التقاطعات ترسم ملامح الإصلاح السياسي في الأردن

يثير التقاطع في أعمال مجلس النواب الأردني واللجنة الملكية للتحديث السياسي جدلا في المملكة، ويعمق الشكوك بشأن مآلات توصيات اللجنة التي أوكلت إليها مهمة صياغة قانون انتخابي عصري وديمقراطي يستجيب لتطلعات الأردنيين.
عمان – شرع مجلس النواب الأردني الاثنين في مناقشة مشروع قانون البلديات واللا مركزية لسنة 2021، فيما يرى مراقبون أن السير بإجراءات إقرار القانون يقطع الطريق على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي أوكلت إليها مهمة تقديم مقترح قانون انتخابي عصري يلبي مطالب الإصلاح السياسي في المملكة.
وقال نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية توفيق كريشان إن مشروع قانون البلديات واللا مركزية لسنة 2021، “غير مرتبط بانتظار توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”.
وأضاف أن “مشروع القانون هو الآن ملك مجلس النواب الذي ينظر فيه من خلال اللجنة النيابية المشتركة. ووقت إقراره بيد المجلس، وغير مرتبط بانتظار توصيات اللجنة الملكية”، مؤكدا أن توصيات اللجنة الملكية ستكون مستقبلية والعمل بها يحتاج إلى سنوات.
ويهدف مشروع القانون إلى تعزيز مشاركة المواطنين في صناعة القرار وتطبيق اللا مركزية من خلال نقل بعض صلاحيات المركز ومهام الإدارات إلى المحافظات، بالإضافة إلى تعزيز الدور التكاملي بين مجالس المحافظات والبلديات، وإشراك ممثلي القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والنسائية في مجالس المحافظات.
وتتقاطع هذه الخطوة مع أجندة مجلس النواب التي يفترض أنها ستكون متخمة بمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
ويقول مراقبون إن مناقشة البرلمان لمشروع قانون انتخابي يقطع الطريق على توصيات اللجنة الملكية للتحديث السياسي كونه يتقاطع مع الاختصاصات الموكلة إليها، مما يجعل توصياتها التي من المزمع أن تتقدم بها في أكتوبر القادم غير قابلة للتطبيق على الأقل في المدى القريب والمتوسط.

ويرى شق من السياسيين الأردنيين أن اللجنة الملكية للتحديث السياسي وحتى وإن تأخرت في تقديم توصياتها أو تم تمديد فترة عملها إلى ما بعد أكتوبر القادم نظرا للعراقيل التي تعترضها أو كثرة الاستشارات والجلسات، فهناك عدة مخارج قانونية لتضمين توصياتها ضمن قانون البلديات واللا مركزية الذي ينتظر أن يصادق عليه مجلس النواب قريبا.
وأحد هذه المخارج يتمثل في سحب القانون من مجلس النواب وإدراج توصيات اللجنة ضمنه، ومن ثم إعادته للمصادقة من جديد.
ورغم الكم الهائل من المشاورات واللقاءات، لم تحقق اللجنة الملكية للتحديث السياسي أي تقدم على مستوى مشاريع القوانين المنوطة بعهدتها قبل شهرين على موعد رفع توصياتها النهائية.
وفي وقت يراهن فيه شق من الأردنيين على مخرجات اللجنة لتجاوز حالة الغليان المجتمعي، يرى آخرون أن اللجنة مجرد مناورة لامتصاص الغضب لا أكثر.
وينتظر أن يقدم رئيس اللجنة في أكتوبر المقبل نتائج مشاوراته مع القوى السياسية المختلفة في البلاد للخروج بتوصيات، لإحداث الإصلاح السياسي المنشود في المؤسسة البرلمانية والقانونية في المملكة.
وما زالت التساؤلات تطرح حول إمكانية تحقيق تقدم في مخرجات اللجنة، التي بدأت اجتماعاتها مؤخرا ضمن لجان فرعية تبحث قوانين الأحزاب والانتخاب وحرية التعبير.
وأعلنت اللجنة المؤلفة من 92 عضوا أنها لم تنجز شيئا في مجال التوافق على قانون انتخاب عصري. ويمثل القانون المنتظر أحد أركان الإصلاح السياسي الذي يفترض أن ينتهي إلى تشكيل حكومات منتخبة، تحد من سلطات الملك وتقوم على التمثيل الحزبي في البرلمان.
ويهدف عمل هذه اللجنة، حسب ما هو معلن، إلى وضع إطار تشريعي يؤسس لحياة سياسية نشطة تهيئ المجال لبرلمان قائم على البرامج، وليس لبرلمان “صوريّ” هدفه تزكية خطوات السلطة التنفيذية.
وتقول أوساط سياسية أردنية إن الوتيرة التي تسير بها أعمال اللجنة تجعل من الصعب عليها الالتزام بالمهلة المحددة لعملها، أي الخريف المقبل، محذرة من أن مسار الأمور يشي بأن عمل اللجنة قد يستغرق عدة أشهر، وهذا من شأنه أن يعزز مخاوف البعض من أن يكون الأمر متعمدا رغبة في امتصاص غضب الشارع من خلال الادعاء بوجود تمش إصلاحي هو ليس موجودا في الواقع.
ويثير بطء اللجنة الملكية للتحديث السياسي في الأردن تساؤلات بشأن الحدود التي يمكن أن تصل إليها هذه الإصلاحات في ضوء التجارب السابقة المخيبة للآمال. وتعهد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالوقوف شخصيا على مخرجات عمل اللجنة، واتهم مؤخرا أطرافا لم يسمها بمحاولة عرقلة عمل اللجنة.
وقال العاهل الأردني خلال لقائه برئيس اللجنة سمير الرفاعي ورؤساء ومقرري اللجان الفرعية المنبثقة عنها وأعضاء مكتبها التنفيذي، إن مسيرة التحديث والتطوير مستمرة، بالرغم من محاولة البعض وضع المعوقات أمامها، دون إدراكهم أن العمل يجري بشفافية لأجل مستقبل أفضل للأردن.
ويراهن الملك على لجنة التحديث السياسي لامتصاص غضب الشارع الأردني الذي يطالب بإصلاحات سياسية وإدارية. وأطلق العاهل الأردني مبادرة الإصلاح السياسي في المملكة، بعد أسابيع على أزمة الأمير حمزة أو ما يعرف بـ”قضية الفتنة” التي نشبت داخل الأسرة الهاشمية.