التوتر بين نقابة التعليم ووزارة التربية في تونس: أزمة معقدة أم معركة بالوكالة

دخلت أزمة التعليم في تونس منعطفا حاسما ينذر بالمزيد من توتر الأوضاع مع بداية السنة الدراسة القادمة، بعد قرار وزارة التربية إعفاء عدد من مديري المدارس الابتدائية على خلفية تواصل عملية حجب نتائج امتحانات التلاميذ، قابله استغراب نقابي وتمسّك بضرورة تنفيذ الاتفاقيات السابقة.
تونس - طرح التوتر القائم بين نقابة التعليم الابتدائي ووزارة التربية في تونس تساؤلات لدى المراقبين بشأن طبيعة الصراع ودوافعه. فبينما تقول أطراف إن الأزمة تهمّ مطالب مشروعة للمدرسين، تذهب شخصيات سياسية لكونها تعكس صراعا بالوكالة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورئاسة الجمهورية.
وصعّدت وزارة التربية ضد المدرسين في تونس بإعفاء عدد من المديرين إثر رفضهم المصادقة على أعداد التلاميذ، وهددت بقطع الرواتب، في خطوة اعتبرتها الجامعة العامة للتعليم الأساسي (هيكل نقابي)، انتقامية ضدّ المدرسين.
ويرى مراقبون أن التلميذ أكبر متضرر من ذلك الصراع المتواصل منذ سنوات، في ظل غياب الإرادة السياسية اللازمة لمعالجة الأزمة. وتستمر التجاذبات بين الطرفين، مع تصاعد الغموض بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق ينهي الجدل القائم.
وأكد وزير التربية محمد علي البوغديري، مساء الخميس، أنّه تم إعفاء أكثر من 150 مديرا إلى حد الآن (من جملة 4500 مدير في تونس)، وهو عدد قابل للارتفاع وفق قوله، بسبب رفضهم معالجة الأعداد التي قام المعلمون بتنزيلها على الفضاء الرقمي.
وقال البوغديري، في تصريح لإذاعة محلية، “هؤلاء مديرون أخلّوا بالواجب، ما يستوجب حسب القوانين قطع العلاقة المهنية، لا فقط إيقاف الراتب أو الإحالة على مجلس التأديب” .
وأضاف البوغديري أنّ “القانون هو الفيصل، وأنّ اللجان التابعة لوزارة التربية في المركز الوطني لتكنولوجيا التربية، تعمل على التثبّت وتحديد هؤلاء المديرين، كما تتم في المقابل مطالبة بقية المديرين بصياغة تقرير عن المعلمين الممتنعين عن تنزيل أعداد التلاميذ”.
وشدّد وزير التربية على أنّ “التفاوض مع الجامعة العامة للتعليم الأساسي والجامعة العامة للتعليم الثانوي، خلُص إلى الاستجابة لكل المطالب”، مستنكرا “استعمال آلية حجب الأعداد للضغط على الوزارة”، مؤكدا “سعيها إلى الحوار لإنجاح العودة المدرسية القادمة”.
وردا على ذلك، اعتبرت الجامعة العامة للتعليم الأساسي قرار وزارة التربية بإعفاء 150 مديرا على خلفية حجب الأعداد فيه “شحنة انتقامية”.
وأفادت المسؤولة بالجامعة آمال الرضواني بأن “قرار وزارة التربية تصعيدي لا يخدم المنظومة التربوية ولا يحل الإشكاليات، إنما يزيد من درجة توتر الأوضاع”.
وأكدت في تصريح لإذاعة محلية، الجمعة، أن “الحق النقابي منصوص عليه في الدستور ولا يمكن ضربه”، لافتة إلى أن “قرار الإعفاء غير متوقع وكان مفاجئا”. كما شدّدت الرضواني على “ضرورة العودة إلى طاولة الحوار والتفاوض”.
ولم تفض المفاوضات بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي إلى أيّ حلّ يرضي الطرفين.
وتطالب النقابة بتنفيذ اتفاقات وُقّعت منذ عام 2019 تقضي بتمكين المدرّسين من التدرّج المهني، وبرمجة انتداب المعلمين النواب على مراحل. في المقابل، تقول وزارة التربية إنها غير قادرة على تلبية المطالب ذات التبعات المالية، وخصوصا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تقف الحكومة أمامها عاجزة، وأجبرتها على اتخاذ عدد من القرارات، من بينها تقليص موازنات العديد من الوزارات وعدم تفعيل الاتفاقات بصيغتها المادية وإيقاف الانتدابات تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
وعبر الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الأساسي نبيل الهواشي عن استغرابه من سرعة اتخاذ الوزارة للقرار. وقال في تصريح لإذاعة محلية إن “سرعة تنفيذ وزارة التربية لوعودها دليل على أن قائمة المديرين جاهزة مسبقا”.
وأضاف الهواشي “يبدو أن الوزارة انتقت قائمة المديرين على قاعدة علاقاتهم المتقدمة مع النقابيين ومحاولة أن نُدفعهم الثمن واختراق الكادر التربوي وإثارة مناخ من الخوف”، لافتا إلى أنه “كان يجب على الوزارة التفاعل مع المطالب المشروعة للمدرسين وليس اتباع نهج الاقتطاع من الرواتب”.
وشدد المتحدث على أن “رد جامعة التعليم الأساسي على الوزارة سيكون بالمثل”، حسب تصريحه. ولم يحصل قرابة مليون تلميذ في المرحلة الابتدائية على نتائج الامتحانات لهذا العام، بعد تمسّك جامعة التعليم الأساسي بضرورة تسويات لمطالب القطاع التي لم تلقَ قبولاً من قبل وزارة التربية.
ويقول مراقبون إن الدور النقابي لجامعة التعليم تطغى عليه الصبغة السياسية، خصوصا بعد تمسّك نقابة التعليم بمطالبها دون مراعاة الصعوبات المالية والاقتصادية للبلاد، في علاقة بتأمين سدّ عجز الموازنة للعام 2023.
ويشير هؤلاء إلى أن نقابتي التعليم الأساسي والثانوي في تونس هما أبرز النقابات التي يراهن عليها اتحاد الشغل لابتزاز الدولة، وهو ما يشكل تهديدا للمنظومة التعليمية العمومية ككل.
وقال ناجي جلول وزير التربية السابق، “منذ أكثر من 20 سنة ونحن نتحدث عن مشاكل التعليم، ويبدو أنه لا توجد إرادة سياسية واضحة لحل هذه الأزمة، كما أن الأشكال النضالية النقابية (حجب الأعداد) خاطئة، لكن من جهة أخرى رواتب المدرسين ضعيفة”.
واعتبر في تصريح لـ”العرب” أنه “كان من الممكن أن يتفادى وزير التربية إجراء الإعفاء، لأن هذه الخطوة ستدفع نحو إرباك الوضع”، لافتا “خوفي أن يكون هناك صراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، ورئاسة الجمهورية، ويدار هذا الصراع بالوكالة بين نقابة التعليم ووزارة التربية”.
وتابع ناجي جلول “هناك مشاكل متراكمة في التعليم منذ سنوات ولم يتم حلّها، ولا بدّ من تشكيل مجالس منتخبة يتم فيها انتخاب المديرين”، مشدّدا على أن “التلميذ والشعب التونسي تضرّرا عموما من هذا الوضع الكارثي للتربية والتعليم والذي انعكس على الجامعة والشغل والمجتمع عموما”.
وأضاف “ستكون هناك عودة مدرسية محتقنة في سبتمبر القادم، والمدرسة التونسية ليست في حاجة إلى كل هذه المشاكل”. ومنذ سنوات يعاني التعليم العمومي في تونس من صراعات بين النقابات وسلطة الوصاية، ما حوّل التلميذ إلى رهينة تستعمل كورقة ضغط من أجل تحصيل مطالب ماليّة بالأساس.
ويؤكد مراقبون على تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج ونقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع. وساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.
وتستدعي عملية إصلاح القطاع الحيوي في تونس، وضع آليات وبرامج برؤية مستقبلية واضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التربوية.
تواتر في السنوات الأخيرة العديد من الوزراء على تقلد منصب وزارة التربية في البلاد، وظلّ إصلاح منظومة التعليم والارتقاء بجودة البحث والمعرفة مجرد شعارين.