبوي”، “العقلانية والشعبوية والسؤال عن الذات”، “صورة الكاتب في طفولته”، “المسرح العربي: دراسات وتجارب وشهادات”، “المخيال الديني ولعنة التحريم”، “ذكورة وأنوثة: جدل الكتابة والمرأة والمجتمع والتغيير”، “الثقافة والعنف: الانفلات الديني والهيمنة الأبوية والنكوص الاجتماعي”، وغيرها.
|
إضافة إلى ملف احتوى على أكثر من 100 شهادة عن الرواية لكاتبات وكتّاب من أنحاء العالم العربي، وثلاثة ملفات تضمنت 71 نصا قصصيا من العراق واليمن والمغرب العربي لأجيال مختلفة من كتّاب القصة.
كما خصصت المجلة عددا كاملا للشعر العربي تضمن نصوصا لـ100 شاعر وشاعرة، وعددا خاصا عن القصة القصيرة لـ99 كاتبة وكاتبا من 15 بلدا عربيا، ردّا على ما طال فن القصة القصيرة من تهميش غير متعمد، بل بسبب طفرة صعود الرواية في العالم العربي وهيمنتها في العالم. وكذلك أفردت المجلة عددا يحتوي على 17 نصا مسرحيا لكتّاب من 8 بلدان عربية، بهدف تقصّي حال الكتابة المسرحية العربية ومآلاتها بعد قرن ونصف القرن من التأليف المسرحي في الثقافة العربية، وتشجيع الكتّاب العرب على الكتابة في جنس أدبي يتيح لأصوات المجتمع الحضور مباشرة في قلب السؤال الأدبي والفني في الثقافة العربية المنهكة من فكرة الصوت الواحد والميول الفردية الطاغية في الأدب.
وحاورت المجلة في أعدادها السابقة 30 مفكرا وأديبا وفنانا عربيا، منهم: صادق جلال العظم، هشام جعيط، عزيز العظمة، طيب تيزيني، جاد الكريم الجباعي، صلاح فائق، سلمى الخضراء الجيوسي، الفاضل الجعايبي، محمود شقير، لينين الرملي، إلياس خوري، جمعة اللامي، جلال أمين، محمد شحرور، محمد ملص، سيد القمني، سعيد الكفراوي، وسلامة كيلة. كما حاورت 15 فيلسوفا وشاعرا وكاتبا وروائيا وباحثا من أوروبا وأميركا وأفريقيا وأستراليا، مثل: الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري، الشاعر الأميركي فيتنامي الأصل لِن دِنّ، المفكر الأميركي برونس لورانس، الشاعر الأسترالي مارتن لانغفورد، الفيلسوف والناقد السلوفيني سلافوي جيجك، الروائية الأميركية من أصل فلسطيني نعومي شهاب، والباحث الهولندي موريس برخر.
|
وفي باب الشعر نشرت المجلة، إضافة إلى النصوص التي تضمنها العدد الخاص بالشعر، قصائد لـ64 شاعرا من أجيال وبلدان عربية مختلفة. وفي مجال السرد نشرت المجلة، إضافة إلى العدد الخاص بالقصة، والملفات الثلاثة التي أشرنا إليها، نصوصا قصصية وفصولا من روايات لـ79 قاصا وروائيا من 15 بلدا عربيا.
أما في باب الدراسات الفكرية والأدبية والفنية فقد نشرت المجلة 38 دراسة، وتخطى عدد المقالات، وعروض الكتب ونقدها، واليوميات، والشهادات، والكتابات في باب “أصوات” 270 مادة. يُضاف إلى ذلك ما يتضمنه كل عدد من رسالة باريس ومختصر للكتب الصادرة حديثا بالفرنسية والإنكليزية. وبلغ عدد الكتّاب 774 كاتبا، وعدد الرسامين 56 رساما.
هكذا ولدت “الجديد” قبل 3 سنوات لتفتح صفحة مضيئة في الثقافة العربية، وفي خطتها للسنة القادمة، كما يقول رئيس التحرير، “مجموعة من الملفات والأفكار التي تطمح إلى تحقيقها، والأقلام التي تتطلع إلى استقطابها لمواصلة نزعتها النقدية، وتطلعاتها في طرح الأسئلة الصعبة، ومقاربة الموضوعات الشائكة، ليكون هذا السلوك دافعا ومحرّضا لمغامرين آخرين يتطلعون إلى تجديد دم الثقافة العربية بمالزيد من الأسئلة والمشروعات والمنابر ذات الطابع الحواري والسّجالي.