التمييز ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يزيد تهميشهم وعزلتهم

يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة مشاكل في الاندماج داخل المؤسسات التربوية ومؤسسات رعاية الطفولة ما يجعلهم غير قادرين على مواكبة أترابهم على مستوى التحصيل العلمي أو ربط علاقات الصداقة. ورغم دعوة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل إلى تحسين وصولهم إلى الخدمات ومشاركتهم في جميع جوانب الحياة، إلا أن ما يعانونه من تهميش يزيد من استبعادهم ممّا يعرضهم لأخطار الأذى ويعمق التحديات المطروحة على أسرهم.
أكد المسح العنقودي متعدّد المؤشرات عن وضع الأم والطفل في تونس أن الأطفال الذين يعانون من صعوبات وظيفية هم من بين أكثر المجموعات تهميشا في المجتمع، حيث لا يمكنهم التمتع بصفة فعلية بحقوقهم في الصحة، والتعليم، وحتى البقاء على قيد الحياة عند مواجهة التمييز اليومي في شكل مواقف سلبية، وعدم وجود سياسات وقوانين مناسبة.
وعرض المسح مجالات الصعوبات الوظيفية التي يعاني منها الأطفال، ومنها صعوبة الرؤية، والسمع والمشي، والقدرة البشرية على التحرك، والتواصل، واللعب، والسيطرة على السلوك، والقدرة على التذكر، والتركيز، وتقبل التغيرات، وبناء الصداقات مما ينتج التوتر والاكتئاب.
وأشارت أسماء مطوسي حيدري مديرة التنشيط التربوي والاجتماعي بوزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين إلى تلقي الوزارة لإشعارات عن تعرض هذه الشريحة إلى تهديدات بالعنف والتمييز، مؤكدة على خضوع بعض الحالات إلى المتابعة الإدارية عبر التفقد البيداغوجي واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المؤسسة التي لا تحترم حقوق هؤلاء الأطفال.
التمييز ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة واستبعادهم يعرّضانهم لأخطار الأذى البدني والعاطفي والإهمال
وقالت مطوسي لـ”العرب”، إن “القانون الخاص برياض الأطفال والذي أكدنا فيه على ضرورة تكافؤ الفرص بين الأطفال الطبيعيين والأطفال ذوي الصعوبات الوظيفية ما زال يقبع في رفوف مجلس النواب”، مشيرة إلى إقرار الوزارة برامج ومناهج إدماجية تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الخصوصية لكل طفل.
كما أكد المسح أن الأطفال ذوي الصعوبات الوظيفية، غالبا ما يكونون من بين أفقر السكان، وأقل احتمالا للالتحاق بالمدارس أو النفاذ إلى الخدمات الصحية، أو التعبير عن رأيهم في المجتمع. وأشار إلى أن التمييز ضد هذه الفئة من الأطفال واستبعادهم يعرضهم لأخطار التأذي البدني والعاطفي وإلى الإهمال والعنف والاستغلال، وهو ما أكده أيضا محمد الأبيض الخبير في علم النفس الذي حذر من عدم قبول الأهل لوضعية طفلهم.
وقال الأبيض لـ”العرب”، “إن الطفل ذا الصعوبات الوظيفية إذا أحس أن أهله غير راضين عن وضعيته أو يتذمرون من سلوكه سيصاب بالتوتر والقلق وستكون ردود أفعاله سلبية تصل حد الاكتئاب”، مشيرا إلى أن إحساس الشفقة الذي يصدره المجتمع تجاه هذه الفئة من الأطفال إحساس مؤلم يعمّق شعورهم بالنقص.
وتشير الإحصائيات إلى أن 23.7 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة في تونس يعانون من صعوبات وظيفية بينما ترتفع النسبة في الأردن لتصل إلى 27.8 بالمئة. ويبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من صعوبات وظيفية في الأردن 651 ألف طفل، 46.6 بالمئة منهم إناث. أما عدد غير الأردنيين الموجودين بالمملكة والذين يواجهون صعوبات في وظائف الجسم فيبلغ 260 ألفا، 42.8 بالمئة منهم إناث.
كما تفيد الأرقام أن 3 بالمئة من أطفال تونس الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاما ممن يستخدمون جهاز السمع، يعانون من صعوبة في السمع بالرغم من استخدام هذه الأداة، كما يواجه حوالي 3 بالمئة من نسبة 11 بالمئة من الأطفال الحاملين لنظارات صعوبة في الرؤية رغم حملهم لها. وتعتبر الصعوبة في الرؤية من بين أكثر الصعوبات انتشارا في الأردن بنسبة 2.7 بالمئة، تليها صعوبة التذكر بنسبة 1.5 بالمئة، ثم صعوبة السمع والمشي والتواصل مع الآخرين بنسبة بلغت 1.3 بالمائة، وصعوبة العناية الشخصية بنسبة بلغت 1.2 بالمئة.
وتطرح مسألة إدماج الأطفال ذوي الصعوبات الوظيفية في المنظومات التربوية الرسمية تحديات مضاعفة على المؤسسات الحكومية المطالبة بتوفير فضاءات إضافية، وإطارات ذوي كفاءة للعناية بهذه الشريحة. وقالت مطوسي”إن الوزارة ألزمت مؤسسات الطفولة بقبول من هم حاملون لإعاقات شرط أن يكونوا قابلين للاندماج وحاملين لوثيقة طبية تثبت ذلك”.
وأشارت إلى أنهم يشتغلون على معايير الجودة بالشراكة مع “اليونيسيف”وأنهم بصدد تدريب إطارات عليا ليكونوا قادرين على متابعة مسألة دمجهم في الوسط التربوي والاجتماعي.
من جهته أكد عماد بن عبدالله السديري الخبير الدولي في التربية، أن مختلف دول العالم تسعى إلى إدماج جميع الأطفال ذوي الصعوبات الوظيفية في المنظومات التربوية الرسمية وذلك في إطار التوجهات الدولية التي تؤكد على ضرورة الالتزام بسياسة الدمج وتوفير تعليم ملائم للجميع مهما اختلفت حاجات الأطفال أو أوضاعهم.
وقال لـ”العرب”، “إنه رغم شحّ البيانات بشأن وضع الأطفال ذوي الصعوبات الوظيفية في الدول العربية إلا أن التقارير تؤكد أن بعض الدول حققت إنجازات كبيرة في مجالات دمجهم، ومنها البحرين”، مشيرا الى ان اوضاعهم في المنطقة العربية تختلف من دولة إلى أخرى.