التونسيون يتحوطون من الأزمات بزيادة الاقتراض

مشاكل التضخم الجامح وتسارع وتيرة الاستهلاك يدمران القدرة الشرائية للأسر ويستنزفان موازناتها.
الأربعاء 2023/04/12
العيد لمن استطاع إليه سبيلا!

وضعت محنة التكاليف المعيشية الباهظة وانعكاساتها المدمرة الكثير من التونسيين أمام الإمعان في الاقتراض لمواجهة الأزمات التي جعلت مداخيلهم تتآكل سريعا، وفي الوقت ذاته تتبع ديونهم اتجاها تصاعديا دون وجود فرص لتعزيز مدخراتهم.

تونس - يدفع التراجع المتواصل للقدرة الشرائية في تونس مع نمو الاستهلاك الأسري، العديد من المواطنين إلى الاقتراض من البنوك والتداين كحل لمواجهة الوتيرة المتسارعة للنفقات، وهو ما يسهم في احتداد مشاكلهم ويستنزف موازناتهم.

وتؤكد أوساط اقتصادية أنه لم يعد بإمكان أغلب الأسر توفير مستلزماتها نظرا لاختلال التوازن بين مداخيلها والغلاء بعدما تخطى التضخم عتبة العشرة في المئة، مما أدى إلى عجزها عن مواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة.

ولفتت هذه الأوساط إلى أنه بات من الصعب على الأسر التخلص من الديون في الظرف الاقتصادي والمالي الحالي، وصارت رهينة مختلف أنماط القروض المصرفية سواء الاستهلاكية منها أو قصيرة الأجل، بالإضافة إلى اعتمادها على السلفة المالية من المرتب أو الأقارب.

ومع اقتراب عيد الفطر تجد الأسر صعوبات في توفير مستلزمات أبنائها من الملابس والألعاب، بعد شهر رمضان الذي يشهد عادة ارتفاعا في وتيرة الاستهلاك.

واعتبر رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي في تصريحات لوسائل إعلام محلية مؤخرا أن “أسعار ملابس العيد باهظة جدا، في ظل تدهور القدرة الشرائية”.

خميس ميتاتو: لاحظنا نقصا كبيرا في عمليات البيع بسبب غلاء المعيشة
خميس ميتاتو: لاحظنا نقصا كبيرا في عمليات البيع بسبب غلاء المعيشة

وقال إن “سعر ملابس العيد لطفل عمره 6 سنوات يتكلف ما بين 300 و350 دينارا (98.3 و114.3 دولار)، وهو مبلغ مرتفع بالنسبة إلى العائلة التونسية في ظل ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان”.

وأوضح أن “الكثير من الأسر تتوجه إلى الاقتراض لسداد ديون سابقة”، لافتا إلى أن “نحو 540 ألف أسرة تلجأ إلى هذا الحل، إضافة إلى حوالي 950 ألف أسرة يلجأ أحد أفرادها إلى التداين و422 ألف أسرة يعاني فردان منها من الاقتراض”.

ولمواجهة الغلاء يؤكّد الرياحي على ضرورة البحث عن أسباب ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى “غياب تحديد سقف لهامش الربح في قطاع الملابس والأحذية”.

ودعا وزارة التجارة إلى تحديد هامش للأرباح، كما هو الحال مع الخضروات والفواكه، بنحو 20 في المئة والمنتجات البحرية بنحو 25 في المئة.

وتظهر بيانات المرصد التونسي للخدمات المالية أن التونسيين، حيث تعاني 60 في المئة من الأسر من آفة الديون، يلجأون إلى الاقتراض بالتزامن مع المواعيد الاستهلاكية الكبيرة مثل شهر رمضان والعودة المدرسية والأعياد والمناسبات.

ومن أبرز أنواع القروض التي تشهد إقبالا تلك المخصصة لشراء سيارة أو لشراء منزل أو الاستهلاك لأغراض أخرى.

وقال خميس ميتاتو رئيس غرفة مصنّعي الأحذية إن “القدرة الشرائية للناس تدهورت إلى أكثر من النصف، وصانعي الأحذية يواجهون صعوبات كبيرة في تسويق منتوجاتهم”.

وأضاف لـ”العرب” أن “هناك نقصا كبيرا في المبيعات بسبب الغلاء وأصبح التونسيون يرتّبون أولوياتهم، فضلا عن مشكلة الاقتراض من البنوك التي لا تساند المواطن والمؤسسات بالشكل المطلوب مع وجود تعطيلات بيروقراطية كبيرة”.

وأوضح ميتاتو أن “كلفة الحذاء باهظة نظرا لارتفاع أسعار المواد الأولية واليد العاملة، ما يتطلب زيادة في أسعار المنتج، لكن المواطن في كل الحالات أصبح غير قادر على شراء حاجياته”.

واستطرد قائلا “الاستمرار في هذه الوضعية سيدفع العديد من الصناعيين إلى الخروج من القطاع”.

التمويل ضروري في المواسم
التمويل ضروري في المواسم 

وأكّد مرصد الخدمات المالية أن نسبة تداين الأسر بلغت 34 في المئة، وأن أغلب هذه الأسر تقترض أساسا من البنوك، مستندا في ذلك إلى بحث أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك.

وأظهرت نتائج المسح أن نحو 43 في المئة من الأسر لها على الأقل فرد يقترض من القطاع المصرفي وأن ثلثي الأسر تعتبر أن الوضعية الاقتصادية الراهنة تحتم عليها الاقتراض.

وانعكس ضعف القدرة الشرائية سلبا على وضع المحلات التجارية عموما، مما أنتج ركودا يظهر بوضوح من خلال اكتفاء الزبائن بمعاينة السلع المعروضة فقط.

وأكّدت مروى كزدار، صاحبة محل تجاري لبيع الملابس الجاهزة بولاية (محافظة) المهدية وسط البلاد، أن “الاستعدادات للعيد هذه السنة مختلفة عن السنة الماضية، ووتيرة بيع الملابس ضعيفة جدا”.

وقالت لـ”العرب”، إن “المواطن يشكو من الغلاء، ولكن ثمة ملابس أسعارها مرتفعة وأخرى في المتناول”، لافتة إلى أن أسعار ملابس الأطفال العادية تتراوح بين 100 و130 دينارا (32.78 و42.61 دولار).

ونبهت منظمات تونسية في وقت سابق إلى تنامي لجوء العائلات إلى القروض الاستهلاكية التي تزيد إغراقها في دوامة الديون.

محمد الجويلي: هناك تنام كبير لسلوك الاقتراض مقابل تراجع الادخار
محمد الجويلي: هناك تنام كبير لسلوك الاقتراض مقابل تراجع الادخار

وارتفعت نسبة اعتماد الأسر على الاقتراض لتغطية المصاريف المتنامية، في ظل تراجع المدخرات وضعف المداخيل تأثرا بأزمة وباء كورونا وارتفاع أسعار السلع وما نتج عنهما من ارتفاع في معدلات البطالة والتضخم وغلاء الأسعار.

وقال محمد الجويلي الباحث الاجتماعي “أصبحنا نعيش في مجتمع شعاره ‘أنا أستهلك إذن أنا موجود’، حيث الاستهلاك محدّد رئيسي لمكانة الفرد في المجتمع، والجميع دخل في حمّى الاستهلاك، في ظل وجود مؤسسات مقرضة وأهمها البنوك”.

وأضاف لـ”العرب”، “نلحظ تناميا لسلوك الاقتراض مقابل تراجع الادخار مع قدرة شرائية ضعيفة وارتفاع مؤشرات التضخّم، فضلا عن وجود مناسبات دينية يتّخذ فيها الاستهلاك منحى طقوسيّا على غرار رمضان والأعياد”.

وتابع “ثقافة الاستهلاك أصبحت هويّة للأفراد باعتبار التحولات التي حدثت وجعلت من الاستهلاك قيمة رئيسية”.

ودعا الجويلي إلى ضرورة بناء الأسر لإستراتيجيات استهلاك وترتيب الأولويات والتضحية بالأشياء المهمة قبل الأكثر أهمية.

وعرفت نسبة التضخم في السوق المحلية ارتفاعا صاروخيا جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا. ويتوقع البنك المركزي أن يرتفع التضخم إلى 11 في المئة هذه السنة.

وتشير التقديرات إلى أنه لضمان استقرار أسرة تتكون من 4 أفراد فإن مدخولها الشهري يجب ألا يقل عن 2466 دينارا (811.3 دولار) لتوفير الاحتياجات الضرورية مثل التغذية والسكن والتعليم والصحة والخدمات.

وفي ضوء ذلك يرى اقتصاديون أن وضعية ارتفاع التداين الأسري في البلاد توشك على الانفجار في الأشهر المقبلة وسيكون لها تأثير كارثي على البنوك وآثار جانبية كبيرة من الناحية الاجتماعية.

وشهدت الوضعية الاقتصادية والمالية للأسر تدهورا كبيرا ما أفرز صعوبات كبيرة في الإيفاء بسداد الديون، وازدادت المشاكل بعد الزيادات المتواترة في أسعار الفائدة لتبلغ 8 في المئة.

وبلغت نسبة الفائدة الموظفة على القروض التي لا تتجاوز مدة سدادها ثلاث سنوات 10.6 في المئة، و10.5 في المئة للقروض التي تتراوح فترة سدادها بين 3 و7 سنوات و9.6 في المئة للقروض التي تتجاوز فترة سدادها أكثر من سبع سنوات.

أزمات متباينة
أسعار نار خصوصا في أوقات الذروة 

10